النقل البحرى من أهم القطاعات التى تمثل رقما مهما فى موازنات دول بعينها كسنغافورة واليونان وهولندا ودولة الإمارات العربية الشقيقة ، وللأسف الشديد رغم امتلاك مصر لما ما يقرب من 2450 ألف كيلو متر على شواطئ البحرين المتوسط والأحمر و 60 ميناء ، ومع ذلك لا يحقق ذلك القطاع ولا تلك الموانى رقما فى معادلة الموازنة المصرية يتلاءم مع الموقع المتميز الذى تحظى به ، فحسب مصادر مسئولة بوزارة النقل لايزيد عائد 14 ميناء تجاريا عن 150 مليون دولار فى العام وذلك يعد من أضعف العوائد بين الموانى البحرية. وللوقوف على أسباب تأخر وتراجع ذلك القطاع والمشاكل التى تواجهه والاطلاع على الرؤى السديدة التى تمكن من إعادة مصر للمكانة المرموقة التى كانت تتمتع بها فى إحدى الحقب وأهلتها لأن تمتلك ترسانة بحرية ولأن تكون من مؤسسى المنظمة البحرية الدولية ، واليوم تصارع الطواحين لعودة عضويتها بها بعد أن خسرت مقعدها فى عام 2013 ، ولذا توجهت صفحة "قضية السبت" للخبراء والمختصين والمسئولين عن إدارة هذا القطاع . اللواء الدكتور إسماعيل عبد الغفار رئيس الأكاديمية العربية للتكنولوجيا والنقل البحرى أكد أن قطاع النقل البحرى بمصر كان فى إحدى الفترات الماضية له مكانة رفيعة ، فلا ينكر أحد أن مصر بلد رائد فى مجال النقل البحرى ، وكلنا نعلم المكانة التى كان عليها الأسطول المصرى وحجمه ومداه عندما بناه جمال عبد الناصر، ولكن للأسف الشديد تراجعنا بعد ذلك وتدهور الحال بالنسبة للأسطول ولصناعة النقل البحرى وهذا التردى لم يقتصر على قطاع النقل البحرى وحده وتعداه للمجالات الأخرى . ويرجع عبد الغفار أسباب ذلك التراجع والتردى لعدم اهتمامنا بخروج الكادر البشرى المؤهل بصورة صحيحة ونتج عن ذلك تخلينا عن مكانتنا لدول وعمالة أخرى ، فالعمالة البحرية اليوم معظمها من الفلبين ومن دول أخرى ويغيب عنهم العامل المصرى للأسف الشديد، فالمشكلة ليست فى قطاع النقل البحرى ولكنها مشكلة دولة كان لها مكانة كبيرة وتأثير قوى جدا ثم تخلت عن كل ذلك بفعل فاعل طواعية، ولكن بالنسبة لمصر اليوم فهى مؤهلة بعناصر كثيرة ومنها الكوادر والقدرات البشرية والتى تعد نقطة انطلاق كبيرة لمصر رغم أنها تعتبر فى الوقت الراهن عبئا على البلد وتمثل أزمة بطالة ولو كنا اهتممنا بالتعليم والتثقيف والرعاية الصحية كما ينبغى لما عانينا من مثل تلك الأزمات. ويستطرد قائلا فى وقت من الأوقات كان الفنى "الأسطى " له مكانة كبيرة بين الشعب المصرى وهذه القيمة والمكانة موجودة حاليا فى دول أوروبا والعالم بينما نحن للأسف فى الوقت الراهن افتقدناها واندثرت لدينا ومن المهم جدا عودة المهنية والحرفة والصنعة ، فالقدرة والقوة البشرية لدينا هى التى ستفكر وتدير وتنمى وتنفذ وتعمل . بيت خبرة ومن أجل إعداد كوادر بشرية مؤهلة ومتخصصة بقطاع النقل البحرى أوضح الدكتور إسماعيل عبد الغفار أن الأكاديمية العربية هى بيت الخبرة ودورها استرشادى وتقدم البحوث والدراسات المشورة لمن يطلبها دون التدخل فى العمل السياسى أو سياسات الدولة ، ومهمتنا الأساسية تعليم وتأهيل وتدريب الكوادر والمتخصصة فى مجال النقل البحرى خاصة أننا المعهد البحرى الوحيد المعتمد فى مصر ، وفور تولينا مهام العمل وقفنا على تلك المهام لإدراكنا أهمية توافر تلك القوى البشرية لنهضة قطاع النقل البحرى ،ولكن للأسف وجدنا أن أسلوب العمل كان يسير عكس ذلك الطريق فكلية النقل البحرى كانت تقبل ما يزيد على ألف طالب من قسمى علمى وأدبى وبمجموع 50% وتلك عوامل لا تنتج عناصر ذوى قيمة مما أدى لرفع الاتحاد الأوربى اسم الأكاديمية من الاعتراف بالشهادات الممنوحة منها وبالتالى كان غير مسموح لخريجينا ركوب السفن التابعة لهم. ويضيف : أما اليوم الحال تبدل للأفضل ولا يقل مجموع الطلاب عن 80% ، فنحن الآن ننتقى طلابنا وبدلا من أن نقبل طلابا بالآلاف نقبل مابين 200 و 250 طالبا فقط فى الدفعة ، وهذه خطوة كانت ولازالت تحفها المخاطر، لأن رفض الأعداد الكبيرة يمثل خسارة فى موارد الأكاديمية والتى تعمل بالتمويل الذاتي، ولا يأتى لنا دعم من أى دولة ، ولكننا قبلنا التنازل عن تلك المبالغ فى سبيل تخريج إنسان متعلم ومؤهل على أعلى درجة من التخصص والمهنية تتوفر لهم كافة الإمكانيات والآليات التعليمية من هيئة تدريس ومعامل على أعلى مستوى ، وهذا ما أهلنا فى أكتوبر 2012 باعتماد واعتراف الاتحاد الأوروبى بالشهادات الممنوحة من الأكاديمية وتم نشر ذلك فى الجريدة الرسمية للاتحاد الأوروبي ،وأصبح الآن من حق الطلبة والخريجين المصريين الذين يحملون جواز السفر البحرى المصرى ركوب السفن التى تحمل وترفع علم الاتحاد الأوروبى وذلك فى حد ذاته انجاز تحقق نتيجة الجهد المشترك بين الأكاديمية ووزارة النقل وهيئة السلامة البحرية بإجراء التفتيش المستمر وتنظيم الأمور بالداخل والوقوف على المناهج ومدى التزامها مع الاتفاقيات الدولية سواء كانت " المانيلا أو الأس تى سى دبليو" STCW"" وغيرها من اتفاقيات وتجهيز المعامل والمحاكيات ، وفى الوقت الراهن يوجد فى كلية النقل البحرى مجموعة من المحاكيات الخاصة بالطلبة حتى لا يضطر انتظار دوره فى تلقى تدريبه بمجمع المحاكيات والذى يزدحم بتدريب الضباط لتجديد شهادتهم والعاملين بالشركات والدول العربية ، كما حرصنا على رفع كفاءة عضو هيئة التدريس بمنحهم دورات لإعادة تأهيلهم لرفع كادرهم العلمى بالجامعة البحرية الدولية في" بالمو" بالسويد وهذا الجهد أدى لرفع مستوى الكفاءة تدريجيا مما نتج عنه حدوث الاعتراف المتبادل مع الدول الأوروبية ، إضافة إلى كل ذلك سعينا للقاء السكرتير العام للمنظمة البحرية الدولية بلندن "وهى اكبر سلطة بحرية على مستوى العالم " وأبلغناه بالهدف الذى نسعى للوصول إليه وهو رفع كفاءة الأكاديمية وخروج كوادر بشرية على أعلى مستوى فى مجال النقل البحرى ووجدنا منه استجابة كبيرة واطلعنا على خطة عمل تساعدنا فى انجاز هدفنا ونحرص باستمرار على الالتقاء به كل ستة أشهر واطلاعه على ما تم انجازه ، ونتج عن ذلك الجهد زيارة رئيس المنظمة البحرية الدولية للأكاديمية وهى أول زيارة له لجامعة بحرية على مستوى العالم وذلك بمثابة اعتراف بالخطوات التى قمنا بها لخدمة التعليم والتدريب البحرى ، وخلال تلك الزيارة التقى برئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووزير النقل والأمين العام لجامعة الدول العربية . ويضيف الدكتور إسماعيل عبد الغفار أن الأمور التى تبعث فى نفوسنا الطمأنينة لسلامة الأداء انطباع رئيس المنظمة البحرية الدولية والذى سجله على موقع المنظمة حيث ذكر أنه "رأى عيون الطلاب بالأكاديمية تشع وتعكس علما وإرادة وأملا فى المستقبل" وهذه شهادة تعكس مدى التحول للأفضل وتمكنا من إخراج كوادر مؤهلة للعمل فى مجال النقل البحرى والذى يعد من أهم القطاعات بالدولة والتى فى إمكانها أن تحقق دخلا وفيرا إذا ما تم استغلالها وإدارتها بالشكل السليم، ومما يزيد من تفاؤلنا هو اختيار رئيس المنظمة لشخصنا لنكون عضوا بمجلس حكماء الجامعة البحرية للسويد والذى يضم 30 شخصية من العالم كله وهذا نعتبره تقديرا لمصر وللدول العربية وللتحول نحو الطريق الصحيح والبناء فى مجال النقل البحرى . إمكانيات الأسطول وأكد عبد الغفار أننا نواجه العديد من المشاكل ومنها تشغيل الكوادر البحرية التى تهتم الأكاديمية بتخريجهم على أعلى كفاءة ممكنة ، ومرجع ذلك تردى إمكانيات الأسطول البحرى المصرى والذى لا يتعدى عدد السفن به العشرين سفينة وحالتها ليست جيدة ، وعدم وجود سفينة واحدة من إحدى الشركات بالداخل أو بالخارج مسجلة لدينا وبالتالى لا نجد العلم المصرى فوق أحداها، مع أن دولة مثل ليبيريا تمثل ثانى أكثر علم يرفع على مستوى العالم فى مجال النقل البحرى بالرغم من أنها لا تملك الكثير من السفن وذلك لتسجيل كثير من السفن بها نظرا لتطبيقها معايير السلامة بسلاسة ويسر. وهنا مكمن المشكلة ، فأين ستعمل تلك القوى البشرية إذن ؟ معاهد غير معتمدة وقال : بالإضافة إلى تلك المشكلة سعى البعض لوجود معاهد بحرية غير معتمدة وذلك يمثل كارثة بمعنى الكلمة ونحذر من خطورتها ومدى ضررها ، لأنه فى حال وصول معلومة لمنظمة البحرية الدولية"IMO" بأنه يوجد معهد بحرى فى مصر يوقع شهادات بحرية دون حصوله على اعتماد رسمى ، ستكون النتيجة سلبية على البلد كلها وسيؤدى لخروجنا من "القائمة البيضاء"، وهذا ليس معناه رفضنا لوجود منافسين ولكن من يسعى لذلك يكون لديه القدرة على الخوض فى ذلك العمل والالتزام بالقواعد و المهنية والموضوعية دون اللجوء للتحايل ومنح شهاداته من دول أخرى مستغلا اتفاقياتنا مع تلك الدول بالاعتراف ، وهذا لا يمثل سوى إحدى طرق "غسل الشهادات". الادارة ويرى عبد الغفار أن من أبرز المشاكل التى تعطل العمل فى قطاع النقل البحرى وفى قطاعات أخرى هى " الإدارة" فمصر تمتلك من الموارد الكثير ولكن الأزمة تأتى من كيفية إدارة واستغلال هذه الموارد ، فالموانى المصرية المفترض أن تكون "كنز الموارد لمصر" إذا ما أديرت بالطريقة المثلى والأنسب لها ، خاصة أننا نمتلك الموقع المتميز وتتوافر لدينا الكوادر البحرية والذى يسهل علينا إعادة تأهيلها بالكامل ورفع مستواها،فمنظومة النقل البحرى تحتاج لآليات محددة لكى ينهض ذلك القطاع وتبدأ بتجهيز الموانى لتوازى الموانى العالمية وتعميقها بما يسمح بدخول السفن العملاقة ووضع الإجراءات التى تدعم العمل ولا تعرقله عن طريق تطبيق النافذة الواحدة لضمان سرعة إنهاء الإجراءات والتخليص الجمركى للشحنات والبضائع ويتبع ذلك ضرورة سلاسة الطرق وتوفر وسائل ركوب ونقل البضائع ، والشيء الذى نفخر به ما تقوم به شركة الحلول المتكاملة للمواني حاليا والتى تقوم بنظام النافذة الواحدة بدمياط والأدبية ونويبع ونأمل لأن تعمل فى باقى الموانى قريبا ، ومن كفاءة هذه الشركة المصرية تعمل على ميكنة ميناء بور سودان كما عملت فى موانى ليبيا وتم التعاقد على العمل بميناء عدن والبصرة و العراق ولم يوقفها سوى تلك الاتفاقيات سوى التحديات الأمنية . نافذة واحدة ويضيف أن وزير النقل له رؤية جيدة و تهدف لاستغلال تلك الشركة بالصورة المثلى وتجعل عمل الشركة لا يقتصر على كونها نافذة واحدة لمصر بمفردها بل لتكون نافذة واحدة لخط وممر ملاحي وذلك سيتحقق فى حال تمكننا من ربط مجموعة الموانى " طرابلس والبحر الأحمر وعدن" فذلك سيكون عبارة عن تحزيم للمنطقة والحصول على مفاتيح العمل ، ومن المهم جدا أن يكون للاستثمار دور رئيسى فى المرحلة المقبلة وفى قطاع النقل البحرى بالتحديد ، فالحكومات ليس فى إمكانها القيام بكافة الأعمال خاصة أن لديها مهام التشريع والرقابة والتخطيط والمتابعة والحفاظ على حقوق البلد وتجهيز البنية التحتية والأساسية ويلزم الاستعانة بالقطاع الخاص للعمل والإدارة بوضع آمن طبقا للقوانين التى تضعها الدولة والتى يجب أن تكون تشريعات جاذبة للمستثمر ولا تعرقله ، ويضيف : لدينا الآن مشروع قناة السويس ولابد من استغلاله بالطريقة المثلى خاصة فى ظل تزايد حجم التجارة العالمي فى ظل التطور الدائم فى مواصفات السفن والأعماق التى لدينا حاليا لا تسمح باستيعاب ومواكبة ذلك التطور. وزارة للنقل البحري وعن مدى ضرورة وجود وزارة مختصة بالنقل البحرى أكد عبد الغفار أن اختصاص وزارة بهذا القطاع لن يكون الحل السحرى ، ومع ذلك وللإنصاف فوزارة للطيران المدني لدينا اليوم وهي أحد وسائط النقل ، وبتطبيق عملية الفصل للنقل الجوى فى وزارة تختص بهذا الشق بقيادة ذات رؤية مع توفير الموارد و التخطيط السليم نتج عن كل ذلك مطارات نفخر بها.