توالت الاستفسارات وتساؤلات العديد من المواطنين علي أمانة الفتوي بدار الإفتاء المصرية, عبر الهاتف والبريد الإلكتروني للدار, والتي تتعلق ببيان الرأي الشرعي في جملة من المسائل عن الواقع المصري الراهن. كان من أبزها الجهاد في الإسلام, وحكم الدفع بالشباب للتظاهر والاعتداء علي قوات الأمن والمنشآت العامة تحت دعوي الجهاد. وإذا كانت دار الإفتاء قد شكلت عددا من اللجان لبيان الرأي الشرعي في تلك المسائل الفقهية المثيرة للجدل, فنحن بدورنا نسأل علماء الأزهر حول مفهوم الجهاد في الإسلام, ومن هم شهداء الدنيا والآخرة الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة. في البداية يؤكد الدكتور سعد الدين الهلالي, أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر, أن الشهادة في الشريعة الإسلامية قسمان: شهادة أخروية, وشهادة دنيوية, والمقصود بالأخروية, أن المقتول بهيئة غير معتادة فيها من الشدة والألم والقسوة ما ليس في الموت المعتاد, مثل الغريق والحريق وذات الهدم, وموت الغربة والمبطون والمطعون الذي مات بالطاعون, وغير ذلك مما ورد في حديث عبادة بن الصامت الذي أخرجه الإمام أحمد وبعض أصحاب السنن, أن النبي صلي الله عليه وسلم زار مريضا ومعه بعض صحابته, ثم قال لهم ما تعدون الشهادة؟ فقال أحدهم الشهيد هو من قاتل في سبيل الله حتي قتل, فقال النبي صلي الله عليه وسلم: إن شهداء أمتي لقليل, ثم قال صلي الله عليه وسلم: المبطون شهيد والمطعون شهيد, والغريق شهيد, وذات الهدم شهيد, والمرأة تموت بجمع( أي حامل) شهيدة, وفي أحاديث أخري جاء قول النبي صلي الله عليه وسلم: إن موت الغربة شهادة, قال الإمام النووي, وقد عدها كثير من أهل العلم نحو ثلاثين, وكل تلك الميتات فيها نوع من المشقة, ما ليس في الموت المعتاد, فكان من رحمة الله تعالي أن رفع منزلتهم في الآخرة إلي مرتبة الشهداء, ولكنهم في الدنيا يعاملون معاملة سائر الموتي, من الغسل والتكفين والصلاة عليهم إن كانوا مسلمين, ولهذا أطلق عليهم شهداء الآخرة, وليس شهداء الدنيا, لأن منزلتهم الرفيعة تكون في الآخرة فقط وليس في الدنيا, أما القسم الثاني, وهو شهيد الدنيا فقط: والمقصود به هو من قاتل في سبيل الله دفاعا عن الوطن في الجيش النظامي, وفي الحرب المشروعة, حتي قتل في ساحة المعركة, فإن جرح وعاد إلي بيته أو أحد المستشفيات فمات فيه, كان من شهداء الآخرة, وليس من شهداء الدنيا, لأن شهيد الدنيا, وهو المقتول في ساحة المعركة عند التحام الصفوف يحرم عند جمهور الفقهاء غسله, ويدفن دون صلاة, لأن دمه يشهد ويشفع له يوم القيامة, والحديث ما ورد في الصحيحين عن جابر بن عبدالله أن النبي صلي الله عليه وسلم, قال عن شهداء غزوة أحد ادفنوهم بكلومهم أي بجروحهم, فإنهم يبعثون يوم القيامة, اللون لون الدم والريح ريح المسك, ولم يصل عليهم النبي صلي الله عليه وسلم, لأنهم ليسوا في حاجة إلي شفاعة, بل إن الشهيد يشفع لسبعين من أهل بيته يوم القيامة, كما ورد في بعض الأحاديث, ويشترط في جميع الأحوال سلامة النية مع الله, ولأن النية محلها القلب, فنحن في الدنيا نتعامل بالظاهر دون السرائر لتفويضها إلي الله عز وجل, ويترتب علي ذلك أنه من باب الرحمة في التعامل بين الناس إطلاق لفظ الشهيد علي كل من مات ميتة غير طبيعية تيمنا برحمة الله في الآخرة, وتعزية وجبر خاطر وتصبيرا لأهله وذويه في الدنيا. ويؤكد الدكتور الهلالي, أن الذين قتلوا من شهداء الشرطة والجيش في ساعة الالتحام مع الأعداء أو الظالمين من المسلمين أو غيرهم من المسلحين هم شهداء في الدنيا والآخرة, ويسري عليهم أحكام الشهادة بأنهم يدفنون بثيابهم ودمائهم التي تشفع لهم يوم القيامة, أما سائر الموتي الذين يموتون بأشكال عنيفة غير معتادة, ولم يكونوا من الجنود فهم شهداء في الآخرة, ولكنهم يعاملون في الدنيا معاملة سائر الموتي فلهم حق الغسل والتكفين والصلاة عليهم. أما أهل البغي والخارجون علي المجتمع والرافضون لاتجاه العامة فهؤلاء اختلف الفقهاء في حكم موتهم, فيري الكثيرون أنهم أهل شقاء, ولا يصلي عليهم, لأنهم ماتوا علي صفة الظلم, ويري بعض الفقهاء أنهم يعاملون معاملة سائر الموتي, ولا يطلق عليهم صفة الشهيد, لأنهم من الظالمين الخارجين عن الجماعة العامة ويصلي عليهم, ويغسلون لأنهم من أهل لا إله إلا الله محمد رسول الله. أدعياء الشهادة من جانبه يقول الدكتور حمد الله الصفتي مدرس الفقه الحنفي وعضو الرابطة العالمية لخريجي الأزهر, إن الشهادة مرتبة عظيمة في الدين لا ينبغي ادعاؤها لأحد إلا بتوقيف واعتماد علي نص شرعي صريح, والشهادة عندنا مع أهل السنة والجماعة علي نوعين: الأول, شهيد الدنيا والآخرة, والثاني هو شهيد الآخرة فقط, فمن قتل في معركة ضد الكفار أو المشركين, أو قتله المسلمون ظلما ولم تجد بقتله دية مسلمة لأهله, فهو شهيد الدنيا والآخرة, ويكفن بثيابه ولا يغسل ولكن يصلي عليه فقط, أما شهيد الآخرة كمن قتل بطاعون أو مبطونا أي شقت بطنه في إحدي العمليات الجراحية ثم مات أو الغريق أو من مات تحت هدم حائط, أو قتله قطاع الطرق, أو البغاة, فهذا يغسل ويكفن ويصلي عليه, فهو شهيد الآخرة فقط لأنه يحصل علي ثواب الشهادة يوم القيامة. ويؤكد الدكتور الصفتي, أنه لا يحق لمسلم أن يتوجه بإيذاء إلي مسلم آخر, مهما تكن الظروف, ومهما تكن الحالة, لأن النبي صلي الله عليه وسلم قال: كل المسلم علي المسلم حرام دمه وماله وعرضه, وإذا كان النبي صلي الله عليه وسلم قال: من آذي ذميا فقد آذاني, فكيف بمن آذي مسلما؟ والإمام أبو حنيفة رضي الله عنه يقول: إذا خيروك بين أن تقتل مسلما أو تقتل نفسك, فاقتل نفسك أرجي لك عند الله عز وجل. ويقول الشيخ أحمد ربيع, أحمد أحد علماء الأزهر, إنه لا يجوز أن يكون هناك اقتتال بين المسلمين وترفع فيه راية الجهاد وإنما يكون الجهاد ضد الأعداء وليس بين أبناء الدين والوطن الواحد, فقد ورد عن الحسن قال: خرجت بسلاحي ليالي الفتنة فاستقبلني أبو بكرة فقال: أين تريد ؟ قلت: أريد نصرة ابن عم رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار أخرجه البخاري. أما الشباب الذين غرر بهم وقتلوا فالإثم سوف يقع علي من أضلهم وجعلهم ينجرفون, وهؤلاء القتلي سوف يردون إلي عالم السرائر فيحكم بعلمه الواسع علي ضمائرهم وسرائرهم, وإن كان اكتمال عقولهم وتميزهم يجعلهم يقينا محل مسألة وحساب تأخذهم بعيدا عن مقامات الشهداء الذين ماتوا لإعلاء الحق وليس لعصبة أو عصبية, مصداقا لقول النبي صلي الله عليه وسلم: من خرج من الطاعة, وفارق الجماعة فمات, مات ميتة جاهلية, ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة, أو يدعو إلي عصبة, أو ينصر عصبة, فقتل, فقتلة جاهلية, ومن خرج علي أمتي, يضرب برها وفاجرها, ولا يتحاشي من مؤمنها, ولا يفي لذي عهد عهده, فليس مني ولست منه.