دعا الرئيس عبدالفتاح السيسى أكثر من مرة إلى ضرورة اندماج الأحزاب فى مصر فى عدد أقل، حيث إن الأحزاب التى استوفت شروط التأسيس تتجاوز 90 حزباً معظمها لا يعرفها المصريون . وهناك حاجة بالفعل لاندماج هذه الأحزاب فى عدد محدود، كبير الحجم ،شديد الفعالية، يعبر عن قطاعات واسعة من المواطنين ، ولكن عملية الاندماج لا تتم لمجرد أننا نريد ذلك ، بل هى عملية طوعية تتم بالإرادة الحرة لأعضاء وقيادات هذه الأحزاب ، كما أنها تتم من خلال الممارسة العملية وتستغرق وقتاً قد يطول إلى عشر سنوات ، فهى عملية سياسية بالدرجة الأولى، حيث تلعب الإنتخابات البرلمانية والمحلية دوراً أساسياً فى فرز هذه الأحزاب فيتمكن بعضها من الفوز بمقاعد فى مجلس النواب أو فى المجالس المحلية، ويتمكن من خلال نشاطه البرلمانى من تعزيز وجوده وكسب عضوية جديدة من المواطنين الذين صوتوا له فى الانتخابات ، وكذلك من المواطنين الذين يتأثرون بنشاطه البرلمانى ودفاعه عن مصالحهم ، وحرصه على حل المشاكل الجماهيرية ، بينما تتوارى الأحزاب التى لم تتمكن من التواجد فى البرلمان أو المجالس المحلية ويندثر معظم هذه الأحزاب تدريجياً ، ويقتنع البعض الآخر بأنه لا مستقبل له مالم يندمج فى حزب أكبر يكون الأقرب إليه فكرياً وسياسياً . وهكذا فإنه من خلال النشاط الحزبى فى الانتخابات وفى حل مشاكل المواطنين تقوى أحزاب، وتتعزز فاعليتها ، وتجتذب إليها أحزاب أصغر لتندمج فيها . وسوف ينتهى الأمر خلال بضعة سنوات إلى خريطة حزبية جديدة تضم ما يقرب من عشرة أحزاب كبيرة تتنافس فى الانتخابات للفوز بأكبر عدد ممكن من المقاعد وإلى جوارها عدد من الأحزاب الصغيرة والهامشية التى لا يؤثر وجودها أو غيابها فى الخريطة الحزبية السياسية ، وقد أثبتت التجربة أن السعى إلى اندماج الأحزاب تقابله العديد من العقبات منها عوامل ذاتية وأخرى موضوعية. من هنا يمكن القول إن إندماج الأحزاب فى بعضها ليس رهناً بإرادة الرئيس فقط بل هو نتيجة لعملية سياسية ، وربما تكون هذه فرصة مناسبة للقول إن الدولة يمكن أن تسهم بدور مهم فى الدفع نحو إنجاح وإنضاج عملية الاندماج إذا تعاملت مع الأحزاب ومع التعددية الحزبية انطلاقاً من المادة الخامسة من الدستور التى تنص على ( يقوم النظام السياسى على أساس التعددية السياسية والحزبية ، والتداول السلمى للسلطه ... الخ ) فبدون تعددية سياسية وحزبية ناضجة لن يقوم نظام سياسى مستقر ، ولن يتشكل مجلس نواب قادر على القيام بدوره الدستوري. كما أنه بدون تعددية ناضجة لن يتحقق التداول السلمى للسلطة. تستطيع الدولة أن تساند التعددية الحزبية بتوفير المناخ المواتى لممارسة المواطنين حرياتهم وحقوقهم السياسية وعلى رأسها حقهم فى التعبير عن الرأى بحرية وحق التنظيم والتجمع السلمى ، هذا بالإضافة إلى الالتزام بإجراء الانتخابات البرلمانية والمحلية فى مواعيدها المحددة دورياً ، لأن هذه الانتخابات كما أوضحنا من قبل هى أحد المجالات المهمة لفرز الأحزاب ومنحها الفرصة لإثبات وجودها جماهيرياً والاتصال بالناخبين للتصويت لها ، وعلى قدر ما تحصل عليه من مقاعد يتحقق وجودها الفعلى فى المجتمع . وقد كانت الانتخابات الدورية فى كل المجتمعات الديمقراطية مناسبة مهمة لتعزيز التعددية الحزبية والكشف عن الفروق النسبية بين الأحزاب على ضوء ما تحصل عليه من أصوات ومن مقاعد فى المجلس التشريعى والمجلس الشعبية المحلية . هناك التزامات أخرى تتحملها الدولة بالنسبة للأحزاب منها إتاحة الفرصة لها للمنافسة المتكافئة فى الانتخابات بتمكينها من التواصل مع المواطنين عبر وسائل الإعلام الحكومية وتقديم مساندة مالية لها شهرياً تتحدد وفق معايير موضوعية حيث يتحدد حجم المساعدة المالية فى ضوء عدد مقاعد الحزب فى مجلس النواب وفى المجالس المحلية ، وحجم العضوية المثبتة فى سجلات الحزب ، ومدى انتشار الحزب جغرافياً. أن المساعدة المالية للأحزاب ليست منحة من الحكومة توزعها طبقاً لاقتراب الأحزاب منها أو ابتعادها عنها ، بل هى تعبير عن مسئولية المجتمع كله تجاه تعزيز العملية الديمقراطية فى المجتمع لأنه بدون الأحزاب السياسية وبدون التعددية الحزبية الناضجة لن يتحقق التداول السلمى للسلطة وهو أحد الأعمدة الأساسية للبناء الديمقراطى فى المجتمع . يلفت النظر بشدة فى هذه الفترة من تطور المجتمع المصرى أن الرئيس عبدالفتاح السيسى التقى بالعديد من فئات المجتمع ماعدا الأحزاب السياسية ، وهو لا يتناولها فى أحاديثه إلا من خلال مطالبته باندماجها معاً . ومن المفهوم أن الأولويات التى يطرحها الرئيس هى استجابة لتوجهات المواطنين وهى الأمن وحماية الدولة من الانهيار وتعافى الاقتصاد الوطنى وهى أولويات صحيحة ومطلوبة ، ولكن أى إنجاز يتحقق فى هذه المجالات لن يكتب له البقاء والاستمرار مالم يتحقق التحول الديمقراطى فى مصر ، وما لم يتمتع المصريون بحقوقهم السياسية والمدنية ،. من هنا يمكن القول إن ما يطرحه الرئيس من أولويات تتجاوب مع المطالب الشعبية يتطلب إعطاء القدر نفسه من الاهتمام لاستكمال التحول الديمقراطى فى مصر وفى القلب منه التعددية الحزبية الناضجة . لمزيد من مقالات عبدالغفار شكر