بداية خالص شكري للزميلات والزملاء الاعزاء علي ثقتهم الرائعة والعظيمة التي منحوني إياها في انتخابات مجلس إدارة الأهرام يوم الأحد الماضي، في وقت حاول فيه البعض خلط الأوراق، مستغلا حالة السيولة السائدة في المجتمع الآن، إلا أن الزميلات والزملاء أثبتو انهم عند حسن الظن بهم كعادتي بهم دائما. الانتخابات التي تدور الآن في المؤسسات الصحفية والتي تنتهي خلال هذا الأسبوع هي الصفحة الأولي في كتاب إصلاح المؤسسات الصحفية القومية التي تحتاج الي الكثير من الجهد المخلص كي تستمر في آداء دورها في مجال الإعلام المصري فهناك من يحاول تقزيم هذا الدور لصالح وسائل الإعلام الخاصة بدعوي أن تلك المؤسسات هي «بوق» الحكومة وهو ادعاء باطل بهدف تشويه دور الصحافة القومية لتخلو الساحة أمام الصحف الخاصة التي لا تبتعد كثيرا عن مصالح واجندات ملاكها، وهذا أمر طبيعي فلا يمكن لرجل أعمال أيا كان اسمه أن ينفق الملايين لاصدار صحيفة أو اطلاق قناة تليفزيونية لله والوطن، وانما هو يهدف في الأساس الي حماية مصالحه ومصالح المشاركين معه واللوبي الذي ينتمي اليه، ومن هنا تأتي أهمية الصحافة القومية في هذا التوقيت المهم والحساس في تاريخ الوطن في وقت تتعرض فيه دول العالم العربي لأخطر المؤامرات بهدف تفكيك هذه الدول وهدمها فوق رؤوس مواطنيها، كما يحدث في ليبيا والعراق واليمن وسوريا الآن. الإعلام سلاح خطير وحساس ومن الخطر الشديد تركه في يد أصحاب المصالح الخاصة والأجندات المعلنة وغير المعلنة، ومن هنا تأتي أهمية الصحافة القومية لتؤدي دورها في إحداث التوازن مع الصحف ووسائل الإعلام الخاصة. موقف الحكومة غامض من الصحافة القومية الآن فلا هي تريد إصلاحها بشكل حقيقي ولا هي تريد موتها، وانما تريدها كالرجل المريض يؤدي دوره علي حسب الظروف. الأمر الآن يحتاج الي وضوح لحل مشاكل الصحافة القومية فهناك ديون متراكمة تم الاتفاق علي تسويتها قبل عام 2005، وحتي الآن ترفض الحكومة إصدار تشريع لأسقاط هذه الديون رغم الاتفاق علي تسويتها منذ فترة طويلة إلا أن الحكومات تراوغ في هذا الأمر وليت الحكومة الحالية تقوم بهذه المهمة. الأمر الثاني هو ضرورة إعادة النظر في هيكلة المؤسسات الصحفية القومية بحيث تصبح مملوكة للعاملين فيها بعيدا عن سيطرة الدولة والنظام الحاكم أيا كان انتماؤه السياسي وأن يكون الهدف النهائي هو الوصول الي شكل وصيغة هيئة الاذاعة البريطانية في استقلالها عن الحكومات هناك، وكذا جريدة اللوموند الفرنسية مما يتطلب تعديلات تشريعية مهمة في القوانين الحالية بحيث تصبح مجالس الإدارة بالانتخاب بالكامل، وكذا الجمعيات العمومية، وإعطاء صلاحيات كاملة لهذه المجالس والجمعيات لتقوم بدورها كاملا في إدارة المؤسسات الصحفية القومية. الأمر الثالث ضرورة التدخل الحكومي العاجل لتعويض المؤسسات الصحفية القومية عن خسائرها خلال الثلاث سنوات الماضية، حيث تكبدت تلك المؤسسات خسائر جسيمة نتيجة انحسار موارد الاعلانات والتوزيع بسبب الظروف الاقتصادية التي تمر بها مصر الآن بعد قيام ثورتين خلال أقل من 3 سنوات، والنموذج الأبرز في هذا المجال هو مؤسسة الأهرام التي بلغ الفائض فيها أكثر من 480 مليون جنيه بعد سداد جميع الالتزامات المالية وديون البنوك والموردين، إلا أن الظروف الاقتصادية الصعبة التي مرت بها مصر خلال السنوات الثلاث الماضية وبعد قيام ثورتين استنزف كل هذا الاحتياطي، وأدي الي «ارتباك» خططها المالية بعد أن تأثرت موارد المؤسسة بشدة نتيجة الظروف العامة، وبالتالي فإن قيام الحكومة بمساندة المؤسسات الصحفية القومية بات أمرا ملحا وضروريا خاصة مع تردي الأوضاع الاقتصادية لكل المؤسسات باستثناء مؤسستي الأهرام وأخبار اليوم. يتماشي مع كل ذلك ضرورة إعادة النظر في اللائحة النموذجية للمؤسسات الصحفية لتصبح أكثر عصرية وتلائم التطورات الحالية بحيث تكون هناك قواعد عادلة وشفافة تحكم علاقات العمل وتسهم في تطوير الأداء المهني لجميع القطاعات لتصبح المؤسسات الصحفية هي القاطرة التي تقود الإعلام في مصر، وتقدم المعلومة الدقيقة والمحايدة البعيدة عن التلوين وأجندات أصحاب المصالح. لمزيد من مقالات عبدالمحسن سلامة