رئيس جامعة بنها يهنئ الطالب محمد ربيع لتقليل حوادث الطرق    مطار القاهرة يستقبل أولى رحلات الطيران العارض لشركة أذربيجان    توقيع عقد تشغيل فندق الكونتيننتال.. أبرز أنشطة مجلس الوزراء فى أسبوع.. إنفوجراف    خارجية نيجيريا: الوضع الأمني المتردي في البلاد يعود إلى الإطاحة بالقذافي والحظر الأمريكي للأسلحة    الدوسرى يقود هجوم الهلال ضد الخليج فى الدوري السعودي    وزارة العدل الأمريكية تكشف عن أكثر من مليون وثيقة مرتبطة بقضية جيفري إبستين وتأجيل الإفراج الكامل يثير جدلاً    ياسر ثابت: تحييد أوكرانيا والعلاقة مع الناتو أبرز عقد التسوية المحتملة للحرب    "الحماس والعنفوان" لحظة تسجيل محمد صلاح الهدف الأول لمنتخب مصر واحتفال الجماهير "فيديو"    القبض على المتهمين بمحاولة إضرام النيران في مقهى بالقليوبية    الجنايات تستكمل غدا محاكمة فتى الدارك ويب والاستماع لشاهدى الإثبات    الفنان محمد خميس يحتفل بحفل زفافه بالجلباب الصعيدي (صور)    محافظة سوهاج: جاهزية 550 مقر انتخابي و586 لجنة فرعية لإجراء انتخابات الإعادة لمجلس النواب ديسمبر 2025    الجيش الإسرائيلى يهاجم أهدافا لحزب الله فى لبنان    قطع الكهرباء والمياه 5 ساعات في مطاي بسبب الصيانة    60 ألف مشارك في النسخة العاشرة من سباق زايد الخيري بمصر    مؤتمر أرتيتا - هافيرتز قد يعود خلال أيام.. ونأمل في عودة جابرييل بأسرع وقت    الداخلية تنفي ادعاءات مرشحة بالجيزة    التعليم تكشف حقيقة التعدي على طالبة بمدرسة للتربية السمعية    ضبط مناديَي سيارات لارتكابهما أعمال بلطجة بساحة انتظار بالجيزة    أوقاف الفيوم تفتتح مسجد الرحمة ضمن خطة وزارة الأوقاف لإعمار بيوت الله    أكتب لكم عن عبد اللطيف المحيسن: الأسمر صاحب القلب الأبيض فارس من الأحساء يمنح الحياة مذاقًا حلوًا رغم الصعاب    الصحة تطلق قافلة طبية بدمياط الجديدة وتقدم خدمات مجانية لأكثر من 1400 مواطن    وزيرا التعليم العالي والأوقاف يفتتحان مستشفى جامعة بورسعيد بتكلفة مليار جنيه    10 آلاف جنيه مخالفة السرعة.. احذر قانون المرور الجديد    وزارة الداخلية: ضبط عنصر جنائي بالجيزة تخصص في تزوير الشهادات الجامعية وترويجها عبر مواقع التواصل الاجتماعي    رسميا.. أحمد سامي مديرا فنيا لمودرن سبورت    محافظ الجيزة: انطلاق 36 قافلة طبية علاجية بالمراكز والمدن بدءًا من 2 يناير    عميدة طب بنات الأزهر في حفل تخرج الوافدين: كونوا نبراسًا للرحمة ببلادكم    ننشر حصاد وزارة الإسكان خلال أسبوع| فيديو جراف    مراسل القاهرة الإخبارية: تفجير مسجد الإمام سبب ذعر المصلين أثناء صلاة الجمعة    النقل تناشد المواطنين المشاركة لمنع ظاهرة رشق الأطفال للقطارات بالحجارة    حبس موظف 4 أيام بتهمة تصنيع الأسلحة والذخائر داخل منزله بقنا    ضبط 5 طن دقيق مجهول المصدر وتحرير 214 محضر تمويني بالمنوفية    «تكنولوجيا وقيادة وإدارة».. «الري» تؤسس جيلا جديدا لإدارة منظومة المياه    اتحاد السلاح يستعين بخبير بولندي لتبادل الخبرات الفنية في سلاح السيف    كوريا الشمالية تعلن خطة لتوسيع إنتاج الصواريخ وتعزيز قدراتها العسكرية في 2026    الصورة الأولى للفنان محمود حميدة بعد مغادرته المستشفى    بعد 25 عاما.. إنعام محمد علي تكشف أسرار اختصار مسلسل أم كلثوم في 4 سهرات    خشوع وسكينه..... ابرز أذكار الصباح والمساء يوم الجمعه    رئيس وزراء السودان: اللقاءات مع الجانبين المصري والتركي كانت مثمرة    «القومي للمرأة»: غرفة عمليات لمتابعة المشاركة في جولة الإعادة بانتخابات النواب    السياحة تنظم قافلة ترويجية كبرى في السوق الصيني ببكين وشنغهاي    خطوات هامة لسلامة المرضى وحقوق الأطباء.. تفاصيل اجتماع اللجنة العليا للمسئولية الطبية    دعاء أول جمعة في شهر رجب.. فرصة لفتح أبواب الرحمة والمغفرة    خناقة في استوديو "خط أحمر" بسبب كتابة الذهب في قائمة المنقولات الزوجية    القاهرة الإخبارية: غارات مفاجئة على لبنان.. إسرائيل تبرر وتصعيد بلا إنذار    هيئة الدواء: هذه الأخطاء الشائعة في استخدام الأدوية تهدد صحتك    «شيمي»: التكامل بين مؤسسات الدولة يُسهم في بناء شراكات استراتيجية فعّالة    وزارة الخارجية ووزارة الاتصالات تطلقان خدمة التصديق علي المستندات والوثائق عبر البريد    باكستر: جنوب إفريقيا فرصتها أكبر في الفوز على مصر.. ونجحت في إيقاف صلاح بهذه الطريقة    موعد مباراة المغرب ومالي في أمم أفريقيا 2025.. والقنوات الناقلة    قوات الاحتلال تعتقل فلسطينيين وتغلق بوابات لعرقلة المرور    تحذير رسمي من وزارة الزراعة بشأن اللحوم المتداولة على مواقع التواصل    مدير دار نشر: معرض القاهرة للكتاب لا يزال ظاهرة ثقافية عالمية    مجلس جامعة القاهرة يعتمد ترشيحاته لجائزة النيل.. فاروق حسني للفنون ومحمد صبحي للتقديرية    الكومي: صلاح أنقذ مصر أمام زيمبابوي.. وهدفنا صدارة المجموعة    الإفتاء تحسم الجدل: الاحتفال برأس السنة جائزة شرعًا ولا حرمة فيه    وفاة الزوج أثناء الطلاق الرجعي.. هل للزوجة نصيب في الميراث؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر قصة حضارة.. مصر مقبرة الغزاة
نشر في الشروق الجديد يوم 14 - 02 - 2010

إن إطلالة سريعة عبر عصور التاريخ المصرى بآلافه الخمسة تؤكد أن التاريخ الطويل للحضارة المصرية هو تاريخ ممتد من مقاومة الغزاة الذين توالوا على البلاد.
فمنذ الألف الثالثة قبل الميلاد كانت مصر عرضة لغارات متوالية من سكان المناطق الغربية من آسيا، وكانت هذه الغارات تأخذ عادة شكل الهجمات الخاطفة التى تهدف إلى السلب والنهب فى الدلتا. وتشير النصوص التاريخية القديمة إلى أن جسر أوزوسر صاحب هرم سقارة المدرج قد بذل جهودا ضخمة لحماية البلاد من تلك الغارات.
فكيف كانت مصر تحمى نفسها من تلك الغارات فى عصر الدولة القديمة؟
طوال عصر الدولة القديمة كانت مسئولية الدفاع عن الوطن ملقاة على عاتق جيش نظامى يحمى البلاد من الأخطار الخارجية خاصة من الشرق والجنوب، لكن فى عصر الأسرة السادسة نحو سنة 2450 قبل الميلاد تعرضت مصر لهجوم كاسح ومباغت من الحدود الشرقية قامت به جماعات من البدو الآسيويين واستقرت تلك الجماعات فى أرض الدلتا بقوة السلاح، وحتى ذلك الوقت كان الطابع الأساسى لمقاومة المصريين هو طابع القتال من خلال الجيوش النظامية لكن يبدو أن شدة الاجتياح الآسيوى فى هذه المرة قد استدعت تجنيد جيش كبير يفوق فى عدده الجيش النظامى، فتم تجنيد الآلاف من مختلف أنحاء البلاد وتدريبهم بسرعة، وقد نجح هذا الجيش فى طرد الغزاة، وفى نهاية عصر الدولة الوسطى تعرضت مصر لغزو الهكسوس ويؤكد بعض علماء المصريات ومنهم العالم المصرى الراحل الدكتور عبدالمنعم أبوبكر أن الهكسوس لاقوا مقاومة عنيفة من أهل الدلتا ويستشهد على ذلك بالجبانة الواسعة التى عثرت عليها مصلحة الآثار بالقرب من كوم الحصن والتى ترجع إلى عصر الهكسوس وتتميز بأن أصحابها كانوا فى حال حرب ونضال عندما ماتوا، ورغم بطش الهكسوس وقسوة حكمهم فإن روح المقاومة لم تنطفئ وقد نجح بالفعل أمراء طيبة فى تحرير مصر من الهكسوس.
وقد تعرضت البلاد بعد غزو الهكسوس لهجمات متوالية فالغزاة والطامعون فى مصر لم يتوقفوا وكذلك حركة المقاومة والتصدى لم تتوقف، لكنها كانت دائما مقاومة يشارك فيها الشعب تحت قيادة الجيش النظامى أو الدولة وهو الوضع الذى استمر حتى أواخر عصر الدولة الحديثة؛ ومنذ القرن الثامن قبل الميلاد توالت هجمات الآشوريين على مصر، ونجحوا فى احتلال البلاد فى القرن السابع قبل الميلاد فى ظل الانهيار والضعف الذى أصاب الدولة المصرية. وهنا ظهرت المقاومة الشعبية الحقيقية فى مصر للمرة الأولى، ففى كل الغزوات السابقة على غزو الآشوريين للبلاد، كان المصريون يجتمعون تحت راية الدولة أو أمراء طيبة وينخرطون فى جيوشهم ليخوضوا حرب التحرير، لكن فى هذه المرة بدأت حركات التحرير السرية تنتشر فى أرجاء البلاد، وأخذ الناس على عاتقهم أن يجعلوا من مصر جحيما لا يحتمل بالنسبة للمستعمر المستبد، ورفعوا راية العصيان بزعامة أمير مصرى اسمه «نخاو» اعتبره المصريون الزعيم الروحى لحركتهم. وإذا كانت حركة نخاو لم تنجح فى تحرير البلاد فإنها لم تكن الحركة الأخيرة، فقد أعقبها التفاف أهل مصر حول تانوت أمون أحد ملوك النوبة لمحاربة الآشوريين، ثم كانت ثورتهم الناجحة بعد تلك التى نظمها أو قادها الأمير بسماتيك ابن الأمير نخاو، والذى عرف كيف يعد لمعركته إعدادا جيدا وعقد مجموعة من التحالفات الإقليمية لينتهى به الأمر بتحرير البلاد من الآشوريين.
وفى سنة 525 قبل الميلاد حل بمصر الاحتلال الفارسى على يد قمبيز بن قورش الذى كان شديد الشراسة فى معاملته للمصريين، وفى الاستهزاء بمعتقداتهم الدينية وثقافتهم القومية، ولم يتوقف المصريون عن مقاومة الفرس والثورة ضدهم، ونعرف من خلال النصوص القديمة أخبار ثلاث ثورات كبرى ضد الاحتلال الفارسى، اشتعلت أولى هذه الثورات سنة 486 قبل الميلاد واستمرت حتى عام 484 قبل الميلاد عندما نجح الملك الفارسى إجزركسيس فى القضاء عليها، ورغم التنكيل بالمصريين والعمل على القضاء على الروح القومية فى مصر فإن الثورة عادت للاشتعال سريعا ونجحت فى طرد الفرس من البلاد، وكللت نجاحها بصد عدة محاولات أخرى لإعادة الاحتلال الفارسى، لكن طاقة المقاومة سقطت فى النهاية أمام الجيوش الفارسية القوية، وفى أواخر القرن الخامس قبل الميلاد نجح المصريون فى تحرير بلادهم مرة أخرى مؤسسين الأسر الثلاث الأخيرة المستقلة، والتى استمرت تحكم البلاد قرابة سبعين عاما من سنة 404 إلى سنة 342 قبل الميلاد.
وعندما سقطت مصر للمرة الأخيرة فى يد الفرس بعد معارك ضارية دافع فيها آخر ملوك مصر المستقلة نختنا بو الثانى عن البلاد دفاع الأبطال، ظلت مصر طوال عشرة أعوام كاملة تقاوم الحكم الفارسى إلى أن دخل الإسكندر الأكبر البلاد بجيوشه فتخلصت مصر من الحكم الفارسى، لتبدأ حقبة جديدة فى التاريخ المصرى.
وقد ظلت ذكرى الاحتلال الغابرة ماثلة فى أذهان الشعب المصرى لقرون طويلة، ففى العصر القبطى كتب المصريون قصة هذا الاحتلال فى قالب خيالى تصوروا فيه أن قمبيز أرسل إلى المصريين رسولا يحمل رسالة جاء فيها:
«أنا قمبيز لم أكتب إليكم لإرغامكم، فإنى أود زيارتكم، لا حرج عليكم إذا أردتم الحضور إلى، بل تعالوا إلى، أنا الذى سيمنحكم مجدا، أكثر مما تتمتعون به الآن، وربما حدثتكم أنفسكم بعدم الخضوع، حينئذ تكونون قد وضعتم ثقتكم فى هؤلاء الناس السائرين إلى الدمار، إنهم سوف لا يقدرون على تخليصكم من قواتى وآلاتى الحربية، ومادامت لى القوة فلن يستطيع أحد أن ينقذكم من غضبى».
فماذا كان رد المصريين:
«يكتب هذا جميع المصريين إلى أولئك الذين يقطنون أقاليم الشرق، نكتب إليك أيها الملك الذى اسمه فى لغتنا الجبان، ألا فانظر لقد تركنا رسولك يذهب بسلام لا خوفا منك، بل افتخارا وتعظيما لسيدنا فرعون الذى يحكمنا بمجد عظيم، لقد تركنا الرسول وشأنه، ولم نذبحه، ولكن إذا أثرتم سخطنا فسوف تعلمون ما نحن فاعلون، فبحق قوة فرعون ومجد مصر سنوردك موارد التهلكة وسنلقى بأتباعك الظالمين خارجا»..
ورغم أن الإسكندر الأكبر حاول أن يربط نفسه بالمصريين من خلال إدعاء انتسابه إلى الآلهة أمون وإدعاء أنه ابن له، فإن المصريين لم يرضخوا لحكم خلفائه من البطالمة.
وقد ظهرت نذر المقاومة الشعبية فى عصر بطليموس الأول فى أشكال من المقاومة السلبية، ولكن المقاومة الصريحة بدأت فى عصر بطليموس الثانى فيلادلفيوس، حيث تذكر الوثائق البردية الكثير عن القلاقل والاضطرابات التى أثارها الفلاحون.
وشهد عصر بطليموس الثالث يورجيتس أول ثورة قومية شاملة ضد حكم البطالمة شملت البلاد من أقصاها إلى أقصاها، وكان الملك خارج البلاد يحارب السلوقيين فعاد بجيشه ليقمع الثورة الشعبية.
وفى عامى 207 و206 قبل الميلاد تجددت الثورة مرة أخرى، حيث بدأت من الدلتا ثم امتدت إلى مصر العليا، وتتحدث البرديات عن أن الثوار حطموا ممتلكات الأجانب ومنازل المصريين المتعاونين مع البطالمة، وفى ظل هذه الثورة نجح بعض ملوك النوبة والتى كانت المعقل الأخير للدفاع عن مصر فى تحرير طيبة من حكم البطالمة، وأثناء هذه الثورة ظهرت نبؤة صانع الفخار التى تتحدث عن أن مصريا وطنيا سوف يحكم البلاد ويحررها من مغتصبيها الأجانب ويعيد العاصمة إلى منف كما كانت أيام الفراعنة الأقدمين.
وتظل حركات المقاومة الشعبية حتى قبيل انهيار دولة البطالمة بسنوات قليلة ففى ثمانينيات القرن الأول قبل الميلاد اشتعلت الثورة مرة أخرى فى جنوب الوادى وكان لكهنة آمون دور كبير فى هذه الثورة الجامحة. والتقى الثوار بالجيش الملكى، الشعب بأسلحة صغيرة أمام جيش منظم يحمل أفراده سلاحا قويا، ومع ذلك استمرت المعارك ثلاثة أعوام كاملة ولم تنته إلا بعد أن دمر الملك طيبة، معقل الثورة، تدميرا كاملا، وكما يقول جمال حمدان فى كتابه شخصية مصر:
«لم يحدث أن دخل مصر غاز أجنبى أو أقام بها كنزهة عسكرية هينة بلا ثمن باهظ من الدماء والخسائر الفادحة والانكسارات المحققة، المقاومة الوطنية المستبسلة والمصرة، هى مثلا التى طردت أول غزاة لمصر على البر وهم الرعاة وأول غزاة على الماء وهم شعوب البحر.
تبرز ظاهرة نضالية معينة تتكرر تحت كل استعمار بإلحاح كأنها اللحن المميز، صراع دموى قاس رهيب وواسع النطاق للغاية ما بين المصريين والمحتل الأجنبى يتخذ شكل ثورتين أو ثلاث على الأقل فى كل حالة، أو سلسلة من التمردات العسكرية وحركات العصيان، كثيرا ما يضطر معها الإمبراطور المستعمر إلى القدوم بنفسه لإخمادها، دون جدوى غالبا».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.