تميزت القاهرة, مثلها مثل الاسكندرية وباقي محافظات مصر من شمالها لجنوبها علي مدي سنين طويلة مضت وخلال القرن الماضي وحتي السبعينيات, بالتخطيط العمراني الجيد من حيث توزيع المباني السكنية وارتفاعها والمساحات الخضراء وتوزيع الطرق الداخلية ومساراتها المختلفة, بإستثناء الفترة مابين عام ألف وتسعمائة وسبعة وستين وحتي حرب أكتوبر عام ألف وتسعمائه وثلاثة وسبعين, حيث أنشغلت الدولة في تلك المرحلة بالاستعداد لحرب التحرير علي حساب الكثير من المرافق والبنية التحتية, ومع بداية فترة الثمانينيات بدأت بوادر علي السطح لظاهرة غاية في الخطورة لم تولها الدولة آنذاك إهتماما ولم يلتفت المسئولون لحجم المشكلة الناتجة عن هذه الظاهرة الشيطانية والتي تمثلت في بناء البعض مساكن وعمارات بصورة غير قانونية وبدون تصاريح وعلي مساحات من الأراضي غير المخصصة للبناء. بل إن معظم هذه المباني أقامها مقاولون دون اللجوء لمهندسين متخصصين, وقد بنيت غير مطابقة لأي مواصفات هندسية وبسرعة غير عادية وبدأت في الأنتشار كمرض السرطان, ووصل البعض منها الي ارتفاعات شاهقة وأستغل أصحابها حاجة الكثير من الناس لإمتلاك شقة سكنية بسعر قليل الي حد ما بالمقارنة بالمباني التي تنشأ بطرق قانونية وشرعية. وقد أطلق المجتمع المصري علي تلك المباني السرطانية لفظ العشوائيات نظرا لبنائها وظهورها بصورة غير مخططة أو مدروسة, ولاشك في أن هناك عوامل أدت وساعدت علي ظهور وأنتشار تلك العشوائيات منها فساد الذمم في المحليات وإنعدام الضمير سواء من بعض المسئولين العاملين في الأحياء أو وبعض موظفيها الذين قبلوا الرشاوي وارتضوا لأنفسهم المال الحرام مقابل السماح لأصحاب تلك المنشآت بالإستمرار في أعمالهم الشيطانية,وانتهي الحال بأن اصبحت معظم محافظات مصر تقريبا وليست القاهرة فقط تعاني من العشوائيات التي باتت تتخللها وتحيطها من كل جوانبها المختلفة ومع كل هذا فإنه وحتي الآن لم تظهر أي بوادر حكومية لحل تلك المشكلة وكأن مصر جفت من أفكار علمائها وباحثيها القادرين علي تقديم حلول وأفكار لمثل هذه الظاهرة التي لو استمرت أكثر من ذلك لتحولت مصر بكاملها خلال عشر سنوات لدولة عشوائية ولعلي اليوم ونحن علي أعتاب بناء الدولة الحديثة بعد قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير أطرح رأيا قد يكون قابل للدراسة أو التعديل والإضافة من خلال المسئولين والخبراء ليصلح كحل لمشكلة سكان العشوائيات الذين لا ذنب لهم ولا ناقة ولكن دفعتهم ظروف الحياة القاسية للجوء والعيش بتلك الأماكن, والفكرة تعتمد علي أن الدولة خلال السنوات الماضية سمحت للقطاع الخاص في مجال البناء والتشييد بشراء مساحات كبيرة من الصحراء حول القاهرة ومدن أخري وتحويلها لمنتجعات سكنية للقادرين, ولاحظنا كم دفعت المليارات من أجل شراء الفيلات والقصور من قبل الآلاف لإمتلاكها والسكن بها وهذا شيء جيد لا غبار ولا إعتراض عليه ولكني أري أن الدولة ما زالت تمتلك المساحات الأكثر من تلك الأراضي الصحراوية حتي الآن, وهنا يمكن للدولة أن تقوم بنفسها ببناء تلك التجمعات السكنية الفاخرة وبيعها للمواطنين القادرين في صورة فلل ومنشآت خاصة, وغالبا فإن المصريين يفضلون دائما الشراء من الحكومة نتيجة تراث ثقافي قديم جدا. وسوف تكون النتيجة تحقيق دخل يقدر بالمليارات يدخل ميزانية الدولة, وهنا علي الحكومة ألا تضخ هذه المبالغ المتحصلة من بيع هذه المنشآت في ميزانيتها العادية بل تخصص صندوقا لذلك, ومن خلال تلك الأموال وما تملكه الدولة من مساحات في أماكن أخري كبيرة من الصحراء تقوم الحكومة متمثله في وزارة الإسكان ببناء مساكن جديدة في صورة تجمعات لمنازل بمواصفات وارتفاعات هندسية سليمه مزوده بالمرافق والخدمات والطرق ويتم توزيع وحداتها السكنية بالمجان تماما علي سكان العشوائيات كدور وواجب وطني للدولة وبذلك يكون هناك حافز لهم علي مغادرة المساكن العشوائية التي يقيمون بها, وهذا لن يكلف الحكومة شيئا فمن المال الذي جمعته من بيع الفيلات والقصور سوف تبني مساكن علي أن يتضمن عقد التمليك لكل أسره عدم أحقيتها في بيع تلك الوحدات أو تأجيرها حتي نضمن ألا يتاجر السماسرة والمستغلون بالفقراء وهذا هو المعني الحقيقي للعدالة الإجتماعية التي نادت بها الثورة, وقد يندهش البعض من فكرة تمليك الشقق بالمجان لسكان العشوائيات وكيف أن الحكومة لا تأخذ حتي ولا جنيها واحدا مقابل هذا, وهنا أقول إن هذا هو الواجب الحقيقي للحكومة وهذا هو الدور الفعلي للدولة خاصة أنني كما أشرت من قبل أن الحكومة لن تدفع أي أموال من خزانتها ولن تقترض بل ستفعل هذا مما حصلت عليه من عملية البيع للقادرين وهكذا يمكن تنظيم هذه الفكرة بصورة منظمة ومخططه بطريقة علمية مدروسة يقرها المهندسون والعلماء المتخصصون فيدلون بدلوهم بالصورة العلمية القابلة للتطبيق ونشرها علي مستوي جميع محافظات مصر المختلفة. المزيد من مقالات د.هانى الناظر