كنا قد تعرضنا فى حلقة سابقة للحديث عن أولئك الذين استولوا على أراضى الدولة تحت عنوان «مافيا الأراضي» تبحث عن حصانة فى الدقهلية عبر برلمانيين سابقين تخصصوا فى تجفيف وبيع الأراضى بها،و لصوص فى دمياط حولوا أراضيها إلى مقابر استثمارية، واعتداء فى الوادى الجديد يبدأ بحفر بئر ثم تنطلق بعدها رحلة التسقيع والبيع لينتهى المطاف بنا فى مطروح، حيث تتم سرقة أراضى الألغام بعد تطهيرها، واليوم نستكمل مابدأناه فى ذلك الملف الذى لن نتوقف عن النشر فيه إلا عندما تسترد الدولة كل أملاكها وأراضيها، كما أن مافيا الأراضى لم تتورع عن منازعة الأموات مرقدهم، حيث استولوا على أراض تم تخصيصها لإقامة جبانات فى محافظة أسيوط تحت سطوة النفوذ، واعتدوا على جبانات دشلوط ولم يكن بعيدا عنهم من اعتدى على 10 آلاف فدان على طريق ديروط الفرافرة الجديد. فى الوقت الذى تسعى فيه الدولة لاستعادة هيبتها وفرض سيطرتها، نجد أن هناك حزمة من البشر أعماهم الطمع، متلفحين ببعض ثغرات القانون أحيانا، وأحيانا أخرى معتمدين على عصبيتهم ونفوذهم، ومن صور التعديات الفجة هو قيام أصحاب النفوذ بالاعتداء ليس على أراضى أملاك الدولة فحسب، وإنما الاعتداء على أراض تم تخصيصها لإقامة جبانات تستر الموتى بعدما ضاقت الجبانات القديمة بموتاها وزحفت المياه الجوفية عليها ، فقد وصلت جملة تعدياتهم لنحو 10 آلاف فدان، والآن يشمرون عن سواعدهم لاحتلال طريق ديروط الفرافرة الجديد. ففى قرية دشلوط وتوابعها بأسيوط والتى تعد من أفقر قرى أسيوط، كما قال عبدالفتاح همام "محام"، سعى مجموعة من شباب القرية طارقين أبواب المسئولين بعدما ضاقت مدافنهم بالموتي، ولم تعد تتحمل موتى جددا، وبعد جهود مضنية توجت مجهوداتهم وكللت بالنجاح، حيث جاء قرار مجلس شعبى دشلوط بالإجماع فى 5/3/2000 بحاجة القرية لمساحة جديدة لإقامة الجبانة، وتم تخصيص مساحة 250 فدانا لجبانة المسلمين، و150 فدانا جبانة للمسيحيين وقد تسلموها بالفعل، أما بالنسبة لجبانة المسلمين فتوقف الأمر، واستمرت الاعتداءات على أرض الجبانة حتى جاء قرار محافظ أسيوط رقم 1064 فى 28/7/2011 بالموافقة على تخصيص قطعة أرض قوامها 350 فدانا اعتمادا على قرار مجلس شعبى دشلوط السابق، على أن تكون امتدادا صحراويا للجبانة القديمة، استعدادا لتقسيمها على المواطنين للشروع فى بناء جباناتهم حتى استيقظوا على صدمة مدوية، عندما قام أحد أعضاء الحزب الوطنى المنحل بفرض سيطرته على الأرض رغم أنه وأسرته سبق لهم فرض سيطرتهم من قبل على مساحات شاسعة بالظهير الصحراوى بدشلوط دون وجه حق، حتى الأرض التى من المفترض أن يتم توزيعها على 100 شاب من شباب الخريجين لم تسلم هى الأخرى ، وأصبح شباب الخريجين مطاردين من قبل العدالة لعدم تمكنهم من دفع أقساط الأرض بعد الاستيلاء عليها، وهنا شمر أهالى دشلوط عن سواعدهم وبدأوا فى طرق أبواب المسئولين مرة أخرى لإنقاذ أرض الجبانة، ولكن أحدا لم يسمع لهم هذه المرة ، واكتفى مجلس القرية بتحرير محاضر على الورق فقط، حتى جاءت ثورة يناير، وهنا تجمع أهالى دشلوط ونظموا وقفة كبيرة وقاموا بقطع الطريق الصحراوى الغربى لمدة ثلاثة أيام وإغلاق المصالح الحكومية، وانتهت الأزمة بإصدار أوامر لشن حملة إزالات ضخمة قامت فيها القوات بتحرير الأرض، وعادت أرض الجبانة مرة أخرى للأهالى ولكن الأمر لم يدم طويلا، فبعدما تحركت القوات بساعة بنيت الدشم من جديد وعاود صاحب النفوذ من جديد سيطرته على الجبانة. ويضيف، محمود عثمان "أحد الأهالي"، ولكن الأمر اتخذ منحى آخر، حيث قام المغتصبون لأرض الجبانة ببناء سور الجدار العازل حول الأرض، ونثر بعض الزراعات كى يحول الموضوع لأمر واقع، وذلك خوفا من زحف الأموات الغلابة الراقدين تحت تراب القبور على أرض الجبانة، أو لربما بدا لهم اتضاح خطورة الأموات ومنافستهم لهم فى الاستيلاء على أرض الجبل "السايبة" فسارعوا ببناء الجدار العازل! ويضيف أحمد زكريا "موظف"، بدأت تحدث مشكلات جمة بين الأهالى والمعتدين على أرض الجبانة، وعندما حاول أحد الأهالى بناء جبانة على مساحة 9 أمتار، حدثت مشاجرة ضخمة انتهت بمقتل شخصين ووقوع عدة أشخاص مطلوبين فى الثأر، وهى سابقة لم تحدث فى القرية من قبل، ولم تتوقف جهود الأهالى حتى صدر قرار الإدارة الصحية الذى حمل رقم 985 بتاريخ 4/3/2012 بالحاجة الملحة لأرض الجبانة. ويصرح همام، وفوجئنا منذ أيام بورقة قام بصياغتها أحد نواب الوطنى المنحل تعطى صراحة الحق للعائلة المعتدية فى الاستحواذ والسيطرة على 17 كيلو مترا غرب الطريق الغربى القاهرةأسوان "ديروط الفرافرة الجديد" رغم أن هناك نحو 10 آلاف من الأراضى الصحراوية المغتصبة فى حوزتهم، وحاول عضو الوطنى السابق إقناع العائلات بالتوقيع عليها كموافقة ضمنية منهم للتعدى على أرض الفرافرة على أن يكون باقى طريق الفرافرة لأهل البلد فأين الدولة؟! ولو تحركنا عدة كيلو مترات فسنجد حسب قول أحد أهالى قرية باويط المصنفة وفقا لتقرير التنمية البشرية فى 2010 أنها أفقر قرية فى الجمهورية بنسبة فقر تعدت 77.7% صراعا بين عائلتين بالقرية للاستحواذ على كل الظهير الصحراوى وبيعه وهو ما أوقع نحو 12 قتيلا من العائلتين والأهالى غير الإصابات، وهناك مناوشات شبه يومية بين العائلتين، مما دفع شباب القرية لهجرتها بحثا عن لقمة العيش فى مكان آمن. والحال لا يختلف كثيرا فى مدينة القوصية حيث قام أحد الأهالى بالاستيلاء على مساحة 217 فدانا كانت مخصصة لإقامة مدفن صحى "جبانة" لموتى المسلمين بحسب قول أحمد حسين "موظف"، مضيفا أنه تم الحصول على نحو 15 موافقة ومنها قرار التخصيص رقم 409 لسنة 2006 الصادر من المجلس الشعبى للمحافظة، وكذلك موافقة الصحة والزراعة وهيئة الآثار والمجلس التنفيذى للمحافظة والدفاع المدني، وبقيت موافقة واحدة خاصة بالقوات المسلحة، وتم إنفاق نحو 50 ألف جنيه لتمهيد طريق الجبانة بطول 1500 متر. وأوضح حسين أن التفكير فى تخصيص أرض الجبانة كانت نتيجة طبيعة بعدما ضاقت مقابر المسلمين فى مدينة القوصية بالموتي، كذلك لاحظنا فى فى أثناء دفن الموتى أن كثيرا من المقابر عبارة عن لجة من الماء، حتى قال بعض المواطنين "دى جتت والدينا زرّعت من الميه اللى تحتها، فين الحكومة والمجلس يشوفولهم حل". وبعد رحلة من البحث فى صحراء المدينة وجدنا ضالتنا فى قطعة أرض فضاء أملاك دولة خالية تماما من أى إشغالات بجوار قرية الأنصار، ومساحتها نحو 217 فدانا ويبدو أن الحلم تبخر بعد قيام أحد أصحاب النفوذ له مزرعة بجوار هذه الأرض، بالاستيلاء على الأرض وضمها إلى أرضه تباعا، وكأنه استكثر على الموتى أن يستريحوا فى مدفن شرعى ضاربا عرض الحائط بكل الموافقات وقرارات التخصيص.