الجمهورية فى 24/12/2007 يبدو أن العشوائيات منظومة لن تنتهي بسهولة.. إنها اخطبوط يتمدد في كل الاتجاهات ليقتحم مجالات أخري غير السكن.. يعتبر المكان مفرزة لتخريج سلوكيات غير سوية.. ان لم تكن ضارة بأصحابها والمجتمع نفسه.. وبالإضافة إلي أنها تخاصم التخطيط المعماري ويعتبر تطويرها تحسينا في الوجه الخطر أكثر منه إعادة تأهيل.. لأن هناك ظروفا ونقصا في الإمكانيات.. والتزامات تجعل الدولة في موقف المدافع دائما لأنها مسئولة عن التحديث والتطوير في كل مكان بالإضافة لضبط العمران الجديد تخطيطيا.. والانتقال بسلاسة من الوادي الضيق إلي الصحراء ضمن مشروع الظهير الصحراوي الذي يشتاق إليه شباب مصر للسكني والتعمير والبناء واستصلاح الأراضي التي تعوض ما فقدنا من أراضي خصبة بالتعديلات والانفلات بالإضافة لذلك فقد تحولت كثير من هذه العشوائيات إلي بؤر للجريمة والخروج علي القانون.. "ربما اعتماد قانونها الخاص" مما يستدعي من الدولة جهودا اضافية بالنسبة للعشوائيات لا تقتصر علي الإنارة والمياه النقية والصرف الصحي والمدارس ودور العبادة.. فكلها أمور واجبة وضرورية وتحسن من صورة الحياة بالعشوائيات وترفع القيمة المضافة لها.. ولكن لابد من جهد إضافي يستهدف الأمن والأمان بهذه المناطق المفضلة والتي تشبه المدن القديمة التي استخدمت الأسوار والأبواب في حمايتها.. وهذا الأمر غير ممكن الآن لأنه ضد نظرية التواصل بين أجزاء الوطن.. ويعطل عملية الاندماج بتحسين مستوي الحياة داخل هذه العشوائيات.. حتي لا يتركها أهلها عند أول فرصة "امكانيات" إلي مكان جديد ويخف الضغط علي القاهرة والجيزة والمدن الكبري التي سمحت في تاريخ سابق لهذه العشوائيات بأن توجد أساسا ليتولي سكانها خدمة الأكابر وبعضها الآخر جسدت غريزة حب التملك رغم النظام الشمولي حيث فكرت الرأسمالية الوطنية في جذب أرباح العمال ورغبة الفلاحين في بيع الأحواض الزراعية التي بدأ العمران يحاصرها وتحققت المصلحة القريبة. فامتلك العمال مساكن. الكثير منها بدون عقود وطفا علي السطح العديد من رجال الأعمال المتخصصين في تقسيمات الأراضي. يتابعون عملهم حتي الآن بدقة ونشاط بجوار وحول كل مدينة جديدة بشراء الأراضي الصحراوية المحيطة بها.. وتقسيمها مدنا وأراضي بأسعار منافسة للغاية.. ساهمت في تكريس قيمة المسكن الخاص داخل نفوس الناس العاديين خاصة بعد مزادات وزارة الإسكان لابني بيتك وأراضي محدودي الدخل ومع ارتفاع جنوني في شقق التمليك "لدي القطاع الخاص وشركات المقاولات ووزارة الإسكان معا" بدأ المواطن العادي يفكر في اللجوء إلي خارج العاصمة.. بعيدا عن التلوث والتكدس والازدحام مقبلا علي تقاسيم الأراضي راجيا أن تكون وعود الإعلانات لتواجد الكهرباء والماء في الموقع حقيقة.. مستثمرا ما يسمع عنه من فارق كبير في التكلفة.. وزيادة غير معقولة في أرباح أصحاب العقارات.. الأمر الذي يمكنه من إنشاء منزل معقول لعائلته وأولاده مستوعبا درس الأزمة التي نعيشها رغم وجود 8.5 مليون وحدة سكنية خالية كما تؤكد الاحصاءات الرسمية.. ومن جهة أخري لقد كشف الطريق الدائري العديد من العشوائيات كانت مندسة وسط القري وعلي هامشها.. بالإضافة لاستفادة البعض من حرم الطريق أو الاقتراب من الأجزاء الصحراوية منه.. ولا ننسي التجمعات السكانية الكبري التي تعرض لفئة معينة "أرض الأحلام" ان صح التعبير واجتذبت إعلاناتها مدخرات العديد من أبناء الطبقة المتوسطة وتطلعات الطبقات العليا ويشترك الجميع في استثمار الطريق الدائري لميزة يتمكن من خلالها المرء من أداء مصالحه داخل العاصمة وهو أمر يحتاج بالفعل إلي حل لهذه المعادلة الصعبة. وكم من الجلسات التي عقدها مجلس وزراء حكومة د.نظيف.. وكم هي اللجان الوزارية متعددة الاتجاهات والخبرات.. انصبت دراستها علي موضوع العشوائيات.. التي تضمن برنامج الرئيس مبارك الانتخابي تطويرها وتحسين الحياة فيها وادخال المرافق لها وللمنازل المخالفة بما يصل إلي نصف مليون مشترك بالقاهرة فقط وبالفعل أعلن اللواء محمد عبدالسلام المحجوب وزير التنمية المحلية انفاق 3 مليارات و143 مليون جنيه لايصال المرافق الأساسية للمناطق العشوائية وكان من الجيد انجاز خريطة وقاعدة معلومات للعمل علي أساسها أوضحت ان إجمالي عدد المناطق العشوائية بلغ 1221 منطقة منها فقط 20 منطقة غير قابلة للتطوير.. ويتراوح عدد سكان المناطق العشوائية بين 12 مليونا و14 مليون نسمة تضم منها القاهرة والجيزة 117 منطقة والإسكندرية 30 منطقة.. وإذا كانت المشكلة قادمة في معالجة أوضاع المناطق غير القابلة للتطوير والعشوائيات الجديدة التي تتسلل إلي أرض الواقع.. فإن المشكلة الأخطر أننا نقيم هذه العشوائيات مع سبق الإصرار بدليل امتدادها إلي جميع انحاء الجمهورية لا تخلو منها محافظة من ناحية.. كما انها تلاصق مناطق عمرانية مخططاة مسبقا وتمنع عنها الجمال والمتعة وتجرها معها إلي السلوك العشوائي وهنا يكمن الخطر. ولابد أن يتحمل الناس هنا معظم المسئولية وليس الحكومة فقط التي قد تكون قد اغمضت عينيها في فترات معينة عن زراعة بذور العشوائيات في مناطق تراها الحكومة ضمن خطة المستقبل ولكن الناس الذين يبنون بدون تراخيص أو إطار هندسي يستخدمون غالبا سواعد عائلاتهم في إقامة البيوت لمجرد السكن والستر يتحملون الجزء الأكبر بالإضافة إلي انهم غالبا من الهجرة العشوائية التي خرجت من الصعيد والوجه البحري وراء أم الدنيا.. التي يطمعون لا في زيارتها فقط ضمن 3 ملايين زائر يدخلون القاهرة ويخرجون منها يوميا.. ولكنهم قرروا الاستقرار بالعاصمة.. يفكرون فقط في السكن وليس أي شيء آخر وللأسف لم يقلدوا مساكن الذين يعملون لديهم أو أقاربهم القدامي.. وأول موجات الضغط والتوسع تمثلت في الاستعانة بالأقارب الباحثين عن عمل اسهل من الزراعة والإنتاج وهو ان ممارسة الأنشطة الطفيلية "بيع المناديل الورقية حتي المنتجات الصينية" أو العمل في حراسة العمارات الجديدة والقديمة التي شقت عنان السماء وتجاوزت فرصة العمل بكل منها مرتب وكيل الوزارة بالإضافة إلي الاكراميات وعائد المشاوير الفرعية وبالطبع فإن نسبة كبيرة من الجيل المهاجر لا يفكر في الوظيفة أو التعليم.. وتبدأ أعباؤه في الظهور مع الجيل الثاني الذي يري التعليم والوظيفة المرموقة طموحه الذي لا يتوقف. وإذا كانت مشروعات الإسكان الجديدة تزهو بالمدارس والأندية والمستشفيات وأماكن الرعاية الصحية.. فإن العشوائيات تختنق بعدم وجود هذه المرافق الضرورية وغير الضرورية وعلينا ان نلاحظ ان بعضها "أي العشوائيات" نشأ لخدمة هذه المرافق وتوفير ما تحتاجه مثل المجتمع علي الجانب الأيسر من منشية الصدر لخدمة جامعة عين شمس والثاني بين السرايات الملاصق بالمدينة الجامعية لجامعة القاهرة ورغم تواجد العمارات فإنهما يشتركان في تواجد خدمات تصوير المستندات والمذكرات وتوفير المسكن للذين لم يجدوا مكانا في المدينة الجامعية.. والمقاهي والمطاعم الشعبية.. الخ. ورغم أن القضية متشعبة كما نلمسها من كثرة الاجتماعات والمقترحات لمواجهة العشوائيات والتي لا تستطيع منع ظهور بؤر أخري في أماكن غير متوقعة.. إلا أن الخطورة في السلبية والتراخي في تطبيق القانون والأناملية والإهمال والأمراض الاجتماعية الأخري بل والتعاطف أحيانا للبعض تجاه الحل العشوائي.. ولذلك يجب تفعيل القانون بكل حسم ودقة وعدم الانصياع لمماطلات أو حجج واهية.. تكون المدينة العشوائية قد أقيمت بشكل مساكن متراصة ليبدو من الصعب ازالتها.. رغم ان بعضها يعتبر متخلفا عن الحارة المصرية القديمة المبنية بالدبش والتي راعي فيها الأجداد عناصر مهمة في العمارة لمنع الحرارة والبرد القاسي عن المنازل بتطبيق نظرية الارتفاع وتقارب المباني.. ولكن ان يحدث ذلك ونحن في الألفية الثالثة.. يبدو الأمر مثيرا للدهشة وعدم القبول خاصة مع توفر الابتكارات والاقتراحات والالتزامات وخطوط التنظيم والحيز العمراني.. الخ.. وعلي سبيل المثال.. نسأل عن خطأ مشترك بين ساكني العشوائيات والأبراج يمثل في التجديدات الكهربائية وعدم توزيع الحمل علي أكثر من خط وهو الخطأ الذي تظهر اثاره الضارة من زيادة الإهمال واشتعال حرائق الماس الكهربائي وهناك مناطق عشوائية مكتظة بالسكان ومزدحمة يكون الحل الأمثل بالنسبة لسكانها الانتقال إلي مساكن جديدة مزودة بالحدائق والمرافق مع جهد مجتمعي في نزع جذور ثقافة العشوائيات من القادمين الجدد مثل الاهتمام بالنظافة واحترام الملكية العامة والانتظام في المدارس لأن ذلك يعد عاملا أساسيا في تهاوي اطلال العشوائيات وانتظام الشكل العام للمساكن في الوادي الضيق والمجتمعات العمرانية خارجه كما يمكن أن تقدم بنوك الإسكان والمكاتب الاستشارية مساعداتها للراغبين في البناء علي سمعة المجتمعات الجديدة لتكون مساكنهم صحية نظيفة مطابقة للمواصفات ولايترك الأمر لتجار تقاسيم الأراضي والزام اصحاب المنازل الجدد بالتعاقد مع مقاولين معتمدين من الاتحاد المصري للمقاولات لامكان حسابهم ورقابتهم ومازلنا في حاجة إلي جهد مجتمعي منتظم لمواجهة هذه العشوائيات كما تفعل جمعية الرعاية المتكاملة والهلال الأحمر المصري وبعض رجال الأعمال. إن مصر الجميلة يجب أن تعود بجهد الجميع وليس الحكومة فقط. المزيد فى أقلام وآراء