لاتزال البيئة السياسية اللبنانية قادرة على تفريخ الانقسامات السياسية التى تزيد الموقف هشاشة وتعقيدا ففى وجود 18طائفة هى مكونات المجتمع اللبنانى وحوالى 112حزبا وحركة سياسية يسعى الرئيس اللبنانى المنتهية ولايته فى مايو الماضى إلى تشكيل حركة أو جبهة سياسية مسيحية جديدة برعايته فى ظل الانقسام الحاد بين الفريقين الأساسيين فى الساحة السياسية اللبنانية-8آذار و14آذار- أو بين الموارنة أنفسهم - ميشال عون وسمير جعجع- الذين فشلوا على مدار مايقرب من العام فى اختيار رئيس للجمهورية من بين المسيحيين الموارنة حسب نص الدستور اللبناني،حيث ينتمى كل مرشح من المرشحين الأساسيين للرئاسة لفريق يناهض الآخر ويكن له العداء،فعون مرشح 8آذار وحليف حزب الله القوى ومؤيد لبشار الأسد وإيران ،بينما سمير جعجع مرشح 14آذار وحليف تيار المستقبل والسعودية ومناهض لبشار الأسد وإيران،ولذلك يكثف الرئيس ميشال سليمان اتصالاته مع شخصيات مسيحية من خارج 8 و14 آذار لضمها الى الحركة السياسية التى ينوى إنشاءها. وكان سليمان قد أكد أكثر من مرة أن الحكومة مسئولة مكان رئيس الجمهوريّة وعلى الجميع تمكين الحكومة من تنفيذ واجباتها، انطلاقاً من الخطر الذى يحيط بنا، حيث يتم تغيير وجه المنطقة من دون أى تدخل من المجتمع الدولي،وهو الأمر الذى لم يلتزم به وزراء القوى السياسية المتناحرة داخل مجلس الوزراء . ولم يغب عن الرئيس سليمان ابن المؤسسة العسكرية أن يبدأ خطوته التى ترمى حجرا فى الماء الراكد من رأس الكنيسة المارونية فى بكركى والتى لابد أن تبارك اختيار الرئيس الجديد وترضى عنه، فتحدث مع البطريرك المارونى الكاردينال مار بشارة بطرس الراعى بهدف رعاية الجبهة الجديدة التى تستلهم مواقف بكركي، وما ورد فى إعلان بعبدا من ثوابت، على أن تعقد الجبهة اجتماعاتها الدورية فى دارة الرئيس سليمان فى اليرزة أو عمشيت، وتكون مفتوحة أمام الراغبين فى الانضمام إليها. وستضم الجبهة التى يخطط لها سليمان وزراء حاليين وسابقين ونوابا حاليين وسابقين ونقابيين وأساتذة جامعات ورجال فكر، وستضع الجبهة الجديدة نظام عمل لها وتنشئ أجهزة تابعة لها تتعاطى فى كل المواضيع السياسية والاجتماعية والاقتصادية المطروحة وتضع برنامج عمل لها، ويهدف سليمان من ذلك إلى محاولة عزل العماد عون مسيحيا وتحجيم حضوره فى الساحة المسيحية،خاصة وأن طرح سليمان الجديد وجد آذانا صغية من ثمانية وزراء من بين 24وزيرا هم قوة حكومة تمام سلام. وسليمان القادم من قيادة الجيش إلى منصب رئيس الجمهورية لن يكون له وجود سياسى بعدما انتهت ولايته وترك القصر الرئاسى فى بعبدا انتظارا لقدوم الرئيس الجديد، حيث إن سليمان بدون كتلة وزارية يستند اليها فى الحكومة أو يفرض وجوده السياسى من خلالها،ولا يترأس حزباً، وليس له حيثية سياسية بعد خروجه من القصر الجمهوري. وبعد شغور المنصب الرئاسى منذ مايو الماضى تولى مجلس الوزراء إختصاصات رئيس الجمهورية، ولكن الحكومة تدورفى حلقات التعطيل نظرا لعدم اعتماد آلية معينة لاتخاذ القرارات ، لذلك أجمعت كل الكتل السياسية الوازنة على وجوب تعديل الآلية، وتنوع الرأي، فهناك من نادى بالإلتزام بالمادة 65 من الدستور والتى تنص على اتخاذ قرار بالنصف زائداً واحداً فى القضايا العادية، وبالثلثين بالقضايا المهمة، وهناك من نادى بالثلثين دوماً كرأى رئيس مجلس الوزراء تمام سلام. ولم تُحسم مواقف آخرين لعدة اعتبارات. وفى تغيير الآلية يتضرر سليمان بشكل أساسي، تتبعه كتلة الكتائب، ثم الوزراء المستقلون، انطلاقاً من أن الاتفاق بين الكتل السياسية الأساسية يفرضُ بالتصويت أى قرار عند تغيير الآلية، وعندها لا قيمة عملية لاعتراض وزراء سليمان الثلاثة أو وزراء الكتائب الثلاثة، أو أى وزير مستقل. وبسبب آلية الحكومة فى إتخاذ القرارات تلاقت المصالح بين سليمان ورئيس حزب الكتائب أمين الجميل والمستقلين،حيث يريد سليمان فرض وجوده السياسى فى فترة الشغور الرئاسي، ويشعر سليمان مع الجميل – الإثنان مسيحيان مارونيان- أن أى اتفاق بين رئيس التيار الوطنى الحر العماد ميشال عون ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع سيضرهما سياسيا،لأن اتفاق عون وجعجع يعنى أن الرئاسة ستكون من نصيب أحدهما. ولكن التحالف السياسى بين الجميل وسليمان والمستقلين. هل هو مؤقت أم يملك رؤية ومصلحة متبادلة؟ إذا كان الجميل يرأس حزباً عريقاً ولديه كتلة نيابية، فماذا لدى سليمان بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتأليف حكومة لا وزراء له فيها؟ ربما يُدرك حزب الكتائب الأمر ويريد فقط الاستفادة حالياً من وجود ثلاثة وزراء لسليمان فى الحكومة لتأليف جبهة سياسية للمشاركة فى المزايدات المسيحية بين الموارنة والتى تعطل إنتحاب رئيس الجمهورية نظرا لإنقساماتهم المتعددة. ومن جانبه أكد مستشار رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان، بشارة خير الله، أنه لن يكون تاريخ 13 نيسان- إبريل- الجارى يوما يتذكر فيه اللبنانيون حافلة عين الرمانة التى كانت الشرارة فى انطلاق الحرب الأهلية عام 1975، إنما سيكون وبالتوازى مع هذه الذكرى موعدا يطلق فيه سليمان منتدى حواريا لم يُحسم اسمه بعد، مشيراً إلى أن سليمان اقترح أن يكون اسم المنتدى لقاء الجمهورية، والهدف من إنشاء المنتدى هو دعم وتحصين اتفاق الطائف الذى أنهى الحرب الأهلية اللبنانية بعد15عاما من الاقتتال،من خلال معالجة الأعطال والتعقيدات الدستورية التى كان سليمان أول رئيس يواجهها خلال ولايته الرئاسية دون وجود وصى وذلك للحيلولة دون المطالبة بمؤتمرات تأسيسية تصاعدت الدعوات اليها خلال المرحلة الأخيرة. وأضاف خيرالله أن المنتدى عابر للطوائف والمذاهب، ويتألف من هيئة عامة وأمانة سر ومجلس تنفيذي، وأن الاجتماع الأول للهيئة العامة سيضم حوالى ال70 شخصية مستقلة من كافة المذاهب والاختصاصات، على أن تُفتح أبواب اللقاء بعد الاجتماع الأول أمام من يريد الانضمام إليه، مؤكدا أن إعلان بعبدا سيكون بندا أساسيا على طاولة المناقشات والبحث، لكونه الوثيقة الوحيدة القادرة على تحييد لبنان عن صراعات المحاور. وفى ظل الإنقسامات المسيحية المارونية بين الفريقين الأكبر فى الساحة السياسية – عون مع8آذار وجعجع مع 14آذار- وكذلك الإنقسام بين المسلمين بين الفريقين أيضا- الشيعة مع 8آذار والمستقبل مع14آذار- يظل منصب رئيس الجمهورية محلك سر حتى يتفق المسيحيون معا والمسلمون معا ،ثم يتفق المسيحيون والمسلمون على مرشح معين ليكون رئيسا للجمهورية ، وحتى يحدث ذلك وإن كان غير قريب،يسعى رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان لتكوين جبهته السياسية بالتعاون مع الكتائب والوزراء المستقلين ليضمن له مكانا تحت شمس السياسة اللبنانية بعد إختيار رئيس جديد ،ومن ثم إجراء الانتخابات النيابية المؤجلة من 2013 ليضمن على الأقل كتلة نيابية وازنة تسانده ،فى ظل غياب كتلته الوزارية مستقبلا ،فهل ينجح سليمان فيما فشل فيه الآخرون؟