عفوا نحن لا نبتعد كثيرا عن اقبالنا على الحياة واحتضاننا لمن فيها وما فيها أيضا. نعم، قد يحاصرنا الواقع أحيانا أو هكذا نرى أنفسنا فنبحث عن مخرج يحررنا من اليأس أو الاستسلام له. وبالتأكيد ينادينا الأمل دائما فنلتفت اليه ونسرع من خطواتنا لنلحق به قبل فوات الأوان وضياع الفرصة.وبما أننا على بعد أيام من سنة جديدة ، فاننا نحلم كعاداتنا بجديد يفاجئنا و يأخذنا الى ضفاف لم نعرفها من قبل، وان كانت كثيرا ما داعبت خيالنا. وبالطبع نحن نسعى لاكتشاف ما يعطي ومن يعطي لنا معان أكثر لوجودنا .. ونحن نريد أن نتحدث عن هذه المعاني والكلمات بوضوح وصراحة ..وأكيد بجرأة. ولهذا لم يكن غريبا أن أقف متأملا منذ أيام أمام وصف انسان حكيم بالقول عنه: ان قاموسه الشخصي الخاص به وبحياته غني للغاية بالكلمات وبمعاني الكلمات.. ثم الاشارة اليه أيضا بأنه أضاف بمواقفه وأعماله معانى جديدة لكلمات اعتدنا استعمالها ومع هذا لم نلتفت أو لم نتبين أن لهذه الكلمات معانى أخرى وآفاق أبعد مما كنا نظن أو نتصور.. ولا شك أن التعليم كان ولا يزال من أهم الكلمات ومن أهم المعاني التي تحتاج الى مواقف شجاعة وأعمال جريئة. فالتعليم هو البداية والطريق والوسيلة والهدف في تجاوز الحاضر وتخطيه الى غد أفضل. وكان التعليم وخاصة «تعليم الفتيات» هو القضية المثارة والمحتفى بها بجائزة نوبل للسلام هذا العام 2014. وهي الجائزة التى قدمت مناصفة لكل من الناشط الهندي كايلاش ساتيارثي والشابة الباكستانية مالالا يوسفزاي. مالالا التلميدة الباكستانية البالغة من العمر 17 عاما وأصغر من تحصل علي الجائزة قالت في خطاب تسلمها الجائزة: « الأخوات العزيزات والأخوة الأعزاء قد يفهم ما يسمى بعالم الكبار ما يحدث حولنا ولكن نحن الأطفال لا نفهم. لماذا تلك الدول التي نصفها بأنها قوية لها القدرة الكبيرة في ايجاد الحروب الا أنها ضعيفة جدا في جلب السلام؟ لماذا امداد الأسلحة أمر سهل جدا في حين أن اعطاء الكتب صعب جدا؟ لماذا هكذا.. لماذا من اليسر صنع الدبابات ولكن من العسر بناء المدارس؟» ثم أكملت:» نحن نعيش في الزمن الحديث ونحن نعتقد بأن لا شئ يعد مستحيلا. نحن وصلنا الى القمر منذ 45 عاما وربما قريبا نهبط على المريخ. اذن في هذا القرن ال21 يجب أن يكون في امكاننا أن نعطي كل طفل تعليما ذا مستوى .. وعلينا أن نعمل لا أن ننتظر. وليس فقط على رجال السياسة وقادة العالم أن يفعلوا ذلك بل علينا جميعا أن نساهم. أنا وأنت ونحن. انه واجبنا». مالالا كانت حريصة في كلمتها على توجيه الشكر للكثيرين وخصت بالذكر والدها ووالدتها قائلة: «أود أن أشكرهما لحبهما غير المشروط لي. شكرا لأبي لعدم قيامه بقص جناحى والسماح لي بالطيران. وشكرا لأمي لالهامي بأن أكون صبورة وأن أقول الحق دائما. الحق الذي نحن نؤمن بشدة بأنه الرسالة الحقيقية للاسلام . كما أنني أشكر كل أساتذتي العظماء الذين ألهموني بأن أثق في نفسي وأن أكون شجاعة». مالالا بدأت خطابها ب»باسم الله الرحمن الرحيم» وأشارت في خطابها الى كلمة «اقرأ» في القرأن الكريم وأيضا الى «نون والقلم». الفتاة التى كادت ان تقتل والتي تناضل عالميا الأن من أجل حق البنات في التعليم وجهت التحية في كلمتها الى خمس فتيات حضرن الاحتفال معها في أوسلو وهذه الفتيات كن من باكستان ونيجيريا وسوريا. مالالا ذكرت اسم كل واحدة منهن وحكايتها مع التعليم مشيرة انها تقف أمام الحضور والعالم ممثلة لكل واحدة منهن.. وانها تمثل أيضا 66 مليونا من الفتيات في العالم اللائي لم تتاح لهن الفرصة في التعليم أو لم تسمح لهن بالذهاب الى المدارس. كلمة مالالا لدى تسلمها نوبل كأى خطاب عام لها جديرة بالاهتمام والمناقشة والترجمة الكاملة.. ليس فقط لمتابعة ما تقوله بل للاستفادة من تجاربها وتجارب الآخرين عالميا في الاهتمام بتعليم الفتيات. وطالما تطرقنا للموقف والشجاعة وعدم السكوت وأيضا عدم الاستسلام للواقع تأتي في البال مايا انجيلو الشاعرة الأمريكية التي ودعناها في مايو من العام المنصرم. تلك الشاعرة السوداء التي عشقت القاهرة وعاشت فيها أيام عبد الناصر.وقد «صقلتها تجارب الحياة العديدة» لتقول عن الجرأة والصراحة والانسانية والمرأة الكثير من الكلمات والمعاني التي بقيت وستبقى معنا: «الجرأة هي الأهم من كل القيم الانسانية لأن بدون الجرأة لا تستطيع أن تعمل بأي قيمة أخرى باستمرار» و» النجاح هو أن تحب نفسك وتحب ما تفعله وتحب الطريقة التي تعمل بها» و» أنا لا أثق في أى شخص لا يضحك» و»لقد تعلمت أن الناس سوف ينسون ما قلته والناس سوف ينسون ما فعلته الا أن الناس سوف لا ينسون أبدا كيف جعلتهم يشعرون» وقالت أيضا: «عندما تتعلم علم وعندما تحصل اعط». هكذا كانت مايا انجيلو في حياتها وعطائها بلا تردد ولا حدود. وهذه الحكمة الأخيرة في العطاء الانساني في أن تعلم عندما تتعلم وأن تعطي عندما تحصل ،ذكرتها مؤخرا المخرجة السينمائية آفا دوفارناى مخرجة فيلم «Selma» الذي يعرض قريبا. و»Selma» بولاية ألاباما شهدت المسيرة السلمية للأمريكان السود المطالبين بحق التصويت وحق المشاركة السياسية. المسيرة كانت في مارس 1965 وقادها مارتن لوثر كينج وما حدث خلالها وبعدها من اقرار بحق التصويت صارت فصلا هاما في تاريخ السود وكفاحهم من أجل الحرية والمساواة. وهذا الفيلم الذي يتعرض لهذا التاريخ شاركت فيه بالتمثيل الاعلامية الشهيرة اوبرا وينفري. وأول يوم تصوير لها كان يوم 28 مايو 2014، في هذا اليوم تحديدا وصل نبأ وفاة مايا انجيلو وهي في ال86 من عمرها. والكل كان يعرف «الصداقة الحميمة «التي جمعت بين أوبرا ومايا. فسألت المخرجة آفا الاعلامية أوبرا ان كانت تريد أن تغير موعد التصوير فقالت أوبرا: «لا .. بل أنا أريد أن أبدأ التصوير من أجلها هي». أوبرا كانت تعتبر مايا انجيلو أستاذتها وأختها وأمها منذ أن كانت أوبرا في العشرينات من عمرها وترى دائما «أن أفضالها كتيرة عليها» وأن مايا هي التي علمتها وكررت القول بأن «عندما تتعلم علم وعندما تحصل اعط». أديبة أخرى تعشقها أوبرا وينفري قدمتها للملايين من مشاهديها في التليفزيون فكانت النتيجة بيع الملايين من رواياتها. انها الكاتبة الأمريكية السوداء توني موريسون (83 سنة) الحاصلة على جائزة نوبل للآداب عام 1993 . ومن المنتظر أن تصدر رواية جديدة لها في نهاية شهر أبريل 2015. والرواية اسمها «يا رب ساعد الطفلة» وهي الرواية رقم 11 في كتاباتها وذكر أن عدد صفحات الرواية لا يزيد عن 192 صفحة. ولا شك أن في مواجهة الواقع واليأس تأتي الأحلام لتنقذنا وتعطينا الأمل في غد أفضل.. أو أجمل على الأقل. ............ انها لحظات تأمل ومكاشفة وربما محاسبة أيضا في نهاية العام. وبالتأكيد أمامنا مواقف قد تدفعنا لكى نقف أمام المرآة ونرى وجوهنا دون خجل. وأن نقف أمام»مفترق للطرق» ونختار في أى اتجاه يجب أن تتجه أنظارنا وتسير أقدامنا دون كلل أو ملل. فنحن نعيش أحلامنا وأيضا نحن نعيش بأحلامنا وذاكرتنا وكلماتنا ومواقفنا وصرخاتنا و»عدم سكوتنا».. وآسفين للازعاج!!