العالم العربى يشتعل .. و«رجل المطافئ» يكتفى بالتنديد 7 عقود فى مواجهة الإرهاب والحروب الأهلية ومشروعات التقسيم كتب:أحمد هوارى قبل سنوات كانت القمم العربية المشتركة مناسبات تميل إلى «الاحتفالية» . تغلب على فعالياتها حفاوة استقبال الزعماء ، وكلماتهم المرتبة ، ومواقفهم الثابتة ، وتوصياتهم الاعتيادية . اليوم، تلتئم القمة العربية على جروح نافذة ، تضرب أمنها القومى فى الصميم، بصراعات مسلحة، وإرهاب يتنامي، ونزاعات إقليمية، ومخططات تقسيم، ومئات الآلاف من القتلى والجرحي، وأزمة لاجئين تعد الأفدح على مستوى العالم. من المحيط للخليج ، تعصف المخاطر بالمنطقة ، وبات من الضرورى تدخل عربى حاسم تحت مظلة الجامعة العربية، التى استمر دورها أقل كثيرا من المأمول، متأثرا بالأوضاع المتأزمة التى تعانيها الدول الأعضاء، وقاصرا على محاولات الوساطة والسعى للحل السياسي، فضلا عن الشجب والتنديد، حتى تجذرت الأزمات إلى حد لا يمكن التهاون معه، فى ظل مساع خارجية تستهدف المنطقة بمخططات التقسيم، وتحقيق المكاسب من أطراف النزاع على اختلافها. القضية الفلسطينة لم تزل شاغل العرب الأول، وكبرى أزماتهم المعلقة، أمام سلطة احتلال إسرائيلية ترفض أى اعتراف بالدولة الفلسطينية، وتوقف مفاوضات السلام، وتعرقل مساعيها للاعتراف الدولي، وتقطع أموال الرواتب المستحقة عن السلطة الفلسطينية، وتتسع فى الاستيطان، وتفرض معالمها على وجه القدس تحت راية التطوير السياحي، وسط انشقاق فلسطينى داخلى بين فتح وحماس وصل إلى مرحلة الاعتقالات المتبادلة بالضفة الغربية وقطاع غزة. فى سوريا ، تتفاقم كل يوم أفدح أزمة إنسانية على مستوى العالم ، بمئات الآلاف من الضحايا وملايين اللاجئين ، وصراع بين ميليشيات ذات توجهات مختلفة ، وتنظيم داعش الإرهابى ينشر الدماء والخوف والدمار فى مناطق كاملة ، وجبهة النصرة التابعة للقاعدة تسيطر على مناطق أخرى ، والجيش الحر أيضا ، والمعارك تدور بينهم لكسب الأراضى وآبار النفط وفرض النفوذ ، بينما الدولة السورية تحارب كل هؤلاء ، وتواصل معاركها ضدهم بعنفوان يطال الجميع . والمدنيون كل يوم يسقطون فى صراع يمزج السياسة بالمذهب والطائفة، ويبدو بلا أفق للنهاية. مساع دولية متواصلة لإيجاد حلول تصطدم بتمسك الأطراف السياسية ، وتسويات تضيع فى أروقة الساسة وتفاصيل المبادئ والثوابت ، ولا تدخل عربى يفض الاشتباك. فى العراق ، مناطق ذات أغلبية سنية يرتهنها تنظيم داعش الإرهابى ويمارس جرائمه فيها. وقوات عراقية مشتركة بأغلبية شيعية ومشاركة إيرانية تقاتلها ، وتضع المدنيين بين مطرقة الإرهاب وسندان الطائفية ، فلا هم يساندون داعش ولا هم يؤيدون التوسع الإيرانى فى أراضيهم ، فى ظل حكومة تسعى للتماسك واستعادة المؤسسات لدولة ممزقة ، وتبيح أراضيها رغما- أمام غارات التحالف الدولى لمواجهة عصابات إرهابية لا قبل لهم بها، تمارس كافة أشكال الإجرام تحت راياتها السوداء. السنوات الماضية أكدت أن الغرب لم يتدخل فى العراق إلا لتحقيق مصالحه ، وآن الأوان لتدخل عربى جاد لمصلحة العراق وحده . فى ليبيا ، حكومتان شرقية وغربية إحداهما معترف بها دوليا وأخرى تفرضها قوة السلاح وصراع مسلح متفاقم بين الجيش الليبى وميليشيات ذات توجهات إسلامية على درجات تطرف متباينة ، وتواجد متنام لتنظيم داعش مستغلا حالة الانقسام ، وأطراف دولية تغذى الاقتتال لتحقيق مصالحها من تدفقات النفط ومبيعات السلاح ، وتحجز أموال ليبيا فى بنوكها، وترفض حظر تسليح المتطرفين كما ترفض فتح الباب أمام تسليح السلطة الشرعية. الدولة الليبية لم تعد ترى جدوى من التحركات الغربية للحل، وباتت تستشعر القلق من أغراض العملية التى قام بها «الناتو» من أجل المساعدة فى إسقاط نظام العقيد القذافى دون إكمال مهمته بتهيئة الوضع لقيام دولة جديدة، ولم تعد تعول إلا على حل عربي. فى اليمن ، رئيس شرعى يلجأ للجنوب ويعلن من هناك استمرار رئاسته، والحوثيون بدعم إيرانى - يسيطرون على العاصمة صنعاء ومؤسسات الدولة. وحزب المؤتمر الوطنى بقيادة الرئيس السابق على عبد الله صالح يتعمد سكب الزيت على النار بالانحياز الصريح للحوثيين تارة والتبرؤ منهم تارة أخري، والأزمة تتصاعد لتأخذ أبعادا سنية شيعية خطيرة. يعلم أبناء اليمن أنهم مستهدفون بمخططات التقسيم وخرائط المنطقة الجديدة ، لكنهم يأملون فى تسوية تحت مظلة عربية تسع اختلافات اليمن وأطرافه السياسية ، وتتفهم المخاطر المحدقة بكامل المنطقة. البؤر المشتعلة بالصراعات تحاصر المنطقة العربية وتدمرها من الداخل بأزمات لا حصر لها. ولم يعد مقبولا من الجامعة، ودولها الأعضاء ، إلا دور حقيقى وتسويات ملزمة وحلول جادة، وقوة عربية مسلحة مشتركة لحماية سيادة دولها ، كما لم يعد من المقبول الاكتفاء بدور «رجل المطافئ» الضعيف.. نهايك عن الشجب والتنديد والإدانة. قصة ميلاد حلم عربى كتب:على محمد على تأسست الجامعة العربية فى القاهرة عام 1945، وهى أقدم منظمة دولية قامت بعد الحرب العالمية الثانية ، وكانت لحظة إنشائها تضم كلا من مصر والعراق ولبنان والسعودية وسوريا وشرق الأردن (الأردن منذ عام 1946) واليمن. وزاد عدد الدول الأعضاء بصورة مستمرة خلال النصف الثانى من القرن العشرين بانضمام 15 دولة عربية. ولا يوجد فى نظام جامعة الدول العربية ما يعرف بالعضوية بصفة مراقب، وهو ما نادت به دول مثل إريتريا، إذ يتحدث برتوكول الإسكندرية الذى يعتبر وثيقة تأسيس لجامعة الدول عن جامعة تضم فى عضويتها الدول العربية المستقلة الراغبة فى الانضمام إليها. إلا أن ذلك لا يمنع كما يبدو من دعوة دول خارج الجامعة من حضور مؤتمرات القمة العربية بصفة مراقب كما هو فى حالة فنزويلا (2006) والهند 2007. بداية الفكرة فى 29 مايو 1941 ألقى أنتونى إيدن وزير خارجية بريطانيا خطاباً ذكر فيه «إن العالم العربى قد خطا خطوات عظيمة منذ التسوية التى تمت عقب الحرب العالمية الاولي، ويرجو كثير من مفكرى العرب للشعوب العربية درجة من درجات الوحدة أكبر مما تتمتع به الآن ، وإن العرب يتطلعون لنيل تأييدنا فى مساعيهم نحو هذا الهدف ولا ينبغى أن نغفل الرد على هذا الطلب من جانب أصدقائنا ويبدو أنه من الطبيعى ومن الحق وجود تقوية الروابط الثقافية والاقتصادية بين البلاد العربية وكذلك الروابط السياسية أيضاً. وحكومة جلالته سوف تبذل تأييدها التام لأيّ خطة تلقى موافقة عامة». وفى 24 فبراير 1943 صرح إيدن فى مجلس العموم البريطانى بأن الحكومة البريطانية تنظر بعين «العطف» إلى كل حركة بين العرب ترمى إلى تحقيق وحدتهم الاقتصادية والثقافية والسياسية. وبعد عام تقريباً من خطاب إيدن، دعا رئيس الوزراء المصرى مصطفى النحاس كلا من رئيس الوزراء السورى جميل مردم بك ورئيس الكتلة الوطنية اللبنانية بشارة الخورى للتباحث معهما فى القاهرة حول فكرة «إقامة جامعة عربية لتوثيق التعاون بين البلدان العربية المنضمة لها». وكانت هذه أول مرة تثار فيها فكرة الجامعة العربية بمثل هذا الوضوح، ثم عاد بعد نحو شهر من تصريح إيدن أمام مجلس العموم، ليؤكد استعداد الحكومة المصرية لاستطلاع آراء الحكومات العربية فى موضوع الوحدة. وعقد مؤتمر لمناقشته وهى الفكرة التى أثنى عليها حاكم الأردن فى حينه الأمير عبد الله. وإثر ذلك بدأت سلسلة من المشاورات الثنائية بين مصر من جانب وممثلى كل من العراقوسوريا ولبنان والمملكة العربية السعودية والأردن واليمن من جانب آخر وهى المشاورات التى أسفرت عن تبلور اتجاهين رئيسيين بخصوص موضوع الوحدة. الاتجاه الأول يدعو إلى ما يمكن وصفه بالوحدة الإقليمية الفرعية أو الجهوية وقوامها سوريا الكبرى أو الهلال الخصيب. والاتجاه الثانى يدعو إلى نوع أعم وأشمل من الوحدة يظلل عموم الدول العربية المستقلة وإن تضمن هذا الاتجاه بدوره رأيين فرعيين أحدهما يدعو لوحدة فيدرالية أو كونفيدرالية بين الدول المعنية والآخر يطالب بصيغة وسط تحقق التعاون والتنسيق فى سائر المجالات وتحافظ فى الوقت نفسه على استقلال الدول وسيادتها. وعندما اجتمعت لجنة تحضيرية من ممثلين عن كل من سوريا ولبنان والأردنوالعراق ومصر واليمن فى الفترة من 25 سبتمبر إلى 7 أكتوبر 1944 رجحت الاتجاه الداعى إلى وحدة الدول العربية المستقلة بما لا يمس استقلالها وسيادتها. واقترح الوفد السورى تسمية رابط الدول العربية ب»الاتحاد العربي»، واقترح الوفد العراقى تسميتها ب»التحالف العربي»، إلا أن الوفد المصرى قدم التسمية «الجامعة العربية» لما رأى منها من ملاءمة من الناحية اللغوية والسياسية، وتوافق مع أهداف الدول العربية. ثم نقح الاسم ليصير «جامعة الدول العربية».