سعد الحريرى رئيس وزراء لبنان الأسبق وزعيم تيار المستقبل السنى أخيرا فى بيروت بعد 4سنوات فى منفاه الاختيارى بين الرياض وباريس خوفا على حياته من الاغتيال الذى طال والده رئيس الوزراء اللبنانى الأسبق رفيق الحريرى فى 2005... جاء الحريرى هذه المرة لحضور الذكرى السنوية العاشرة لاستشهاد والده،ولم يبق فى بيروت ثلاثة أيام فقط مثلما فعل مطلع أغسطس الماضى ،حيث إنه لايزال فى لبنان ،يلتقى يوميا فى بيت الوسط مقر تيار المستقبل ،زعماء سياسيين مؤيدين ومعارضين ونوابا وقائد الجيش ،ثم يعود كل يوم لينام فى قصره،وسط أجواء طبيعية من الرعد والبرق والعواصف الثلجية،تزيد العواصف السياسية التى تعصف بلبنان شدة وخطورة،من الفراغ الرئاسى ،والانتخابات المؤجلة،والتمديد للمجلس النيابى ،والتنافر الحاد بين الفرقاء الموارنة الذين لم يتفقوا خلال العام الماضى على اختيار رئيس مارونى للبنان حسب نص الدستور،وكذلك الحوار الممتد بين المستقبل وحزب الله لتقليل الفجوة وتهدئة الأوضاع بين السنة والشيعة...فهل ينجح سعد الحريرى فى تهدئة عواصف لبنان السياسية قبل أن تقول الطبيعة كلمتها وتخفى عواصفها الثلجية ،لتظل الحال كما هى عليه . عاد الحريرى هذه المرة ليبقى كما يقول مؤيدوه وخصومه السياسيون،حيث إن الحوار ممتد بين المستقبل السنى وحزب الله الشيعى بعد التنافر الكبير بين الفريقين على إثر اختلافهما حول مايحدث فى سوريا ،فالمستقبل السنى أيد المعارضة السورية بالمال والسلاح والمقاتلين عبر مدينة طرابلس كبرى مدن الشمال اللبنانى ذات الأغلبية السنية وبواسطة نواب المستقبل فى الشمال،هكذا يتهمه المعارضون فى فريق 8آذار”حزب الله- حركة امل - التيار الوطنى الحر- تيار المردة”،فيما يرفض الاتهامات فريق 14 آذار”المستقبل- الكتائب - القوات اللبنانية”،وذلك فى الوقت الذى يتهم فيه فريق 14آذار خصمه فريق 8آذار بدعم نظام بشار الأسد ،بمشاركة حزب الله بصفوة عناصره فى الحرب الدائرة داخل سوريا إلى جانب قوات الأسد ،بل ويذهب بعيدا، مؤكدا أن بقاء الأسد حتى الآن يعود لوجود حزب الله فى الحرب لصالح الأسد،خاصة بعد سيطرة الجيش السورى النظامى على القلمون والقصير، وتحقيق تقدم على أرض المعارك فى مواجهة الجيش السورى الحر وجبهة النصر، وخلال زيارته الخاطفة لبيروت فى أغسطس الماضي،دعا سعد الحريرى حزب الله إلى الحوار لحل المشاكل السياسية العالقة فى لبنان ،فى ظل تعنت فريقى 14و8آذار فى التمسك بمواقفهما فى تأييد مرشح رئاسى بعينه بغض النظر عن المصلحة اللبنانية ،ولتقليل الفجوة بين السنة والشيعة مع تعاظم وجود داعش والنصرة على الحدود اللبنانية ،وخطف 23 عسكريا لبنانيا فى معركة عرسال مطلع أغسطس الماضى والتى على إثرها عاد الحريرى إلى بيروت حاملا دعما ماليا للجيش اللبنانى يبلغ مليار دولار من السعودية بالإضافة إلى المنحة السعودية لتسليح الجيش اللبنانى من فرنسا بمبلغ ثلاثة مليارات دولار. وتلقف دعوة الحريرى للحوار السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله، معتبرا أن التغير فى موقف الحريرى تجاه الإرهابيين فى شمال لبنان ساعد الجيش اللبنانى على حسم المعركة لصالحه ،كما ساعد الدولة فى استعادة السيطرة على مدينة طرابلس بعد ثلاث سنوات من وقوعها فى قبضة الجماعات المتطرفة المحسوبة على التيار السنى بزعامة الحريري،ووافق نصرالله على الحوار مع المستقبل ،وبالفعل عقد حوار بين الطرفين أكثر من مرة، ويحقق تقدما على مستوى الملفات السياسية العالقة فى لبنان. وبالرغم من التقدم الواضح فى الحوار بين حزب الله والمستقبل برعاية رئيس مجلس النواب نبيه برى ،إلا أن الحريرى فى خطابه الأخير فى بيت الوسط خلال الاحتفال بالذكرى العاشرة لاغتيال والده ،اتهم حزب الله بتوريط لبنان فى المستنقع السورى بل وطالبه بالانسحاب من سوريا،ليرد عليه السيد نصر الله بعدها بأيام قائلا فلنذهب سويا إلى سوريا،بما يعنى أن حزب الله باق فى سوريا حتى انتهاء الأزمة ،بل ويطالب المستقبل بالذهاب الى سوريا لمحاربة المعارضة التى كان يؤيدها المستقبل قبل ظهور داعش والنصرة على ساحة المعارك. وبصفته التى ورثها عن والده كزعيم للسنة فى لبنان فى ظل عدم ظهور أى زعيم سنى آخر،عقد سعد الحريرى لقاءات موسعة ومطولة مع الحلفاء والخصوم على حد سواء،حيث التقى حلفاءه فى فريق 14 آذار،سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية ومرشح 14 آذار لرئاسة الجمهورية،وأمين الجميل رئيس حزب الكتائب ،كما التقى رئيس الحكومة تمام سلام، وقائد الجيش العماد جان قهوجى ،بالإضافة إلى العديد من النواب،كما التقى من الخصوم فى تيار 8آذار العماد ميشال عون الحليف القوى فى 8آذار، والمرشح الرئاسى العنيد المدعوم من حزب الله حتى آخر نفس- حسب تعبير حزب الله-،حيث تناقشا فى الملف الرئاسى وبعدها أعلن الحريرى أنه مع انتخاب اى رئيس مسيحى يتفق عليه المسيحيون ،بما يعنى ضمنا إمكانية تخليه عن حليفه ومرشحه للرئاسة سمير جعجع،وهو الأمر الذى دفع جعجع للمبادرة بطلب الحوار مع عون لانهاء حالة الانقسام الحاد بين الموارنة ،ليذهب الجميع الى مجلس النواب للاختيار بين جعجع وعون،أو الاتفاق فيما بينهما على مرشح منهما لملء الفراغ الرئاسى الذى يعصف بلبنان منذ مايقرب من عام. واذا كان الحريرى فى بيروت للبقاء والحوار ،فإنه يغيب عن لقائه حتى الآن زعيم الدروز فى لبنان النائب وليد جنبلاط الذى يرشح ويدعم النائب شارل حلو للرئاسة ،ولم يحضر احتفال الحريرى بذكرى والده، واكتفى بإرسال باقة ورود،وكذلك السيد حسن نصر الله الذى لم يدع أصلا لحضور الاحتفال ،وغاب أيضا عن أجندة لقاءات الحريرى اليومية والمكثفة. وفى ظل عاصفة الحريرى السياسية القادمة بقوة للبقاء فى بيروت والانفتاح على الجميع، والاصرار على حل المشاكل العالقة، وملء الفراغ الرئاسي،تضرب لبنان عاصفة ثلجية قادمة من سيبيريا لتراكم الثلوج على ارتفاع 300متر،وتغلق الموانئ وتقطع الطرقات، وتخفض الحرارة لتصل فى غالبيتها الى 6درجات على الساحل وتحت الصفر على المرتفعات،ليجد اللبنانى نفسه محاصرا بالعواصف السياسية والثلجية على حد سواء ،وان كان يستطيع مواجهة العواصف الثلجية والأمطار بالتدفئة والبقاء فى المنزل ،فإنه لايستطيع مواجهة العواصف السياسية، طالما ظل الزعماء السياسيون غير راغبين فى تهدئة العواصف أو مواجهتها،فهل يفلح سعد الحريرى هذه المرة مدعوما بصفقات السلاح للجيش اللبنانى من أموال السعودية،فى التقارب مع حزب الله،ليسود الهدوء الشارع السنى الشيعى ،ومن ثم يتم الاتفاق على موقف اسلامى موحد ،يصحبه اتفاق مسيحى –مسيحى موحد ،ليتفق المسلمون والمسيحيون على انتخاب رئيس توافقى يرضاه الجميع،أم أن إيران والسعودية اللاعبين الأكبر على الساحة اللبنانية لن يتفقا على مايتفق عليه اللبنانيون ليظل الفراغ الرئاسى قائما فى لبنان ،ومن ثم يستمر تمديد المجلس النيابى وشلل الحكومة إلى أجل غير مسمى؟