لم يستطع رئيس الوزراء اللبنانى تمام سلام أن يخفى غضبه واندهاشه من ردود الفعل العالمية على حرق الطيار الأردنى معاذ الكساسبة على أيدى مجرمى داعش ،متسائلا فى مؤتمر ميونخ للأمن الأسبوع الماضى :لماذا لم يعرب العالم عن نفس الغضب عندما ذبح 4 جنود لبنانيين أسرى لدى المجرمين أنفسهم؟ لبنان الذى يعد ملعبا مفتوحا لكل القوى العالمية والإقليمية لايزال يحترق من الصفيح الساخن الذى يقف عليه منذ بداية الأحداث السورية فى 2011 وحتى الآن،بعدما استقبل حوالى مليونى نازح سورى على أراضيه التى تضم أيضا 12مخيما فلسطينيا يقطن فيها أكثر من 400ألف فلسطيني،ويتهمهم البعض بأنهم البيئة الحاضنة لداعش والنصرة داخل لبنان.ولايزال لبنان منذ مايو الماضى وهو بلا رئيس بعدما انتهت ولاية رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، وفشل المجلس النيابى فى انتخاب رئيس جديد، فى ظل تمسك القوى الفاعلة والمؤثرة بمرشحيها ،ففريق 8آذار(حزب الله – حركة أمل – التيار الوطنى الحر- تيار المردة) يتمسك بمرشحه المعلن العماد ميشال عون ،فيما يتمسك فريق 14 آذار(تيار المستقبل – القوات اللبنانية- حزب الكتائب) بمرشحه المعلن سمير جعجع، فى ظل حالة الانقسام الحاد بين المسيحيين الموارنة، وتوزعهم بين الفريقين،وكذلك الانقسام الحاد بين المسلمين السنة والشيعة، بينما يقف وليد جنبلاط زعيم الدروز فى لبنان على الحياد من الفريقين، معلنا عن مرشحه النائب شارل حلو. ولأن الرئيس اللبنانى لابد وأن يكون من المسيحيين الموارنة حسب نص الدستور اللبنانى، فقد طالب البطريرك اللبنانى الكاردينال مار بشارة بطرس الراعى بضرورة انتخاب رئيس، لأن دولة بلا رأس هى دولة غير موجودة.وبعد غضب الكنيسة المارونية من عدم انتخاب رئيس وعدم اتفاق الزعماء الموارنة على اسم للرئيس، شهد التوتر السياسى بين عون وجعجع ليونة أدت إلى تحضيرات اللقاء بين رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون مرشح فريق 8آذار للرئاسة، ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع مرشح فريق 14آذار للرئاسة من خلال مسودة للقاء أعدها أمين سر تكتل التغيير والإصلاح النائب ابراهيم كنعان ومسئول الاعلام والتواصل بالقوات اللبنانية ملحم رياشى. وجرى إطلاع عون وفريق عمله عليها، فوضع ملاحظاته، ثم سلّمت الى رياشى الذى وضع بدوره ملاحظاته عليها. وتناولت مسودة اللقاء أصول العلاقة بين التنظيمين، والمخاطبة فى ظل المنافسة، وأيّ رئيس جمهورية يريدان على قاعدة سعيهما الى “الرئيس القوي، وقانون الانتخاب، ووسائل ضمان السيادة الوطنية، وحماية المناصفة بين المسيحيين والمسلمين، ومعالجة سلاح حزب الله وسيادة الدولة ومؤسساتها. وذلك من أجل طى صفحة الخصومة فى مرحلة أولى، إذ إنهما يعتقدان أن هذا الأمر هدف استراتيجى على صعيد المجتمع المسيحي، والعمل على تحويل الخلاف السياسى الى تنافس بدل التصادم، والابتعاد عن البذاءة والقساوة فى التخاطب، وذلك لبذل الجهود لإنهاء الشغور الرئاسي. ومن جانبه قال عضو كتلة القوات اللبنانية النائب فادى كرم إن حزب الله لديه أزمات كبيرة، وهناك العديد من القوى السياسية التى تشعر بالضرر من أى تقارب مسيحي-مسيحي، وقد يكون الحزب من بينها، ولذلك نشهد منه ومن غيره بعض التصريحات المتوترة تجاه تقارب جعجع –عون ، لأن الحزب يخوض منذ فترة طويلة معركة إقليمية بالنيابة عن إيران، المنشغلة بمفاوضاتها بشأن ملفها النووي،ولذلك يعرقل الحزب انتخابات رئاسة الجمهورية ويسعى عبر عدم تسهيلها إلى فرض التفاهم على الرئيس الجديد، وإلى جعل الانتخابات بالنسبة إليه مسألة مبايعة لا أكثر. وفى ظل حالة الانقسام التى تهدد الاستقرار السياسى الهش فى لبنان، وعدم الاتفاق على رئيس يملأ الفراغ الرئاسى فى سدة الحكم فى لبنان،من جانب المسيحيين، حدث تقارب سنى –شيعى ،من خلال الحوار بين حزب الله الممثل الأكبر للشيعة، وتيار المستقبل الممثل للسنة فى لبنان. ومن جانبه قال عضو كتلة المستقبل النائب محمد قبانى: إن استمرار تمسك حزب الله بالنائب ميشال عون مرشحاً وحيداً للرئاسة يطيل أمد الشغور الرئاسي، معتبراً أن مفتاح الحل فى طهران، وليس فى بيروت، مؤكدا أن التقدم الذى حصل فى الحوار مع حزب الله مقبول ومشجع، ويمكن البناء عليه لأننا لا نتوقع أن هذا الحوار يمكن أن يؤدى إلى اتفاقات استراتيجية وأساسية، والمهم هو أننا خطونا باتجاه إلغاء المظاهر المسلحة التى نأمل يوماً ما أن تؤدى إلى نزع السلاح، لكن هذا الأمر حتى الآن ليس جدياً. وبالرغم من عقد جلسات الحوار بين حزب الله والمستقبل أكثر من مرة برعاية رئيس مجلس النواب نبيه برى زعيم حركة امل الشيعية ،إلا أن الحوار لم يتطرق إلى المرشح الرئاسى المسيحى لرئاسة الجمهورية.النائب السابق عن تيار المستقبل مصطفى علوش، اتهم حزب الله بأنّه يسعى للإبقاء على الشغور الرئاسى الحالى لتنفيذ مشاريع إيران فى المنطقة ، وبالرغم من تمسك الحزب بترشيح عون للرئاسة فإنه لا يريد عون رئيساً، خوفاً من أن ينقلب عليه بعد بلوغه سدة الرئاسة. واعتبر علوش أنه لا جدوى من الحوار مع حزب الله بموضوع الرئاسة، نظراً لتعنته وإصراره على مرشح واحد، ولذلك توافقنا على أن يجرى التباحث فى حوارنا معهم بمواصفات الرئيس وليس بالأسماء. وبعيدا عن التقارب المسيحى بين عون وجعجع ،والتقارب السسنى الشيعى بين حزب الله وتيار المستقبل،يغرد زعيم جنبلاط زعيم الدروز فى لبنان بعيدا عن الفريقين ،متمسكا بمرشحه المارونى النائب شارل حلو، ومهددا فى الوقت نفسه بالاستقالة من المجلس النيابي، ومنتظرا اتفاق الفريقين على اسم مرشح للرئاسة ليدعمه، او يعارضه حسب اقتناعاته. وفى ظل الشغور الرئاسى والتقارب السنى الشيعى من ناحية ،والتقارب المسيحى المسيحى من ناحية أخري، يظل خطر داعش والنصرة محدقا بلبنان،مع تمسك التنظيمين بمطالبهما للإفراج عن العسكريين اللبنانيين لديهما، والذين تم أسرهم خلال معركة عرسال مع الجيش اللبنانى مطلع أغسطس الماضي،وإقدام النصرة على ذبح 4جنود لبنانيين من الأسرى لديها،ولم يتوقف التهديد بالذبح إلا بعد نجاج الجيش اللبنانى فى القبض على زوجة سابقة لزعيم داعش أبو بكر البغدادى، وكذلك القبض على زوجة القيادى بجبهة النصرة أبو على الشيشاني. ومع استمرار داعش والنصرة فى التمسك بمطالبهما للإفراج عن العسكريين،تتخوف الحكومة اللبنانية من البيئة الحاضنة لداعش والنصرة داخل لبنان بين السوريين النازحين، والمخيمات الفلسطينية التى هرب إليها قادة النصرة اللبنانيون بعد معركتى عرسال وطرابلس مثل شادى المولوى، وأسامة منصوراللذين اختفيا داخل مخيم عين الحلوة الفلسطينى بضواحى صيدا كبرى مدن الجنوب اللبنانى ذات الأغلبية السنية، ومعقل آل الحريرى فى لبنان. ولذلك تم التنسيق بين القوى الفلسطينية داخل المخيم والجيش اللبنانى لإحباط محاولات داعش والنصرة لتجنيد عدد من ابناء المخيم والمطلوبين والمتشددين الإسلاميين ،لكى يكون الذراع التنظيمية والعسكرية داخل أكبرالمخيمات الفلسطينية فى لبنان. ومع استمرار الحرب الدولية ضد داعش وتهديد التنظيم، ومعه جبهة النصرة للحدود اللبنانية السورية،يواجه الجيش اللبنانى محاولات التنظيمين لاختراق الجبهة اللبنانية بحثا عن ممرآ من للبحر الأبيض المتوسط، ولكن الجيش اللبنانى رغم قلة إمكاناته يحبط محاولات الاختراق ،منتظرا صفقة التسليح الفرنسية التى تمولها السعودية بمبلغ 3مليارات دولار. وبالرغم من كل الأحداث التى تعصف بلبنان ،تظل مشكلة النازحين السوريين فى لبنان متفاقمة،وعاملا مساعدا أدى الى زيادة فى الجرائم فى لبنان بسبب الفقر والبطالة، ممايشكل خطراً على الأمن الداخلى حسب وصف رئيس الوزراء اللبنانى خلال كلمته فى مؤتمر ميونخ للأمن،فهل يستطيع لبنان ذو الوضع السياسى المتهاوى والاقتصاد المتدنى والتسليح المنتظر أن يستمر فى مواجهة داعش والنصرة لإعلان إمارة لبنان الإسلامية،وضبط الأمن بالمخيمات الفلسطينية فى مواجهة البيئة الحاضنة لداعش، والنصرة من المتشددين الإسلاميين وزعماء النصرة الهاربين داخل مخيم عين الحلوة،وهل يفضى التقارب المسيحى المسيحى والسنى الشيعى إلى اتفاق على اسم مرشح رئاسى لسد فجوة الشغور الرئاسى فى لبنان؟