جامعة الدول العربية... لماذا فقدت فعاليتها؟ سمير التنير في 29 أيار من العام ,1943 صرح وزير خارجية بريطانيا انطوني ايدن بما يلي: «خطا العالم العربي خطوات عظيمة منذ التسوية التي تمت عقب الحرب العالمية الماضية. ويرجو كثيرون من مفكري الغرب للشعوب العربية درجة من درجات الوحدة اكبر مما تتمتع به الآن. وإن العرب يتطلعون لنيل تأييدنا في مساعيهم نحو هذا الهدف. ولا ينبغي ان نغفل اجابة اصدقائنا على هذا الطلب. ويبدو انه من الطبيعي ومن المحق تقوية الروابط الثقافية والاقتصادية بين البلاد العربية وكذلك الروابط السياسية أيضا. وحكومة جلالتها سوف تبذل تأييدها التام لاي خطة تلقى موافقة عامة». ثم عاد وصرح في مجلس العموم البريطاني: «الحكومة البريطانية تنظر بعين العطف الى كل حركة بين العرب ترمي الى تحقيق وحدتهم الاقتصادية والثقافية والسياسية». بعد عام من خطاب ايدن دعا رئيس الوزراء المصري مصطفى النحاس كلا من رئيس الوزراء السوري جميل مردم ورئيس الجمهورية اللبنانية بشارة الخوري للتباحث في القاهرة حول امكانية اقامة جامعة عربية «لتوثيق العرى بين البلدان العربية المنضمة اليها» وبعد سلسلة من المشاورات الثنائية بين مصر وبين كل من ممثلي العراق وسوريا والأردن ولبنان والمملكة العربية السعودية واليمن ثم الاتفاق على وحدة الدول العربية «بما لا يمس استقلالها وسيادتها» والاتفاق على تسمية هذه الصيغة جامعة الدول العربية». بعد ذلك تم التوصل الى «بروتوكل الاسكندرية» الذي يعتبر الوثيقة الاساسية التي تخص الجامعة العربية وتحوي المبادئ التالية: قيام جامعة الدول العربية من الدول العربية المستقلة التي تقبل الانضمام اليها ويكون لها مجلس تتمثل فيه الدول المشتركة في الجامعة على قدم المساواة. مهمة مجلس الجامعة هي مراعاة تنفيذ ما تبرمه الدول الأعضاء في ما بينها من اتفاقيات وعقد اجتماعات دورية لتوثيق الصلات بينها والتنسيق بين خططها السياسية تحقيقا للتعاون في ما بينها، وصيانة استقلالها وسيادتها من كل اعتداء بالوسائل السياسية الممكنة والنظر بصفة عامة في شؤون البلاد العربية. قرارات المجلس ملزمة لمن يقبلها باستثناء الاحوال التي يقع فيها خلاف بين دولتين من اعضاء الجامعة ويلجأ الطرفان الى المجلس لفض النزاع بينهما. ففي هذه الحالة تكون قرارات المجلس نافذة وملزمة. لا يجوز اللجوء الى القوة لفض النزاعات بين دولتين من دول الجامعة كما لا يجوز اتباع سياسة خارجية تضر بسياسة جامعة الدول العربية او أية دولة من دولها. يجوز لكل دولة من الدول الاعضاء ان تعقد مع دولة اخرى من دول الجامعة او غيرها اتفاقات خاصة لا تتعارض مع نصوص هذه الاحكام وروحها. (لا نعرف كيف يمكن تطبيق هذه المادة في حالتي معاهدة «كامب ديفيد» و«وادي عربة» التي ابرمتها كل من مصر والأردن مع اسرائيل). مما تقدم نرى ان جامعة الدول العربية عند تأسيسها، كانت تحمل ابرز هموم الأمة العربية وتجسد آمالها في التحرر من جهة وفي الوحدة من جهة أخرى. وعندما نطلع على شهادات بعض زعماء تلك الفترة طوال ما يقرب العقدين نخرج بانطباع ان مساهمة الجامعة عمليا في تحرر البلدان العربية المستعمرة كانت دون الحد المطلوب. كما ان مساهمتها في نشر العلم والمعرفة والفكر الوحدوي، المستند الى أفق الحرية الضروري للخلق والابداع كانت ايضا دون الآمال المعقودة. لقد ابتليت الجامعة منذ بدأت تخطو خطواتها الأولى بنكبة اغتصاب فلسطين. والتغييرات السياسية التي حدثت في المنطقة كانت رجات ارتدادية على نكبة فلسطين، حركت الآمال من جديد في الشعوب العربية، كي تمتلك مصيرها بيدها. وقد توالت بعد ذلك الانتصارات والهزائم. ففي عام 1956 حققت مصر الناصرية انتصارا على العدوان الثلاثي وفي عام 1967 حققت اسرائيل انتصارها على ثلاث دول عربية هي مصر وسوريا والأردن. وفي عام 1973 ردت مصر وسوريا على الهزيمة بانتصار جزئي توج باستعمال سلاح النفط الذي لم يؤت اكله لغياب الارادة السياسية الموحدة في صلب جامعة الدول العربية. ولئن حافظت الجامعة على واجهة موحدة ولو شكليا فانها سرعان ما فقدت تلك الواجهة بعد اتفاق «كمب ديفيد» اواخر السبعينات. وتأرجحت الجامعة بعد ذلك بين انعزال مصر وقيام جبهة الرفض. واستفحل الأمر بشكل خطير مع غزو العراق للكويت، وشن الحرب على العراق وضرب الحصار عليه الى ان تم احتلاله في ربيع عام .2003 نرى بأن جامعة الدول العربية وكي تتمكن من الحفاظ على مبررات وجودها، كانت تحرص دوما في مواقفها واجراءاتها، وكمؤسسة وكتجمع لدول مستقلة، ان تتأخر عن الاحداث ولا تستبقها. ان لا تبادر بل تكتفي بإعلان ردود فعل لاحداث بادر غيرها الى القيام بها. تتلهى بالنتائج والمترتبات ولا تصنع الحدث وتفرض نتائجه ومترتباته تذهب الى المأدبة بعد انفضاض الجمع مترددة وعلى خجل وحياء. تنعي الميت وتبخل عليه بالدواء حينما كان لا يزال مريضا. وليس أدل على ذلك من مراجعة البلاغات والمقررات التي صدرت عن الجامعة في عمرها الطويل إزاء الاحداث الجسام، حتى المصيري منها. انها تحفل بكلمات ومصطلحات قد يختلف المعنى في ما بينها قاموسيا ولكنها تلتقي كلها في التعبير عن مشاعر جامعة الدول العربية: احتجاج، ادانة، استنكار، رفض، معارضة. وتصل احيانا عند الضرورة القصوى الى التهديد والتحذير. ولكن الكلمة تبقى مجموعة من الاحرف ولا تصل الى مرحلة التنفيذ الفعلي. مشكلة الجامعة إذاً ان الحكومات تريدها ان تكون وأن تبقى على ما هي عليه من ضعف وهزال وعجز. بل ان كل حكومة تريدها ان تكون مطية تستخدمها في صراعها او تنافسها مع الدول الشقيقة. أين يكون العلاج إذاً؟ انه بلا أدنى شك بأيدي الحكومات العربية، فهي وحدها اذا رغبت وسمحت تستطيع ان تقيل جامعة الدول العربية من عثرتها وتجعلها مؤسسة حية جديرة باسمها وقريبة من آمال شعوبها. وقادرة على التقريب بين الشعوب وفض الخلافات بين الانظمة ووضع الأسس العملية والأولية لاي اتحاد او وحدة جزئية او شاملة. وقادرة ايضا على اعطاء العرب مكانهم الطبيعي والمفترض في الأسرة الدولية قياسا على حجمهم وموقعهم وثروتهم وتراثهم. وضعت الحكومة المصرية في عام 2004 مبادرة لتفعيل دور الجامعة العربية، اذ انها اعتبرت ان ضعف الجامعة يعود الى كونها منظمة لا تملك سلطة فوق الدول الأعضاء، وافتقارها الى الارادة السياسية لتفعيل دورها. ورأت ان النظام العربي بات في حاجة الى مبادرة كبرى تجمع بين ما هو سياسي وما هو قانوني. اما محاور تلك المبادرة فقد قامت على الأسس التالية: تنقية الاجواء العربية، واضطلاع الجامعة بدورها كأداة رئيسية للعمل العربي المشترك، واحتواء المنازعات العربية العربية وتسويتها، وتحقيق التكامل الاقتصادي العربي، وتشكيل برلمان عربي، وإقامة نظام للأمن القومي العربي، ودعم المنظمات العربية المتخصصة، وتعديل نظام التصويت في اجهزة الجامعة، واعتماد اسلوب الدبلوماسية الجماعية في تنفيذ القرارات. لقد قامت جامعة الدول العربية اخيرا بنشاط سياسي كبير جدا لتسوية الأزمة اللبنانية المتمادية. ولعل ذلك الجهد الكبير الذي قامت به بقيادة «المايسترو» عمرو موسى يقلل من الانطباع العام عنها بأنها منظمة بيروقراطية لا خيال لها ولا روح، ولذلك فهي تبقى على الدوام خيط الأمل الذي يجب ان لا ينقطع. عن صحيفة السفير اللبنانية 16/1/2008