وسط حالة القحط التليفزيونى، وهيمنة حالة نفسية جماعية على مذيعى (التوك شو) تتراوح مظاهرها بين إدعاء البطولة، والاستعراضية الجنونية والزهو بالجهالة، والتخديم على أجندات دول أو رجال أعمال، أو التمرغ تحت أقدام السلطة، والمحاولات الدءوبة التى لا تمل الاقتراب من رموزها ونجومها وجدت نفسى فجأة وجهاً لوجه مع حالة إنسانية حقيقية أشاعها شكل تليفزيونى كان ظهوره وسط ذلك الغثاء شيئا يبعث على الدهشة، هو تجلٍ للحرفية والطبيعية حين تضفرتا فى برنامج للفنانة إسعاد يونس على قناة (C.B.C) اسمه:«صاحبة السعادة». ولقد تابعت عددا كبيرا من حلقات هذا البرنامج ولفتنى التنوع الكبير فى موضوعاته، والقدرة البديعة لمقدمته على الحديث إلى الناس من كل المشارب دون اصطناعية أو إفتعال، وبكل طبيعية واسترسال. على الرغم من أن اسم البرنامج يشير إلى منحه لمحة من (السعادة) لجموع من البسطاء والعارقين والعاملين فى هذا البلد يستضيفهم فى جلسات ملئوها البساطة وعمادها خلاق شعبى يخاصم المنظرة والزيف والاستعلاء، فإن صاحبته «أسعدتنى» شخصياً، حين وجدت نفسى لأول مرة ومنذ زمن طويل جداً- أعيش حالة صداقة حميمة مع التليفزيون، وأنتظر- بشغف- موعد بث ذلك البرنامج بالذات، بعد هلكنا المذيعون الذين تلبسهم وهم الزعامة السياسية والمذيعات شبيهات «أبلوات المواد الاجتماعية» المتصورات أنهن يعلمن الجمهور فيما يحتجن ليس إلى التعليم ولكن إلى محو أميتهن فى الأصل والأساس. عشرات من البوسطجية وعمال النظافة وعمال المحلات وطباخى المطاعم الشعبية رأيناهم مع إسعاد يقتسمون همومهم البسيطة ويحتفلون بانتصاراتهم البسيطة، ويشعرون بالأهمية أمام مقدمة البرنامج التى تعرف كيف «تلاغى» طوب الأرض، وتفعل ذلك بلياقة اجتماعية وظرف وطيبة وتلقائية بالغين. وربما فى تاريخ مراقبتى التليفزيون لم أصادف هذه النوعية من البرامج إلا من سامية الأتربى رحمها الله- فى حكاوى القهاوى. أحيى إسعاد يونس وأشكرها لأنها أعادتنا إلى عصر البنى آدمين بعد أن طالت غربتنا وعزلتنا فى عصر الزعماء السياسيين وأبلوات المواد الإجتماعية. لمزيد من مقالات د. عمرو عبد السميع