منذ أيام قليلة , وبعد ساعات من ولادتها تفحمت طفلة تماما داخل حضانة أحد المراكز الطبية الخاصة نتيجة انفجار حدث فى أنبوبة الأكسوجين الخاصة بالحضانة أدى إلى اشتعال النيران بها , ومن ثم مصرع الطفلة الرضيعة. دفعنا هذا الحادث البشع الى فتح ملف الحضانات من جديد, والبحث عن الأسباب التى دفعت والد هذه الطفلة وغيره إلى اللجوء لتلك المراكز الخاصة والتى تعمل أغلبها فى الخفاء بعيدا عن عيون ورقابة وزارة الصحة , وأيضا معرفة الاشتراطات اللازم توافرها لتجهيز حضانة للأطفال داخل المستشفيات والمراكز الطبية المختلفة , والوقوف على حقيقة أزمة حضانات الأطفال فى مصر.. فإذا كانت هذه الطفلة قد ماتت محترقة , فإن هناك العديد غيرها قد مات لعدم مطابقة الحضانات للمواصفات !. سألنا الدكتورة معتزة بشير استشارى إطفال حديثى الولادة جامعة القاهرة والتى قالت إن الأزمة الحقيقية تتمثل فى عدم كفاية الحضانات الموجودة بالمستشفيات أمام طابور لا ينتهى من الاطفال المبتسرين , وغيرهم ممن يحتاجون الدخول الفورى اليها لحظة ولادتهم , وحتى الحضانات الموجودة بالمستشفيات الحكومية أغلبها غير مجهز لغياب الصيانة عنها لفترات كبيرة مما فقدها الكثير من سبل الأمن والسلامة. فى الوقت نفسه هناك شبه ندرة فى اعداد التمريض المؤهل والمدرب على التعامل مع حديثى الولادة , ومع تلك الحضانات وما تشمله من اجهزة ومعدات , كذلك قلة اعداد الاطباء المتخصصين والمدربين بعناية , حيث ان تخصص حديثى الولادة يعد حديثا نوعا ما , ويحتاج الى تدريب مستمر لمعرفة كل جديد فى هذا المجال . فالحضانة كما أوضحت د. معتزة ليست صندوقا يوضع فيه الطفل , بل هى وحدة رعاية مركزة لحديثى الولادة , وهذه الوحدة توجد فيها معدات واجهزة تشمل حضانات و دفايات , كما تشمل أجهزة تنفس صناعى وتغذية للوريد واجهزة غازات للدم واجهزة اشعة , بالاضافة الى طاقم تمريض مدرب و نواب مدربين على حديثى الولادة ويوجدون على مدى 24 ساعة, وفوق هذا كله استشارى وهو المسئول الذى يمر على الحالة وشرط أن يكون استشاريا لحديثى الولادة , فلابد من توافر المنظومة الكاملة , فالقصة ليست بسيطة وتحتاج فعلا لكوادر مؤهلة ومدربة وأشارت الى مراكز بير السلم وهى المراكز الطبية الخاصة غير المرخصة وغير المجهزة ايضا والتى يضطر الاهالى احيانا للجوء اليها اما لعدم توافر الحضانات بالمستشفيات الحكومية, واما لارتفاع اسعارها بشكل كبير فى المستشفيات الخاصة. والمشكلة ان مراكز بير السلم تعمل فى الخفاء بعيدا عن رقابة وزارة الصحة ,وبالتالى فهى غير ملتزمة بالاشتراطات القاسية التى وضعتها الوزارة لعمل وحدة رعاية مركزة للاطفال او الحضانات, فتجد اجهزة غير مطابقة لشروط الامان والسلامة, نظرا للارتفاع الرهيب فى تكلفة اجهزة الحضانات , والذى يمثل ثروة طائلة لا تقدر عليها مثل هذه المراكز الخاصة , مما يدفعها لتجهيز المركز بمعدات واجهزة قد تودى بحياة الاطفال فى احيان كثيرة . وأكدت د معتزة أن هناك اشتراطات قاسية وضعتها وزارة الصحة لضمان حسن تشغيل الحضانات , كتوافر ممرضة مدربة واخصائى حديثى الولادة 24 ساعة تحت اشراف استشارى , ويقوم هذا الاستشارى بتقديم كارنيه النقابة الخاص به للوزارة وما يثبت انه استشارى , مع التأكد من صلاحية الحضانة ومدى مطابقتها للشروط والمعايير الطبية السليمة , وكذلك التأكد من صيانتها وصيانة أجهزة التنفس الصناعى وجميع الأجهزة الملحقة بالحضانة. ورغم تلك الاشتراطات فإن هناك الكثير من المراكز الخاصة غير المرخصة هنا وهناك خاصة فى الاماكن النائية تعبث بأرواح اطفال أبرياء , وتقتل فرحة آبائهم بعيدا عن عيون الرقيب مما يزيد الازمة تعقيدا . وطالبت د معتزة وزارة الصحة بضرورة العمل على حل أزمة الحضانات وتوفيرها قدر الامكان , وصيانة الموجود منها بشكل دورى , كما طالبت بملاحقة مراكز بير السلم , والتأكد من سلامة جميع المراكز الخاصة الاخرى . ويؤكد احد أطباء الاطفال حديثى الولادة بمستشفى حكومى أن أوضاع الحضّانات فى المستشفيات الحكومية مأساوي، حيث يسهم العجز الصارخ فى عدد الحضانات الذى لا يتناسب مع أعداد الأطفال المبتسرين الذى تضاعف فى السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ فى ظهور العديد من التجاوزات، حيث إن أهم هذه التجاوزات هو التوسع فى (بيزنس) الحضانات من جانب بعض المستشفيات والمراكز الخاصة، حيث تتضاعف التكلفة وترهق المواطن البسيط، فلم يعد يقتصر الأمر على مجرد التكلفة اليومية التى تتراوح ما بين 300 و500 جنيه فى اليوم الواحد، بل هناك تكلفة أخرى تحت مسميات مختلفة، منها مستلزمات طبية، وأدوية، وفحوصات، وأمور أخرى قد تتجاوز الألف جنيه يوميا، كما أن هذه المستشفيات تبتكر كل ما هو جديد لاستنزاف أموال المواطنين، على الرغم من أن أغلب هذه الأسر من البسطاء والمعدومين، وقد يضطرون لبيع ممتلكاتهم لسداد نفقات هذه الحضّانات أملا فى إنقاذ أرواح أطفالهم . أما سمير محمود والد الطفلة شهد فقد عانى كثيرا وكاد يفقد ابنته بعد ولادتها بسبب سوء التمريض والاستهتار بارواح البشر ومعاناتهم , فقد استدعت حالة ابنته دخول حضانة أحد المستشفيات الحكومية , والطبيعى فى مثل هذه الحالات دخول الطفلة فور الولادة نظرا لخطورة الوضع وقتها , الا ان المستشفى ظل يوما كاملا يبحث عن حضانة خالية وتكون صالحة للاستخدام, حيث ان معظم الحضانات الموجودة لا تعمل لغياب الصيانة عنها لسنوات مما أدى لعدم قدرتها على العمل بكفاءة وقدرة, فضلا عن الحضانات الاخرى التى لا تعمل من أساسه , فى الوقت الذى ساءت فيه حالة ابنته حسب كلام احد الاطباء بالمستشفى بعد ان تأخرت فى دخول الحضانة, وكاد ذلك يودى بحياتها حتى استطاع المستشفى فى نهاية اليوم توفير إحدى الحضانات, والتى تعطلت بعد ساعات من دخول الطفلة بها , واضطر طاقم التمريض لنقلها بعد ذلك الى حضانة اخرى والتى لم تصمد هى الاخرى كثيرا لتعطل اجهزة التنفس الصناعى بها , فراح الاب يبحث فى المراكز الخاصة الاخرى عسى إن يجد حضانة خالية تنقذ حياة ابنته, حتى انقذتها العناية الالهية بعد معاناة عاشتها هذه الاسرة بحثا عن حضانة صالحة تعيد لابنتهم الحياة من جديد.