بدأت مصر تنفيذ خطة تحركات استراتيجية على ارض الواقع تهدف الى حشد تأييد دولى لصالحها لشغل عضوية مقعد غير دائم فى مجلس الأمن عن الفترة من 2016 - 2017، والتى تعدو إحدى أدوات السياسة الخارجية لها الفترة المقبلة. إذ تجرى الانتخابات على ترشيح أعضاء غير دائمين لمجلس الأمن كل عامين، وينتظر أن يجرى انتخاب ال 5 المقبلين ليشغل من يفوز بفترتى العامين، ويتطلب الفوز بعضوية «مجلس الأمن» حصول الدولة المرشحة على 129 صوتًا على الأقل، وهو ما يمثل ثلثى عدد الأصوات فى الجمعية العامة البالغ عدد أعضائها 193 عضوًا. وتهدف الإستراتيجية التى تم وضعها لكسب المقعد بأغلبية ساحقة، نظرا لما تتمتع به مصر من علاقات طيبة مع أشقائها فى القارة السمراء أو الدول العربية وسائر دول العالم. ومن هذا المنطلق وبعد إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسى رسميا فى سبتمبر المنصرم، بدأت الخارجية المصرية على الفور بتوزيع كتيب تم إعداده لهذا الشأن يتضمن الأنشطة والفعاليات الإقليمية والدولية التى تتعاون فيها مصر مع الأممالمتحدة وأجهزتها المختلفة فى أنحاء العالم لحفظ السلم والأمن الدوليين بما يؤهلها للفوز بهذا الترشح. حيث يبرز الكتيب مساهمة مصر، كعضو مؤسس للأمم المتحدة، وجهودها فى حفظ السلم والأمن الدوليين على مدار العقود الماضية، فضلا عن التزامها بتعزيز العمل الدولى المشترك فى إطار الأممالمتحدة بغية تحقيق الأمن الجماعى ودعم الأهداف المتضمنة فى مقاصد ومبادئ ميثاق المنظمة. وتبرز الخارجية فى الكتيب الأنشطة التى قامت بها وتحديد سياستها فى مجالى السلم والأمن الدوليين، وأهم القضايا التى كان لمصر دور فيها على صعيد القضايا الإقليمية والدولية خصوصا القضية الفلسطينية والأزمة السورية والليبية، ومجال مكافحة الإرهاب. ولن تقتصر الحملة الترويجية التى تقوم بها عند هذا الحد بل ستمتد إلى المواقف الإقليمية والدولية المصرية فى مجالى السلم والأمن الدوليين، مع التركيز على الجهود التنموية التى تدعو إليها القاهرة دائمًا من خلال عملها فى الأممالمتحدة والاتحاد الإفريقى وجامعة الدول العربية. كما تستند مصر خلال الانتخابات القادمة الى مواقفها السابقة فى العديد من القضايا لاسيما والمتعلقة بالقارة الإفريقية، حيث ستسعى خلال القمة الإفريقية المقبلة والمزمع عقدها فى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا الى كسب التأييد الأفريقى أولاً كونها الذى ستتقدم من خلاله لشغل المنصب عن مقعد شمال إفريقيا. وجدير بالذكر أن هذا المقعد يتم التناوب عليه مرة واحدة كل عامين ما بين القارة الأفريقية والقارة الآسيوية حيث تقسيمهم لخمس مناطق جغرافية هى شمال وجنوب وشرق وغرب ووسط، ووفقا للأعراف الأفريقية المتبعة فى هذا الشأن فلن تكون هناك دولة منافسة لمصر، حيث ستكون مرشح إقليم الشمال، وبالتالى ضمانة الحصول عليه مؤكدة، لكن التحدى هو فى العدد النهائى الذى سيوافق، ويأتى ذلك من خلال الحملة الدعائية والزيارات الرسمية التى ستقوم بها مصر من أجل الترويج لمواقفها ازاء كافة القضايا المطروحة على طاولة مجلس الأمن. يذكر أن الانتخابات التى جرت فى شهر أكتوبر الماضى قد جرى التصويت فيها على الدول المرشحة لشغل المنصب للعام القادم وقد فازت فيه دولة « أنجولا» باكتساح بواقع 190 صوتًا، وبعد هذا الفوز كمرشح وحيد عن المجموعة الإفريقية، فى الدورة الحالية 2014، لذا فحشد الأصوات يجب الا يقل عن الرقم سالف الذكر لدولة أنجولا. وبالرغم من الثقة التى تحظى بها مصر وبقدرة جهازها الدبلوماسية على العمل من أجل الصالح العام الإفريقى والإقليمى والدولى الا انه من المنتظر خلال الفترة القادمة أن تتوسع التحركات الدبلوماسية لوزير الخارجية ومساعديه فى جميع دول العالم من اجل إقناع تلك الدول بضرورة التأييد، وذلك من خلال طرح حلول لأكثر الملفات تعقيدا على المجتمع الدولى كقضية الإحتباس الحرارى والتغيير المناخى وإخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل والتنمية المستدامة وحفظ السلم والأمن الدوليين، فضلا عن قضايا كثيرة مطروحة على طاولة الدول ال 15 الأعضاء فى المجلس. ويشارك فى الحملة الدبلوماسية المكثفة كل دوائر السياسة الخارجية المصرية على المستويات الإفريقية والآسيوية والأوروبية والعربية، حيث استضاف مساعدو وزير الخارجية سفراء المجموعة الافريقية والآسيوية والأوروبية واللاتينية بديوان الوزارة وذلك فى إطار سلسلة الاجتماعات التى تعقدها مع سفراء المجموعات الجغرافية المختلفة لحشد الدعم لترشح مصر للعضوية، ليعقب ذلك تحديد خطة لزيارات واتصالات وزير الخارجية المصرى للخارج للترويج للترشح، فضلا عن الخطط الموضوعة للسفارات والقنصليات المصرية فى الخارج لنفس السبب. حيث من المنتظر أن يلتقوا سفراء مصر فى الخارج مع المسئولين فى دول الاعتماد لحشد الأصوات وعمل تكتلات إقليمية وجغرافية فى هذا المجال لتحديد الأولويات المطلوبة من مصر فيها، مع التركيز على القضايا الإفريقية مثل إدارة وتسوية النزاعات وإعادة الأعمار والتنمية بما يحول دون انزلاق الدول الخارجة من النزاعات إليها مجددًا فضلا عن تعزيز مساهمة ومشاركة مصر فى بعثات حفظ وبناء السلام فى إفريقيا. ويرى عدد من الدبلوماسيين المصريين والمتخصصين فى هذا المجال أن مصر تسعى الآن لبلورة سياسة خارجية جديدة لها تبنى على أسس من المصالح المشتركة، فتنوع الزيارات للسيد الرئيس ووزير الخارجية تعكس أهدافا استراتيجية مهمة خلال المرحلة المقبلة، وهى زيادة عدد الحلفاء والشركاء الدوليين، بما يحقق مصالح الطرفين، بالإضافة - قطعا - لنيل التأييد للترشح فى مجلس الأمن. وذلك لأبعاد يراها الدبلوماسيون إنجازا حقيقيا لمصر بعد ثورة الثلاثين من يونيو، يمكّنها من استعادة دورها أولا فى القارة الإفريقية التى غابت عنها لعقود، ولتحقيق المصالح الإقليمية والدولية بما يحفظ الأمن القومى المصرى بدرجة كبيرة فى ظل التهديدات الخارجية التى أضحت تلاحق أغلب دول العالم. فضلا عن القضية الملحة دائماً بالنسبة للقارة السمراء، وهو إصلاح وتوسيع مجلس الأمن، حيث يشمل مقعدا أو أكثر ممثلين عن القارة الأفريقية، ولكى يتم إقرار مشروع الإصلاح يفترض أن يحظى بموافقة ثلثى الجمعية العامة للأمم المتحدة، فضلا عن دعم الكتلة الإفريقية لتمرير النص، لكن الأمر سيستدعى فى النهاية تغيير ميثاق الأممالمتحدة وهنا يمكن للأعضاء الدائمين استخدام حق النقض لوقف القرار، علمًا بأن الولاياتالمتحدة تعارض بشدة هذا المشروع وغيره من المشروعات الإصلاحية الأخرى المقدمة للمجلس. ولمصر تجربة دبلوماسية عريقة تؤهلها لشغل هذا المنصب انطلاقا من كونها احدى الدول المؤسسة للأمم المتحدة فضلا عن مكانتها الإقليمية ودورها المحوري، كما أنها حظيت بالعضوية غير الدائمة عدة مرات من قبل متفوقة بذلك على غيرها من دول العالم الثالث، وكان آخر مرة تحظى البلاد بها بالعضوية وفقا للتقسيم الجغرافى وإعمالا بالأعراف سالفة الذكر، فتكون مصر قد تم انتخابها منذ ما يقرب من عشرين عاما، حيث شغلت المنصب لأربع دورات هما 1949 1950، 1961 1962، 1984 1985، 1996 1997 وجاء انطلاقا من مساهمتها فى إثراء عمل الأممالمتحدة ومجلس الأمن منذ عام 1945. وتحظى مصر حتى الآن بتأييد عربى واضح، بالإضافة لبعض الدول التى أعلنت تأييدها لمصر انطلاقا من مواقفها التاريخية تجاه قضايا إقليمها وقراراتها أولا أو من خلال مواقفها المسجلة فى المحافل الدولية، وهو ما يبرزه الكتيب الذى تم وضعه بعناية وحرفية فائقة ويتم توزيعه باللغتين الإنجليزية والفرنسية، حيث يتضمن انجازا مختصرا لدور مصر كشريك فى السلام الإقليمى والعالمي وكفاعل دولى فى مجال السلام، وكعضو مؤسس فى العديد من المنظمات الدولية مثل جامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الإفريقية ومنظمة المؤتمر الإسلامى وحركة عدم الانحياز، حيث حرصت مصر على الانخراط فى العديد من المساعى الإقليمية والدولية الهادفة إلى معالجة الأسباب الجذرية للصراعات وجلب الاستقرار فى دائرتها الإقليمية والدولية. كما يبرز الكتيب الالتزام المصرى فى بناء السلام والاستقرار من خلال دعمها لنشاط الأممالمتحدة فى عمليات حفظ السلام وذلك منذ إنشاء أول بعثة مساهمة فى عام 1948. وكانت المساهمة الأولى لمصر فى بعثات حفظ السلام فى عام 1960 فى الكونغو ومنذ ذلك الحين، ساهمت مصر فى 37 بعثة من بعثات الأممالمتحدة تضم أكثر من 30000 من قوات حفظ السلام المصرية، وتتواجد فى 24 بلدا فى افريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، حيث تعد مصر مساهما رئيسيا بالقوات فى عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، ويذكر فى الكتيب أنه بالإضافة إلى ما سبق، فتدعم مصر أنشطة بناء السلام التى تضطلع بها الأممالمتحدة فى حالات الصراع بعد من خلال بعثات حفظ السلام، والبعثات السياسية الخاصة بالبعثات وبعثات بناء السلام. كما دعمت مصر هيكل بناء السلام فى الأممالمتحدة منذ اعتماد قرار الجمعية العامة 60/180 وإنشاء لجنة بناء السلام فى عام 2005 . وإنطلاقاً من عضويتها للجنة بناء السلام لثلاث دورات من بينها عاما 2013-2014، فإن مصر لا تزال مقتنعة مصر أن السلام والأمن يرتبطان بشكل لا لبس فيه بالتنمية و إعادة بناء القدرات الوطنية فى البلدان الخارجة من الصراع. وفى هذا الصدد، فقد حرصت مصر دوماً على دعم شراكات التنمية فى افريقيا. ولذلك، قدمت مصر فى عام 2011 مبادرة للاتحاد الأفريقى لإنشاء المركز الإفريقى لإعادة الإعمار والتنمية ما بعد النزاعات، كما تعلق أهمية كبيرة للنهوض بعملية بناء السلام فى كل من الأممالمتحدة و الاتحاد الأفريقي. علاوة على ذلك، تدعم مصر تنفيذ مبادرة التضامن الأفريقى (ASI) كآداة لتعزيز القدرات التنموية الإفريقية ما بعد النزاعات. كما أشار الكتيب لمصر كشريك للتنمية والاستقرا وذلك انطلاقا من وعيها بإمكانياتها ودورها نحو القارة السمراء لذا فأنشأت مصر فى يوليو 2014 الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية بهدف تقديم المساعدة الفنية للدول الإفريقية والإسلامية لتحقيق التنمية المستدامة من خلال بنى تحتية أفضل، وبناء القدرات، والمشروعات التنموية، وتعزيز التعاون المباشر بين الدول النامية والمتقدمة من خلال تعاون ثلاثي. وكونها لاعبا محوريا من أجل الأمن الدولى والإقليمى و أحد الدعاة لتحقيق السلام الدائم تحت مظلة الأممالمتحدة، بذلت مصر جهوداً مضنية لتعزيز مشاركة المنظمة فى منع النزاعات والوساطة، وسوف تستمر فى المساهمة فى تعزيز هذا الدور وكذلك العمل على تمرير تجارب الأممالمتحدة والمنظمات الإقليمية ذات الصلة بما فى ذلك الاتحاد الأفريقى وجامعة الدول العربية فى هذا المجال بموجب الفصل الثامن من الميثاق. وقد لعبت مصر دورا رئيسيا فى صياغة القائمة الآلية العالمية الحالية نزع السلاح ونظام منع الانتشار، كما ساهمت بشكل كبير فى إيجاد الطرق التى يتم من خلالها إدارة هذه القضايا من قبل الأممالمتحدة والهيئات الفرعية ذات الصلة. وهناك قائمة طويلة من المبادرات الهادفة لتعزيز الأمن الإقليمى والدولى تقف شاهدة على هذا الموقف المصرى الفعال، لا سيما فيما يتعلق بتشجيع إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية فى الشرق الأوسط. كما كانت مصر من بين أول الدول الداعية لوضع قضية مكافحة الإرهاب على جدول أعمال الأممالمتحدة بوصفها ظاهرة عالمية تهدد السلم والأمن الدوليين. وبالتالي، فقد اضطلعت مصر بشكل فعال فى تعزيز دور الأممالمتحدة فى مواجهة ظاهرة الإرهاب والقضاء عليها، بما فى ذلك تنفيذ إستراتيجية الأممالمتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب كما تتمتع مصر بعضوية جميع الوكالات المتخصصة وجميع الهيئات الأخرى ذات الصلة داخل منظومة الأممالمتحدة وفى الوقت ذاته، تستضيف العديد من المكاتب الإقليمية التابعة للأمم المتحدة بما فى ذلك مكتب تنسيق الشئون الإنسانية UNOCHA، والمفوضية العليا لشئون اللاجئين UNHCR، وبرنامج الأممالمتحدة الإنمائى UNDP، وبرنامج الغذاء العالمى WFP، ومكتب الأممالمتحدة المعنى بالمخدرات والجريمة UNDOC، ومنظمة الصحة العالمية WHO، وصندوق الأممالمتحدة للسكان UNFPA، ومنظمة الأممالمتحدة للتربية والتعليم والثقافة UNESCO. وبناء على التزامها على المدى الطويل بتحقيق السلام و الأمن العالمى ، وبالنظر إلى إسهاماتها الهامة فى قضية الاستقرار الإقليمى و الازدهار فى أفريقيا و الشرق الأوسط، تسعى مصر إلى الاضطلاع بتحقيق هذه الأهداف من خلال العضوية غير الدائمة فى مجلس الأمن للفترة 2016-2017. بالتعاون مع الدول الأعضاء ، تلتزم مصر بتحقيق المبادئ المنصوص عليها فى الميثاق نحو مستقبل أفضل بناءً على المثل العليا للسلام، العدالة الأمن.