جيش مصر هو شعبها يجمع فئات الشعب وطوائفه واتجاهاته فى تنظيم واحد له مكانته وكرامته وتقاليده. وشعب مصر هو جيشها جيش مدنى الذى يقوم مع القوات المسلحة بالدفاع عن الأرض والكرامة والاستقلال. هو ظهير المحاربين وقت الحرب وشريكهم وقت السلم. شعب مسالم لكنه ليس خانعاً لا يخضع للذل والقهر انه مثل جيشه لا يستكين. اذا داهمته مصيبة يتصدى لها ويستعد للتخلص منها بكل طوائفه رجالاً ونساءً. رغم ما حل به من كوارث ومن طمعوا فيه فأغاروا عليه تمكن دائما من استعادة استقلاله وكرامته وله فى ذلك تاريخ حافل، نقدم مجرد لمحات منه. قامت أول ثورة فى التاريخ هنا فى مصر فى نهاية العصر القديم، ضد «بيبى الثاني» بعد أن تولى الحكم 80 عاماً. وتسجل بردية «أيبوير» أن هذه الثورة الشعبية قامت «بسبب الفساد والعنف فى الشارع وعدو يتربص بالبلاد «. ولعل التاريخ يعيد نفسه! وفى أيام «رمسيس الثاني» أضرب العمال غضباً بسبب عدم الحصول على استحقاقهم وأسهم الشعب فى طرد الهكسوس. - فى عهد الأسرة العشرين، غزت القبائل القادمة من الشرق، وحليفتها القادمة من الغرب، أرض الدلتا واستقرت فيها مدة من الزمن لكن السكان ثاروا عليهم، وقام الشعب بإجلائها من مصر. - فى القرنين السابع والسادس قبل الميلاد، كانت مصر مسرحا لحوادث لم يذكر التاريخ مثيلا لها. غزا الاثيوبيون الوجه القبلى وغزا الأشوريون الوجه البحري، وتقاتلوا معاً على أرض مصر ووقف الشعب المصرى يراقب الموقف حتى ضعف الفريقان، فانقض المصريون شعباً وجيشاً وعادت لمصر سيادتها فى عهد ابسماتيك الأول». - وفى سنة 525 ق.م. تدفقت جحافل الفرس على مصر فاحتلتها، ضمها «قمبيز» الى امبراطوريته. ظلت مصر خاضعة لحكم الفرس حتى سنة 331 أى نحو مائتى سنة، أطلق المصريون القدماء على عهد الحكم الفارسى «عهد الويلات « . عمدوا الى الثورة أكثر من مرة لخلع ذلك العدو الثقيل. تحالفت معهم الشعوب المجاورة التى غزاها الفرس وأرهقوها، كالليبيين والفينيقيين والاغريق. نتيجة لثوراتهم المتواصلة تم النصر للمصريين وجيشهم فى النهاية فطردوا الفرس ووحدوا دولتهم. - فى عهد الفاطميين جاء الخليفة المأمون الى مصر ليواجه ما يسمى «ثورة القبط» أى ثورة الشعب المصرى الذى كان يطلق عليهم القبط بغض النظر عن العقيدة الدينية، ويسجل المؤرخ الوطنى صبحى وحيده نتيجة مهمة لهذه الثورة. نزل الخليفة الى شعبه ليعرف أسباب الغضب ثم وجد أنه لا يفهم حديثهم لأنهم يتكلمون لغة مختلفة هى لغتهم القبطية فأضطر الى الاستعانة بمن يترجم له فأمر عندئذ أن تكون اللغة العربية لغة البلاد، وهو تغيير استغرق 200 سنة الى أن أصبحت العربية لغة مصر واقتصرت اللغة القبطية على صلوات الكنائس وبعض الدراسات. - فى أثناء فترة الاحتلال العثمانى ، كانت الحملة الفرنسية التى استمرت ثلاث سنوات الفترة 1798-1801، من أبرز أحداث التاريخ الحديث. فجرت غضب المصريين، وشهدت تلك الفترة القصيرة ثورة المصريين بضع مرات وأسهمت المرأة المصرية فى هذه الثورات التى انتهت بزوال الاحتلال. - ثم جاءت ثورة أحمد عرابى التى كان من أسبابها سوء معاملة الشعب المصرى وتفضيل الأجانب عليه. ساندت شرطة مصر العريقة الثوار وتعرضوا لتلك للعقوبات التى وصلت حد الاعدام. أجهضت الثورة ومنيت بفشل ذريع وأعقبها احتلال بريطانى لمصر جثم على صدور أبناء الشعب المصرى مدة سبعين عاماً. - رفض الشعب أن يكون مقهوراً واندلعت ثورة 1919 بقيادة سعد زغلول زعيم الحركة الوطنية.. ومشاركة الشعب كله برجاله ونسائه ضد المعاملة التى عانى منها المصريون من الاحتلال البريطاني، كان أبرز نتائجها الغاء الأحكام العرفية واتفاق على الاستقلال بعد ثلاث سنوات. ثم جاءت أحداث سنة 1952 لتغير وجه التاريخ بدأت انقلاباً تحولت به مصر من ملكية الى جمهورية ثم أصبحت ثورة تعاطف معها المصريون وألهمت دول المنطقة. وفى يناير 2012 دعى البعض الى عصيان مدنى واستهل الشباب ثورة لتصحيح الأوضاع لكنها أصبحت انقلاباً اذ تغير نظام الحكم وأصبح ثيوقراطياً نشر الظلم والظلام والتخلف والاستبعاد والمتاجرة بأرض الوطن مع اهدار حريته وكرامته وكل ما يأتى به الخلط بين الدين والسياسة من أخطاء وخطايا تسييء الى الاثنين معاً. فخرج شعب مصر غاضباً ثائراً دون عنف لكن بعزم واصرار. أعلن رفضه لذلك الحكم وسانده الجيش. تحررت مصر شعبها وارادتها فى سابقة فريدة من نوعها سوف تذكرها الأجيال القادمة بالفخر.واستحق 30 يونيو أن يكون «عيد التحرير». ولابد هنا من الاشارة الى ثورة سلوكية ثقافية لا يجوز اغفالها، عاصرناها فى 26 يوليو. يوم رمضانى كريم انطلق فيه الأذان ودقت الأجراس وارتفع نفس الدعاء لمصر. اجتمع شعب مصر بفئاته وعقائده واتجاهاته للافطار معاً فى رسالة للعالم والوطن والأجيال القادمة أن مصر تصدت لمحاولات الفتنة وستظل دائماً دولة قوية موحدة.ذلك هو جيش مصر أقوى جيوش المنطقة والوحيد الذى يحسب له ألف حساب، وهذا هو شعب مصر شعب وجد نفسه، أثبت قدراته، وعليه استثمارها فى اعادة بناء مجتمع يليق بمصر.أشرنا فى المقال السابق كيف أن العدو أدرك على مر السنين أن وسيلة تفكيك مصر هى الاضرار بجيشها، واليوم على أبنائها التصدى لمثل هذه المحاولات وعدم الانزلاق الى المشاركة فى محاولات النيل من الجيش قولاً وفعلاً. هذه حقائق نقدمها لمن لا يعرفون حتى يعرفوا، ومن لا يفهمون أو اختاروا ألا يفهموا حتى يدركوا مغبة ما يحاولون ويرفعوا أيديهم عن مصر شعباً وجيشاً... حفظهما الله معاً وهو خير حافظ. لمزيد من مقالات د. ليلي تكلا