حملت حقيبة أسرارها ورحلت, القت بنفسها فى نهر النيل الذى طالما احتضن قصصا وحكايات, لم تتسع لها اليابسة, ضاقت عليها فلم تستطع احتوائها, فادركها النيل الهادر بضفافه الممتدة دون حدود, ليضيف إلى اسراره سرا جديد. انتحرت سمية الفتاة ذات التسعة عشر ربيعا من أعلى الكوبرى ليبتلعها النيل , لعله يكون ارحم عليها من حضن البشر , لاذت بالفرار من ذئابه البشرية التى لم ترحم توسلاتها ولا نهرها لدنس أخلاقهم التى تمرغت فى وحل الشهوة وسقطت فى مستنقع التحرش , هذا الإفك الذى لم يعد يردعه قانون أو ينسفه حكم مهما كانت قسوته . قالت مصادر أمنية أن انتحار سمية جاء على خلفية مشاكل مع عائلتها , لكن جاءت رواية شاهد عيان على الحادث المؤلم الذى صدم المارة مغايرة تماما للرواية الرسمية , "سمية كانت تمشى مع صديقتها على الكوبرى , وكان يمشى ورائها واد بيعاكسها بالكلام الأول , والبنت متضايقة وعمال تقوله لم نفسك , بعد كدا بدأ يمد ايده عليها ويشدها والبنت قالتله لو مالمتش نفسك هاتلاقى رد فعل مش هيعجبك ".. ولم يرتدع , دون تفكير سارعت الفتاة والقت بنفسها فى النيل , وأنهت حياتها وسط ذهول المحيطين بها والذين لم يستطيعوا إنقاذها , اختارت انهاء حياتها دون تفكير , كانت أرحم لها وأهون عليها من هتك عرضها فى الطريق العام .. إلى هذا الحد وصلنا استهانة بآدمية الانسان ؟ رواية شاهد العيان كما رآها , تجعلنا نستشعر الخطر بوصولنا يقينا إلى حافة الهاوية أخلاقيا وسلوكيا ونفسيا ؟؟ فما الذى يحدو بفتاة فى مقتبل العمر إلى إنهاء حياتها بهذا الشكل المؤلم ؟ إحساسها بالعجر عن حماية نفسها دفعها لليأس , فغاب العقل , وفعلت ما فعلت , إذ كيف يتجرأ متحرش خسيس وينتهك حريتها وخصوصيها كيفما تراها هى , تماما مثلما تجرأ على القانون وضربه عرض الحائط ولم يلتفت لعواقبه , ربما لم تكن رادعة له بما يكفى ؟ فما هذا الانهيار الاخلاقى الذى أصاب المجتمع فى مقتل ؟ لم يعد فيه أحد آمن على نفسه , إن لم يكن بالقتل فالبتحرش , فكم من جريمة تحرش واغتصاب ارتكبت بعد تغليظ العقوبة على المتحرش ؟! ما الذى تغير إذن ؟! واقع الحال يقول أن الذى تغير هو أخلاقنا وسلوكنا واحساسنا بالمسؤولية الأدبية تجاه بعضنا البعض , لم يعد هناك أدنى اكتراث بالقيم , الشهامة أصبحت من الماضى , والحاضر مثقل بالأعباء المعيشية التى أوصلتنا إلى ما نحن فيه من لامبالاة وتبلد , والمستقبل لايشى بالتفاؤل . هل كان قانون التحرش مجرد زوبعة فى فنجان ؟! أخذ وضعه فى الشو الاعلامى بعد واقعة التحرش القذرة والفجة بفتاة التحرير الشهيرة ! فكم من متحرش حكم عليه حكما سريعا ورادعا ليكون عبرة لمن يعتبر ؟ المحاكم تضج بالقضايا المشابهة تتزاحم فيها قصصا وحكايات أبشع مما تعكسه الدراما التلفزيونية والسينمائية , فالواقع ينبئ بالكثير , العشوائيات والفقر والجهل والبطالة تكشف عن عورات المجتمع الذى بات يتدثر بورقة التوت , لكن يبدو أن ورقة التوت لم تعد قادرة على ستر خطاياه !! انتحرت سمية معلنة تمردها على مجتمع أصبح عالة على نفسه , أدركتها اللحظة وأخذت قرارها ورحلت سريعا , وتركت مجتمعا يرزح تحت نيران متناقضاته النفسية والدينية لعل وعسى !! لمزيد من مقالات جيهان فوزى