هي ليس مجري مائي يختصر المسافة بين الشرق والغرب ، وإنما تاريخ رأوه أجدادنا بدمائهم وعرقهم ، حفرته سواعد شقوا الصحراء تحملوا صعاب العطش والجوع والمرض والسخرة، وراح في سبيلها 120 ألف من بين مليون عامل معظمهم لم يستدل علي رفاته إما دفن في الصحراء أو غرقا تحت مياه القناة أو وسط الردم من أجل هذا الإنجاز المصري مائة في مائة قناة السويس التي حفرت بطول 165 كم بعرض 190 مترا وعمق 58 قدما . كيف أنفرد ديليسبس بوضع لائحة لعمال حفر القناة بعد توقيع سعيد باشا والي مصر بعد وجبة مكرونة للمرة الأولي ، تنص علي تكليف الحكومة المصرية بجلب العمالة و أجرة العامل ما بين قرش ونصف وثلاثة قروش فى اليوم ، والأطعام قليل من الخبز ، مع فرض عقوبات على المهمل اجره بمقدار إهماله، والهارب أجر الخمسة عشر يوما المحفوظة في الخزينة ، وفى مايو 1859 بدأت اعمال الحفر بقول ديليسبس وسط العمال والمهندسين و أمسك بالفأس وضرب أول ضربة بيده "سيضرب كل منكم بمعوله هذه الأرض الضربة الأولى كما فعلنا نحن الآن، وعليكم ان تذكروا أنكم لن تحفروا الأرض فقط ولكن ستجلبون بعملكم الرخاء لعائلاتكم ولبلادكم الجميلة. ليعيش أفندينا سعيد باشا سنوات طويلة" ، ولكنه حنس بوعده بتوفير الماء والنقل لهم مما أدي لسقوط الآلاف من العمال كالذباب من شدة العطش والانهيارات الرملية وإنتشار أوبئة الجدرى والكوليرا والسل، وعدم استخدام وسائل متطورة فى الحفر وآليات وكراكات سوي سواعدهم والفأس والقفة فقط ، وفي ديسمبر 1861 ذهب سعيد باشا إلى منطقة الحفر وشاهد أعمال السخرة فأمر بحشد عشرين ألف شاب ومنذ ذلك التاريخ وأفواج العمال لم تنقطع من االوجه القبلى والبحري وكل عامل يحمل معه "قلة" ماء وكيسا به خبز جاف ، وكانوا يصلون إلى ساحات الحفر منهوكى القوى ، ولم تكن تدفع أجور ولا مؤن أو الملابس والأحذية الملائمة فكان الموت يدرك العمال قبل أن تصل إليهم المياه أو الذين يلوذون فيلقون حتفهم فى الطريق من شدة العطش، وتظل جثثهم فى العراء على رمال الصحراء تنهشها الحيوانات . ثم جاءت الكوليرا فى صيف عام 1865 وعصفت بالعمال ودفنوا بالصحراء ، ثم أكبر مأساة تعرض لها العمال خلال الحفر ظهور مادة طينية سائلة كانت تحتوى على فوسفور حارق مما ادي لإصابة الآلاف بالأمراض الغامضة والتى ادت للوفاة على الفور، ورغم آلاف الجنائز الرمزية والنعوش التى خرجت فارغة من ضحايا الحفر. كانت الاحتفالات صاخبة بافتتاح القناة، ودعا الخديو إسماعيل ملوك العالم وقريناتهم لحضور الحفل الذى جرى فى 16 نوفمبر 1869 وتكلف نحو 4 ملايين جنيه ذهب . هذا ما ورد بذهني عند رؤيتي لقناة السويس في جولة بحرية ببحيرة التمساح ضمن الوفد الصحفي لجريدة الأهرام قبل ذهبنا الي منطقة حفر قناة السويس الجديدة والشد علي أيادي العمال الأبطال بإشراف قواتنا المسلحة العملاقة لإعطاءهم دفعة معنوية ومشاهدة أعمال الحفر والتكريك علي أرض الواقع ، لتكون المقارنة قبل حكاوي المشروع العظيم بين سخرة حفر القناة الأولي برزج الشهداء الي فخر حفر القناة الجديدة في عام واحد فقط منذ 5 أغسطس الماضي وهرولة المصريين للبنوك وتمويلها في 8 أيام فقط ب 64 مليار جنيه ليسطروا تاريخا جديدا من الإعجاز البشري ولكن بدافع حب الوطن وليس إكراها بوقود جيني حصري سره إرادة الشعب المصري ... فانتظروا تفاصيل حكاوي الفخار في 12 ساعة قصة حب بين عمال المشروع وخير أجناد الأرض. [email protected] لمزيد من مقالات محمد مصطفى حافظ