هم أحياء ولا نشعر بهم.. يمرحون فى الجنة كيف شاءوا ونبكى دوما لفقدهم.. إنهم الشهداء الذين لم يبخلوا بأرواحهم ودمائهم وقدموها رخيصة فداء لله عز وجل نصرة لدينه، وذودا عن أوطانهم، وهم أيضا الشهداء الذين كتب الله لهم الشهادة وإن لم تغادر أجسادهم فراش الموت. ونحن نحتفل بيوم الشهيد يؤكد علماء الدين أن الإسلام ما أعلى من مكانة أحد إعلاءه للشهيد، لاسيما إذا كان من العيون الساهرة التى تعكف على حماية البلاد والعباد. وكفى الشهداء شرفا أن اعتبرهم الإسلام أحياء وإن ووروا الثري، وغيب الموت أجسادهم. ويوضح الشيخ عبد الحميد الأطرش رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا: أن الإسلام لقب الشهيد بهذا الاسم إعلاء لمكانته، لأن الله تعالى شهد له بالجنة. والشهيد كما بين النبى صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أنواع: شهيد الدنيا فقط وشهيد الآخرة فقط، وشهيد الدنيا والآخرة معا. أما شهيد الدنيا فقط فهو من قاتل ابتغاء عرض من أعراض الحياة الدنيا وقتل فى سبيل ذلك. وهذا يطلق عليه فى عالم الناس أنه شهيد، وهو فى الحقيقة ليس بشهيد، وإنما هو شهيد الدنيا فقط ليس له يوم القيامة شيء من أجر الشهادة، لأن نيته لم تكن خالصة لوجه الله، والنبى صلى الله عليه وسلم أخبر كما فى الحديث: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوي، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه». ومن يقاتلون فى الدنيا ولا يبتغون بذلك وجه الله عز وجل، إذا قتلوا انتفت عنهم الشهادة، وكانوا من أول خلق الله الذين تسعر بهم النار يوم القيامة ففى الحديث «..... ويؤتى بالذى قتل فى سبيل الله فيقال له فى ماذا قتلت؟ فيقول: أمرت بالجهاد فى سبيلك فقاتلت حتى قتلت. فيقول الله له: كذبت وتقول له الملائكة: كذبت. ويقول الله: بل أردت أن يقال فلان جريء فقد قيل ذاك..». والصنف الثانى من الشهداء هم شهداء الآخرة وهم كثر، وكما أخبر النبى صلى الله عليه وسلم: «من قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون عرضه فهو شهيد ومن مات بمرض الطاعون فهو شهيد، ومن مات بمرض فى بطنه فهو شهيد ومن مات حريقا فهو شهيد، ومن مات غريقا فهو شهيد، ومن مات تحت أنقاض الهدم فهو شهيد». وهؤلاء وإن كان الناس يطلقون عليهم أمواتا، بسبب مرض أو حادث أو نحو ذلك، لكنهم عند الله شهداء بإذن الله يوم القيامة لقاء صبرهم والميتة التى ماتوا عليها. أما شهيد الدنيا والآخرة معا فهو المجاهد فى سبيل الله الذى يقاتل لتكون كلمة الله هى العليا وكلمة الذين كفروا هى السفلي، وهؤلاء هم شهداء الدنيا وشهداء الآخرة، وهم أحياء عند ربهم يرزقون، فقال الله تعالى «ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون»، وفى موضع آخر من القرآن يقول «... بل أحياء ولكن لا تشعرون». ولفت د. الأطرش إلى أن حراس الوطن وحماته من العيون الساهرة وأمثالهم ممن يقتلون ذودا عن الأوطان، هنيئا لمن يقتل منهم مخلصا النية لله، فهو فى سبيل الله شهيدا، وقد قال فى حقهم النبى صلى الله عليه وسلم: «عينان لا تمسهما النار، عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس فى سبيل الله فهنيئا لمن كانت هذه خاتمته». من جانبه طالب الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر الأسبق أهل الشهداء بالصبر والاحتساب والاسترجاع، لقاء ما قدم شهيدهم من بذل وتضحيات، وليس أعز على الإنسان من نفسه التى بين جنبيه فإن هو ضحى بها وقدمها رخيصة لله تعالى فلن يخذله رب جواد، وقد أعد القرآن الكريم للصابرين عظيم البشريات والأجر على صبرهم وابتلائهم فقال تعالى «ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون». وناشد عاشور المجتمع والدولة ككل العناية بأسرة الشهيد، لاسيما إذا كانوا فقراء أو معوذين فلطالما كان الشهيد هو العائل الوحيد لوالديه أو ترك صغارا قد يشردون من بعده، وهنا يجب العناية بالشهداء فإذا كانت رعاية الفقراء والمعوذين بشكل عام أمرا واجبا على الدولة والمجتمع المسلم بأسره، فالأسرة التى قدمت عائلها شهيدا لله وللوطن أولى بأن يكرمها الجميع ماديا وأدبيا. ليسوا بشهداء كما حذر الشيخ محمود عاشور الشباب من محاولات التغرير بهم أو الانسياق وراء بعض الدعوات والأفكار الضالة التى تلبس على الناس دينهم وتقلب الحقائق بحثا عن الشهادة وطمعا فى رضا المولى عز وجل، مستغلة بعض النصوص الدينية، فضلا عن ضعف الثقافة الدينية لدى البعض ممن تشتعل لديهم الحمية والمشاعر الدينية، مشيرا إلى أن أنواع الشهادة فى الإسلام واضحة كما عرفها لنا النبى صلى اله عليه وسلم، وليس هناك ما يدعيه البعض بالجهاد ضد الدولة وما يلحق ذلك من تخريب وتفجير وقتل للأبرياء، فكل ذلك فساد وإفساد يستحق فاعله تطبيق الحرابة عليه، ولا يصح ان تنسب الشهادة إلى أحد ممن يتبنون هذه الأفكار الظلامية ويقدمون على أفعال هى من أفعال الخوارج، فكل ذلك لا يحقق السعادة لأحد لا فى الدنيا ولا فى الآخرة، بل قد تجلب عليه العقوبة والحرمان من رحمة الله إذا كان يعلم ويدرك ما يفعله. وتساءل عاشور: فأى جهاد ذلك الذى يشهر السلاح فيه ضد بنى الوطن أو المسالمين مهما يكن دينهم أو مكانهم، وأى شهادة تلك التى تنتج عن التخريب والتدمير فهل من يزرع قنبلة فى وطنه ويقتل بها يعد شهيدا، وهل من يرفع السلاح على جيشه وشرطته يعد شهيدا، كلا، فالشهادة من هؤلاء براء ومن يزعم ذلك هو فى ضلال مبين، وليتب إلى الله وليراجع نفسه ودينه قبل فوات الأوان. وناشد عاشور الشباب وكل من يريد أن يعمل عملا يتقرب به إلى الله أن يسأل أهل الذكر وهم العلماء الأثبات الثقات، فقال تعالى «فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون» لا أن ينجرف وراء فئة أو جماعة تغرر به وتفسد عليه دينه ودنياه. فلا جهاد ولا شهادة فى قتال المسلمين للمسلمين، ولا شهادة فى قتال الأنظمة المسلمة التى اختارتها شعوبها بإرادة حرة، باسم المعارضة أو الاختلاف فى الرأى.