(السقا مات) رواية للكاتب الكبير يوسف السباعى تحولت إلى فيلم للمبدع صلاح أبو سيف فى نهاية ستينيات القرن الماضى، دخل الفيلم عالم السقايين وصور الصراع بين البقاء والفناء لتدور أحداثه حول شخصيه سيد ابو شوشه السقا الذى يخاف من الموت رغم أنه يحمل على ظهره الماء وهى سر الحياة. كما قد قام الأديب بديع خيرى بكتابة قصيدة بالعامية تعبر عن هموم السقايين فى اللحظة التاريخية الفارقة التى تحولت فيها سقاية الناس من قربة السقا إلى مواسير "كوبانية المية" ، لحنها سيد درويش وغناها نجيب الريحانى ويقول مطلعها: "يهون الله يعوض الله ع السقايين دول شقيانين متعفرتين م الكوبانية" ومهنة السقا من أهم المهن التراثية فى التاريخ العربى والمصرى ، كان لها أكبر الأثر فى حياة أجدادنا لشدة حاجة الإنسان إلى الماء، وهى مهنه لها أصولها عاشت فى وجدان الكثيرين وفى أذهان أجيال عاصرتها، ولنتعرف عليها لابد أن نرجع نحو الماضى ونعود قرنا إلى الوراء، فنجد السقا فى حوارى مصر المحروسة حاملا قربته منحنى الظهر يكتسب وجهه سمار القمح من حرارة الشمس وتتخذ قدمه شكلا ً مفلطحًا من كثرة المشى والوقوف ليل نهار مناديًا بصوت مرتفع "سقا الماء" يبيع مياه الشرب العذبة التى كان يجلبها من النيل، ولكون الماء القريب من الشاطئ يغلب عليه عكر التراب كان عليه أن يدخل فى النهر ليتأكد من نقاء المياه ثم يملأ برميلا ً كبيرًا بعد أن يضع فيه مادة الشبة لتنقيه الماء من رواسب وشوائب طمى النيل، ويحمله على ظهر حصان أو حمار ويعلق حول أعناقه أجراسا ليتنبه الناس لاقترابه، وكان ينقل الماء إلى البيوت فى قربة يحملها على ظهره مصنوعة من جلد الماعز المدبوغ الذى يساعد فى تبريد الماء وحفظ درجة حرارته وكانت تغلق بسداده خشبية يعطرها بالمستكة ثم يضع فيها قطرات من ماء الورد وأحيانا يضيف إليها النعناع لتحسين المذاق. يتجول فى الشوارع والطرقات ويدخل المقاهى والمحال ويصل بالماء إلى الأسبلة كان يخصصها أهل الخير لسقاية الظمآن من عابرى السبيل ، أما المنازل فيحصل على ثمن خدمته لها عن طريق رسم علامة على جدار أو باب الدار ليحاسب صاحب البيت على مجموعة العلامات التى ترمز إلى عدد القرب التى أفرغها فى نهاية كل أسبوع أو شهر, لكن كثيرًا ما كانت الناس تمسح هذه العلامات، فلجأ إلى طريقة أخرى بإعطاء صاحب المنزل مجموعة من الخرز وكل مرة يأتى بالماء يأخذ واحدة وعندما ينتهى الخرز وقتها يتقاضى أجرته كاملة. بالرغم من بساطة هذه المهنة إلا أنها كانت تحتاج إلى جهد عضلى كبير من قبل صاحبها حيث نزول السقا إلى الشواطىء وملء القرب الكبيرة ثم حملها وصعود سلالم البيوت بها فيه مشقة تتحول بالتدريج إلى لياقة, ولهذا كان أغلب السقايين يتمتعون بصحة جيدة، وكانت لهذه المهنة اختبارات وشروط, حيث يجب على المتقدم للعمل بها أن يجتاز اختبارا مبدئيا لكى يلتحق بطائفة السقايين وهو أن يحمل قربة بها 67 رطلا من الرمل لمدة ثلاثة أيام دون أن يُسمح له بالاتكاء أو النوم، وكانت مهنة السقا لها قواعد دقيقة نظرًا لتأثير المياه على الصحة العامة: وهى الأمانة والحرص على نظافة المياه وأن تكون القربة غير مصبوغة حتى لا تتلوث باللون, ومطهرة بشكل لا يسمح بانتقال الميكروبات إليها ولا تكون بها ثقوب تنفذ منها المياه. كانت تمنح رخصتان لهذه المهنة بعد عمل الكشف الصحى والتأكد من مدى لياقة السقا، فالرخصة الأولى ورقية صادرة من نظارة الداخلية يكتب بها اسم السقاوجنسيته وسكنه وذلك للسماح له بالانتقال بين شوارع القاهرة، أما الرخصة الثانية فكانت معدنية ويكتب عليها اسمه ورقمه ومدينته باللغة العربية والانجليزية وكانت توضع على كتفه برباط من الجلد. أما عن أولاد السقايين فكانوا يتعلمون الحرفة على أصولها ويساعدون آباءهم فى حمل المياه بقرب صغيرة ويطوفون الشوارع لتوزيعها كى يعتادوا على طبيعة وشقاء المهنة، ولم يقتصر دور السقا على حمل الماء وبيعه ولكن كان له دور فى إخماد الحرائق فإذا شب حريق فى أى مكان أسرع بقربته وبراميله لإطفائها. كانت تتركز طوائف السقايين فى أحياء باب البحر، باب اللوق، وقناطر السباع وأيضًا كفر الشيخ ريحان الذى سمى فيما بعد بحارة السقايين. بدأت هذه المهنة تتلاشى تدريجيا فى العصر الحديث ، ولكن تكاد تظهر مرة أخرى الآن وخاصة فى المناطق الريفية والأطراف العشوائية التى لا تصل إليها المياه النظيفة.. فاتخذ السقا شكلا مختلفًا عن الماضى فهو لم يعد يحمل القربة على ظهره بل استبدل بها الجراكن البلاستيكية التى يحملها على عربة كارو ليبيعها بينما فى أحيان أخرى قد نجده يسقى الناس فى الطرقات والجوامع ليعتمد دخله اليومى على النقود المعدنية التى تدفع له على سبيل الهدية وليس بشكل إلزامى .