حرب يونية 1967 مازالت متواصلة منذ أربعين عاما هذه ليست جملة في مقال أو عنوان مانشيت بمناسبة مرور أربعين عاما علي النكسة التي يعاني تبعاتها العرب حتي اللحظة بل هو مضمون تقرير صادر عن الجهات المختصة الإسرائيلية تعترف فيه بأنه منذ عام 1967 وبات الأمن الإسرائيلي علي رأس جدول الأعمال الجماهيري وان مداولات الحكومة واهتماماتها أصبح يتركز وينصب علي القضايا الأمنية علي حساب الاهمال المتواصل للمشاكل الداخلية اجتماعيا واقتصاديا فمنذ الحرب اعتقدت حكومات إسرائيل بأن الوضع الجديد الناشيء مؤقت وان الأمور ستصل ان عاجلا أو اجلا إلي مرحلة التفاوض أو القرارات الدولية القسرية إلا أن كل ذلك لم يحدث وتحول الشيء المؤقت إلي دائم وانصب الاهتمام الجماهيري ومداولات القادة كلها حول السياسات الخارجية والأمنية. إن وصول النخبة السياسية والقادة الإسرائيليين إلي هذه القناعة بعد أربعين عاما علي الحرب يعني انها لم تكن عادلة بالمطلق كما يحاول بعضهم تثبيت ذلك وان حربا كهذه رغم هزيمة الحرب وخسارتهم الفادحة للكرامة والأرض وانتصار اسرائيل الساحق فيها لم يجر عليها الأمن والأمان الذي كانت تراه قريبا بل ابتعد عنها اكثر واكثر وان الاستنتاج الفعلي الذي وصلوا إليه واحد لا ثاني له وهو غياب المفاوضات الفعالة التي تماطل اسرائيل في انجازها مع العرب علي حساب أمنها الزائف وأمانها المنشود. في المقابل تمر ذكري النكسة ومازالت الأنظمة العربية بنخبها السياسية وقواها الطبقية والاجتماعية تجتر شعارات الماضي وانتاج نفس المصطلحات والصيغ للتعاطي مع شعوبها قمعا وسلبا للحريات العامة والخاصة ومصادرة أبسط الحقوق المدنية والاقتصادية والاجتماعية بما في ذلك حق التعبير والتنظيم والمشاركة السياسية عبر انتخابات حرة وديمقراطية ونزيهة تكرس مبدأ الحرية وانتقال وتداول السلطة بشكل سلمي وديمقراطي. لقد حاولت اسرائيل والولايات المتحدةالأمريكية قطف ثمار نتائج العدوان الغاشم علي الشعب الفلسطيني والشعوب العربية وتكريس واقع الهزيمة من خلال فرض اسرائيل كقوة اقليمية وحيدة لحماية المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدةالأمريكية وكقوة تهديد للشعوب العربية وقطع الطريق أمامها من انجاز مهامها الوطنية والديمقراطية ورغم مرور الذكري الأربعين للنكسة في ظروف عربية غاية في القتامة ومرورا بأزمات سياسية ضخمة خاصة في الأراضي الفلسطينية فان اسرائيل علي غير عادتها لم تحتفل بمرور أربعين عاما علي انتصارها العسكري الكبير وذلك ربما يفعل ارتفاع نسبة الإسرائيليين الذين باتوا علي قناعة بان احتلال الأراضي العربية عام 1967 لا يحقق الأمن المنشود للدولة العبرية وربما أيضا بفعل قناعة اليمين الاسرائيلي بأن حلم أرض اسرائيل الكبري لم يعد قابلا للتنفيذ لكن الأمر الأكيد هو أن الاجواء المتكررة في سماء الدولة العبرية من فشل الحرب الثانية علي لبنان صيف العام الماضي في تحقيق أهدافها العسكرية تحول دون الاحتفالات الرسمية بمرور أربعة عقود علي هزيمة ثلاثة من اكبر الجيوش العربية. أما في الأراضي الفلسطينية والمتضررة الاولي من حرب 1967 فباستثناء ندوات ومؤتمرات هنا وهناك لم يقف الفلسطينيون كثيرا عند حلول ذكري النكسة والسبب ليس نسيان المواطنين لهذه الذكري الاليمة التي فقدوا فيها آخر ما تبقي من أرض وطنهم وانما تكاثر وتراكم النكسات في حياتهم علي نحو بات يصعب عليهم التفريق بين نكسة وأخري. فقد وجد الفلسطينيون أنفسهم بعد سنوات من النضال والتضحية ومقاومة الاحتلال بكل طغيانه وجدوا أنفسهم يقعون في اتون صراع علي السلطة ترافق مع حصار ادي الي انهيار الاقتصاد وشيوع الفقر والبطالة وتفشي الفوضي الامنية والاقتتال الداخلي وانتشار الجريمة بمختلف انواعها دون رادع أو نهاية. وفاقم من حدة الأزمة واحساس المواطنين بمرارة الهزيمة وعمقها داخلهم تفجر الاوضاع الداخلية بالصراع المحتدم علي السلطة بين جناحي السلطة فتح وحماس ونسوا أو تناسوا قضيتهم الأم وهي مقاومة الاحتلال ودحره واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وضمان عودة اللاجئين. ان مرور ذكري النكسة والعالم العربي علي هذه الحال من التمزق والفرقة واللامبالاة والشعب الفلسطيني ينحر علي مقصلة الخلافات الداخلية والصراعات الفئوية من جهة ومن جهة أخري علي أيدي قوات الاحتلال التي لا تدخر وسعا لانهاك قواه بكل السبل كل ذلك جعل من الشعب الفلسطيني بنخبه السياسية واحزابه ومجتمعه المدني لا يكترث كثيرا بهذا الحدث الضخم فالنكسات المتعاقبة التي تمر عليه وتؤشر بشدة لحرب أهلية بدأت شواهدها تتضح شيئا فشيئا عمق الاحساس بالهزيمة ومرارة الهزيمة التي يعيشها الشعب الفلسطيني في ذاته لما يمر به من ظروف استثنائية لم تمر عليه من قبل ربما تكون افدح وأعمق من ذكري مرور أربعين عاما علي النكسة!!