6 صور ترصد تفاصيل حفل وطن السلام بحضور الرئيس السيسي    «الجبل الأصفر» على أعتاب العالمية |المحطة تستعد للقب الأكبر دوليا بطاقة 3.5 مليون متر يومياً    فقدت عائلتها وظلت تحت الأنقاض 48 ساعة.. قصة الطفلة الفلسطينية ريتاج التي أسرت قلوب المصريين    وزير الخارجية السوداني: الرئيس السيسي يقود المنطقة برؤية تعيد التوازن للقارة    موعد مباراة الأهلي المقبلة بعد الفوز على إيجل نوار    محمد مصطفى يشارك في فعاليات الجمعية العمومية للاتحاد العالمي للتايكوندو    دوري أبطال أفريقيا.. يانج أفريكانز وبترو أتلتيكو إلى دور المجموعات    حبس تشكيل عصابي لقيامهم بأعمال حفر وتنقيب عن الآثار بالتبين    حبس المتهمين بالتعدي على مسن السويس بتهمة البلطجة    محمد سلام يتألق في احتفالية «مصر وطن» بحضور الرئيس السيسي    سوما تبدأ حفل ختام مهرجان الموسيقى العربية بأغنية وطنية مؤثرة    تعليق غريب من أحمد الجنايني بعد زواجه من منة شلبي    خالد الجندي: لو تدبرنا إعجاز القرآن لانشغلنا بالخير عن الخلاف    جمارك السلوم تمنع تهريب نقد مصري وأدوية بشرية    إصابة طالبين إثر تصادم دراجة بخارية في قنا    الرئيس السيسي: "اللي حصل في شرم الشيخ ده فضل كبير من ربنا علينا"    حادث جماعي مروع يهز طريق القاهرة السويس    بمشاركة 150 متطوعًا.. تنظيف شاطئ «أبطال التحدي» في الإسكندرية (صور)    جلسة خاصة بمؤتمر الإيمان والنظام تسلط الضوء على رجاء وثبات المسيحيين في الشرق الأوسط    القانون يحظر إنشاء جسور بالبحيرات بدون تراخيص.. تفاصيل    مسئول بحزب الله: لن نسلم سلاحنا لأننا نعتبره قوةً للوطن وسيادةً للبنان    شخصية المطر    محافظ القاهرة: تخصيص شاشات عرض بالميادين لبث مواد ترويجية عن المتحف الكبير    طريقة تحضير الكوكيز في الميكروويف    غادة عبد الرحيم تُطلق أول حقيبة تدريبية عربية متكاملة للأمهات والمعلمين للتعامل مع اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه    دعم وحماية لمن حولهم.. أبراج تجلب السعادة والدفء للآخرين (من هم؟)    جدول امتحانات شهر أكتوبر للصفين الأول والثاني الثانوي بالغربية    هل تصل قراءة الفاتحة إلى الميت؟.. عالم أزهري يجيب    كيف يتعلق قلب المسلم بالنبي صلى الله عليه وسلم؟.. عالم أزهري يجيب    «تعليم الغربية» تعلن جدول امتحانات شهر أكتوبر 2025 للمرحلة الابتدائية    القنوات الناقلة مباشر لمباراة ليفربول وبرينتفورد في الدوري الإنجليزي.. والمعلق    وحدة «إذابة الجلطات المخية» بقصر العيني تحصد شهادتين دوليتين خلال مؤتمر برشلونة 2025    الصناعة: طرح 1128 قطعة أرض صناعية مرفقة بمساحة 6.2 مليون متر    مواقيت الصلاه اليوم السبت 25 أكتوبر 2025 في المنيا    فتح باب التقديم للأجانب بمسابقة بورسعيد الدولية لحفظ القرآن الكريم    لاعب بتروجت: أتمنى الانضمام للأهلي.. وفخور بتشبيهي ب علي معلول    محافظ البحيرة: قروض ميسرة للشباب تبدأ من 30 ألف جنيه وتصل إلى 20 مليون جنيه    جهود قطاع الأمن العام خلال 24 ساعة    نائب رئيس جامعة أسيوط يترأس اجتماع مجلس إدارة صندوق الخدمات الطبية اليوم    مصر توقع على إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة السيبرانية    الخميس المقبل بدء تطبيق التوقيت الشتوى فى مصر.. الساعة هتتأخر 60 دقيقة    ريال مدريد ضد برشلونة.. البارسا يختبر كوندى فى مران اليوم    أغرب وأجرأ إطلالات النجوم بمهرجان الجونة السينمائى.. من الافتتاح للختام    الحكومة المصرية تدير 7 مراكز لوجستية رئيسية لتعبئة شاحنات المساعدات إلى غزة    برينتفورد ضد ليفربول.. سلوت يشعل حماس محمد صلاح برسالة غير متوقعة    الأوقاف: المشاركة في الانتخابات واجب وطني.. والمساجد ليست مكانًا للترويج السياسي    صحة كفر الشيخ: انطلاق أول أيام القافلة الطبية المجانية بقرية المنشلين بقلين    «مستقبل وطن» ينظم مؤتمرات جماهيرية بالمحافظات لدعم المشاركة في انتخابات مجلس النواب (فيديو)    وزيرة التضامن الاجتماعي تتابع أعمال الإدارة العامة للرعاية المؤسسية والأسرية    محافظ الفيوم يتابع استعدادات الأجهزة التنفيذية لانتخابات «النواب» 2025    قلق عالمي.. الأمير هاري وميجان يدعوان إلى حظر الذكاء الاصطناعي الفائق    اليوم.. جورج إلومبي يتسلم رئاسة «افريكسم بنك» رسميا    اللواء محمد الدويري: أحد قيادات حماس البارزة لجأ لأبو مازن لحمايته من قصف إسرائيلى    موعد مباراة الحزم والنصر في الدوري السعودي    موعد مباراة بايرن ميونخ أمام مونشنجلادباخ بالدوري الألماني.. والقنوات الناقلة    ترامب: علاقاتي مع زعيم كوريا الشمالية جيدة وآمل لقاءه خلال جولتي الآسيوية    الاتحاد الأوروبى: ضم إسرائيل للأراضى الفلسطينية غير شرعى ولن نعترف بسيادتها عليها    "لا تستمع لأي شخص".. بانزا يوجه رسالة ل محمد السيد بعد انتقادات الجماهير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إنسان القناة
نشر في التحرير يوم 07 - 09 - 2014

يعيدك ما يجرى اليوم فى قناة السويس إلى استدعاء أوراق من تاريخ بلد، تاريخه «راقات» يمتذج فيها الوجع بالأمل.
توسعة القناة أو قناة السويس الثانية فى عام 2014، يتسابق ملايين من المصريين للإسهام فى تمويلها، كل واحد حتى مَن لا يسهم بقرش، يشعر أن له حق و«نايب» فى خير جاى، من جنيه لملايين، يسهم المصريون فى قناة تحفرها شركات مصرية، بآلاف من الأيدى الممدودة للغد، وبإشراف هندسى لجيش وطنى، وفى أحضان حكم مستقل بقراره الوطنى.
فى المرة الثانية أو قناة السويس الثانية مطاعم لعمال تستخرج مستخلصاتهم المالية قبل أن يجف عرقهم، مستشفيات ميدانىة، عربات إسعاف و«ميّه ساقعة» أو زمزميات مبرّدة، فى كبائن سائقى اللوادر والبلدوزرات المكيّفة.
الباحثة الفرنسية «نتالى مونتل، صاحبة دراسة تاريخية متفردة، عن ظروف حفر قناة السويس الأولى، انتبه إليها أستاذ التاريخ الكبير قاسم عبده قاسم، منذ سنوات، وأصدرتها دار النشر التى تشرف عليها دار «عين»، فى ترجمة للدكتور عباس أبو غزالة، بعنوان: قناة السويس، المشروع والتنفيذ (1859-1869).
على الرغم من أن الدراسة انصبت على الوجه التقنى، فإنك بالإمكان أن تلتقط فى الثنايا، بعضًا من الظروف التى سادت، بدءًا من دقائق العلاقات الإنسانية وحتى سرقات المقاولين، واختلاساتهم لقوت الغلابة، وحافرى القناة بالسخرة. الباحثة نتالى قدَّمت بحثها، الذى هو فى الأصل رسالتها لنيل درجة الدكتوراه، فى ندوة أقامتها «جمعية فرديناند ديليسبس» ونالت جائزة إدوارد جوبى، وتناولت السنوات العشر التى استغرقها مشروع القناة، من أول ضربة فأس ضربها فلاح مصرى وحتى الافتتاح، صورة حيَّة للتفاصيل لمعترك تجربة فريدة أدرجتها منظمة اليونسكو فى سجل «ذاكرة العالم» لأهميتها ليس فقط بالنسبة إلى التاريخ المصرى، بل لتاريخ الإنسانية.
خصوصية بحث نتالى تأتى من النظرة الكلية، صحيح أن عنايتها الأولى كانت موجَّهة إلى المشروع، كمنظومة، أو كما عبَّرت «كورشة» للإدارة والميكنة، كمشروع معقَّد، لكن تفاصيل بسيطة، تستلها العين، فتشى بالحال، حال «اللقمة» و«الهدمة»، حال «البدن» الممروض، الواهن، تحت الشمس، يشتهى شربة ميّه، فلا ترويه إلا بحور عرقه.
المليارات التى فاض بها عطاء أبناء البلد الوطنيين فى مشروع قناة السويس الثانية، يقابلها اكتتاب ب200 مليون فرنك، تم جمعها بصعوبة شديدة، بعد موافقة شفهية من الخديو سعيد (المولود فى 1855) إلى فرديناند ديليسبس فى 19 مايو 1855.
افتتح الاكتتاب حتى قبل اكتمال مشروعية المشروع، ولم يبع إلا ستة وخمسين فى المئة من الأسهم، وكانت قيمة السهم خمسمئة فرنك. أطلق على ساحة العمل اسم «المعتقل» أو «صحراء المعتقل»، وكانت «شربة الميّه» هى المعضلة، صحيح كانت هناك خزانات تحفظ مياه الأمطار، وبعض الآبار، وصنعوا ثلاثة أجهزة لتقطير المياه لتوفير خمسة آلاف لتر يوميًّا، لكن لمن كانت شربة الميّه، وكيف لفلاح يعمل بالسخرة أن يرتوى؟
حدّد فرمان الامتياز الأول أن يكون أربعة أخماس العمال من سكان البلد الأصليين، ثم عدّل تحت وطأة تخوفات خديوية من الأجانب، وانتهى الأمر باشتراط أن تمد الحكومة المشروع المستخدمين.
«السخرة»، أن تعمل بلا أجر، كانت هى الوسيلة، يُستجلب الفلاحون من سخرة إلى سخرة، من العمل مجانًا فى الرى وتوسعة القنوات، وزراعة أراضى الوالى، وصيانة الجسور والخزانات والسدود، إلى العمل دون أجر أيضًا فى القناة. تقول الباحثة إن «السخرة» كانت تبلغ أحيانًا أن يعمل الفلاح كل ثلاثة أيام فى موضع، وقد شكَّل صيادو بحيرة «المنزلة» مقدمة ركب السخرة، قاموا طوال عام 1860 بحفر مجرى مياه عبر البحيرة، وفوق بعض الكثبان شيَّدوا أكواخًا من القش والطين، عاشوا بحسب تعبير الباحثة فى «مستنقع أسود» من الطمى الموحل، ينحنون للأمام، يغرسون الأقدام، يغوصون فى وحل حتى منتصف أطوالهم، ليأخذوا بأيديهم أكوام التراب من القاع بعد أن يقوموا بتقليبها بالفأس، لتنتقل «الأكوام» من يد إلى يد، تحت انبعاث هائل لروائح الهيدروجينالمكبرت (بضم الميم وفتح الكاف) المنبعث من تقليب الطين تحت وهج الشمس.
كانت جرامات شحيحة من الأرز والبصل هى القوت الذى لا يضمن وصوله أحد، ثُلث كيلو أرز للوجبات الثلاث وأربعون جرام بصل، وكان الموت جوعًا أو عطشًا أو تحت ضربة الشمس هو القاسم اليومى.
هكذا كانت الحال.
أما كيف أصبحنا، فأرجوك: عُد إلى بداية المقال. صار المصرى إنسانًا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.