فى الوقت الذى وضعت فيه الايكونوميست البريطانية ، تركيا ضمن الأنظمة الهجينة ذات الديمقراطيات المعيبة ، كان البرلمان التركى قد خرج توا معلنا للعالم أجمع ، رفضه إحالة وزراء إلى محكمة الديوان العليا ، بعد أن اتهموا باستغلال النفوذ والتستر على أبنائهم ، فى أكبر فضيحة فساد شهدتها الجمهورية على مدار تاريخها الممتد لتسعة عقود ، والتى تم الكشف عنها فى ديسمير عام 2013. والمفارقة المذهلة هى أن هذا التطور ودون ترتيب ، أعطى مصداقية لما ذهبت إليه الدورية الإنجليزية الشهيرة ، أى أن حكومة السيد رجب طيب أردوغان لا تختلف كثيرا عن حكومات نيكارجوا وهايتى وسيراليون وباكستان .وهكذا أضيف مؤشر سلبى آخر على سمعة البلاد، التى تراجعت بصورة مخيفة فى حقبة العدالة والتنمية، وليس هناك فى الأفق ما يبشر ببارقة أمل لخروجها من وضعية التأزم التى تعيشها ، رغم طنطنة الأحاديث عن مشاريع عملاقة تؤكد الشواهد فى ضوء تراجع معدلات النمو إنها لن تكتمل وفق ما هو مخطط لها . الغريب أن الجيران الذين طالما وصموا من قبل الساسة الأتراك بالديكتاتورية ، كانوا أكثر جرأة فى مواجهة الذمم الخربة،وها هى طهران تصر على مثول عدد ممن تولوا حقائب وزارية فى حقبة الرئيس السابق محمود أحمدى نجاد أمام العدالة لإدانتهم بالتربح وتلقى الرشاوى.لكن هذا لا يعنى أن نتيجة تصويت البرلمان بأغلبية ضئيلة ، والتى اعتبرتها المعارضة رسالة غير جيدة للخارج ، أنهت القضية ، فربما أسدل الستار عليها رسميا ، لكن على الصعيد الشعبى ، مازالت تتفاعل كأحد أهم هموم الحياة السياسية والاجتماعية ، بيد أنها كشفت عن شروخ داخل الحزب الحاكم نفسه ، بعدما رفض 45 نائبا منه تعليماته وتصويتهم بإدانة الوزراء الأربعة، وهو ما يؤشر على انقسامات البيت الواحد لم تعد خافية ، بما ينذر بما لا يحمد عقباه خاصة مع اقتراب الاستحقاق التشريعى فى يونيو المقبل . ولأن الأمر جلل وخطير ، بحيث إنه يهدد مستقبل الحزب كان طبيعيا أن يصرخ أحد نوابه واصفا أقرانه بالخونة، كونهم رفضوا الامتثال لتعليمات قياداتهم، ليس ذلك فحسب بل يسعون إلى الانتقام بشكل غير مباشر من رئيس الجمهورية، مؤكدا ضرورة إبعادهم والتخلص منهم خلال فترة قصيرة عكس ذلك لا يمكن تحقيق الرؤية المستقبلية عام 2023. والمواطنون من جانبهم حائرون مصابون بالدهشة من فرط الأنباء التى تؤكد أن الفساد أصبح سمة الحياة، فمجلس القضاء المالى التركى أعلن أخيرًا عن أن بعض المستشارين الذين يتقاضون رواتبهم من مؤسسات عدة بالدولة يحصلون على مبالغ فى صورة مكافآت من هيئات حكومية بالمخالفة للقانون، هذا إلى جانب مخصصات من رئاسة الجمهورية، والأمر اللافت للانتباه هو وجود الكثير من المستشارين المقربين لأردوغان فى هيئة الأقمار الصناعية، ويتقاضى الواحد منهم 10 آلاف ليرة شهريًا، أى ما يزيد على أربعة آلاف دولار. ولأن الشفافية توارت لتحل محلها المحسوبية ، أصبحت الوظائف العامة حكرا على العدالة الحاكم ، ومهما اتخذت الاحتياطات لإخفاء الأفعال المشبوهة إلا أن الحقائق تتكشف شئيا فشيئا، فأسئلة الاختبارات لشغل الوظائف يتم تسريبها للموالين دون غيرهم، والدليل على ذلك هو أن من اجتازوا هذه الامتحانات هم أنصار العدالة، وفى محاولة لنفى التهمة عنها التى زعمت الصحافة للحكومة وللرئيس رجب طيب أردوغان أن أسئلتها سرقت من قبل عناصر حركة " خدمة " التابعة للداعية الإسلامى فتح الله جولين. وعلى حد تعبير صحيفة "زمان" ، فالكذب لايعمر طويلا، فدون قصد نشر الإعلام الحكومى أسماء من نجحوا ليتبين أنهم جميعا إما أن تولوا مواقع مهمة فى الحزب، أو عملوا بالبلديات التابعة له ، ورغم الحمالات الدعائية الشرسة التى يصوبها أردوغان تجاه خصمه اللدود جولين إلا أن الأخير مازالت مدارسه مطلوبة فى بلدان إسلامية جنوب شرق آسيا وفى مقدمتها إندونيسيا، وهو ما حدا بالكاتب بنفس الصحيفة أكرم دومانلى أن يصف طريقة الحكم الأردوغانية بأنها لم تعد صالحة حتى لإدارة قرية ، دومانلى لم يكتف بذلك، بل طرح سؤالا بسيطًا جدا : ما هو المعيار الذى يعتمده حزب العدالة والتنمية فى إدارة دفة الحكم فى تركيا؟ أهو الدستور؟ أم هو القوانين؟ ثم يجيب نصا " للأسف، فالحزب لايدير البلاد وفق أى من تلك المعايير! نحن أمام شكل من أشكال الإدارة يعتمد على التعسفية وينقاد لرطانة البلطجة الجوفاء ، فأين المعايير الديمقراطية ؟ ألغى العمل بها منذ زمن بعيد. وأين المبادئ القانونية؟ وضعوها فى الثلاجة. حسنًا، فعلى أساس أى معيار أو مبدأ إذن يدار هذا البلد الجميل ؟ طبعا يدار وفق رغبات السادة اللوردات وأبنائهم " غير أن السيد أحمد داود أوغلو المفترض أنه رئيس الوزراء وهو فى الحقيقة لا يعدو أكثر من مدير مكتب من عينه فى موقعه هذا ، له رأى مغاير تماما، فتركيا ومن وجهة نظره فى أزهى عصورها بفضل قيادة أردوغان وهنا العجب العجاب، فالبيانات الرسمية شددت على أن استثمارات أجنبية تقدر بنحو ثلاثين مليار دولار هربت من تركيا لأنها لم تعد دولة حقوق، صدق على هذا الاتحاد الأوروبى. بمعنى أن الوعود التى قطعها أردوغان على نفسه بأنه سينقل بلاده من المرتبة السابعة عشرة اقتصاديا إلى العاشرة، وأن إسطنبول ستكون المركز المالى العالمى، لايبدو أنها ستتحقق.