التحول الديمقراطى لا يحدث تلقائياً ولا يتم لأن الطبقات الحاكمة قد اقتنعت بالديمقراطية بل يتم تحت ضغط سياسى وجماهيرى تعتبر التعددية الحزبية أحد الأركان الأساسية للتحول الديمقراطى، وبدون تعددية حزبية قوية وفعالة قادرة على تعبئة قطاعات جماهيرية واسعة، فإن القدرة على إنجاز التحول الديمقراطى تظل محدودة، ذلك أن الديمقراطية هى فى جوهرها حق الشعب فى اختيار حكامه وتغييرهم دورياً من خلال انتخابات حرة ونزيهة، وهو فى هذه الحالة سوف يختار ممثليه إلى مجلس الشعب والمجالس الشعبية المحلية وكذلك رئاسة الجمهورية من بين بدائل مطروحة عليه وبرامج سياسية متعددة، وما لم تكن الأحزاب السياسية قادرة على تقديم هذه البدائل وبلورة برامج سياسية تحقق مصالح المجتمع العليا وتحقق مصالح الفئات الاجتماعية التى تمثلها، فإن تداول السلطة يفقد قيمته الحقيقية، ومن ناحية أخرى، فإن التحول الديمقراطى لا يحدث تلقائياً ولا يتم لأن الطبقات الحاكمة قد اقتنعت بالديمقراطية بل يتم تحت ضغط سياسى وجماهيرى تقوده القوى صاحبة المصلحة فى التغيير، ولا يمكن لهذا الضغط أن يحقق نتائج ملموسة ما لم يتم من خلال أحزاب سياسية جماهيرية قادرة على تعبئة الجماهير خلف شعاراتها ومطالبها وبرامجها السياسية. تؤكد تجربتنا فى مصر أن مطلب التحول الديمقراطى كان مطروحاً بإلحاح منذ منتصف السبعينات وتعددت أشكال المطالبة به، بل وتشكلت تحالفات وجبهات بين الأحزاب السياسية من أجله مثل لجنة الدفاع عن الديمقراطية التى قدمت العديد من المذكرات لرئيس الجمهورية تطالبه بإجراءات للإصلاح الديمقراطى ولكنه لم يجبها إلى طلبها؛ لأن التعددية الحزبية كانت ضعيفة وتضم أحزاباً لا تتجاوز قدراتها حدود المقرات الحزبية وإصدار الصحف وعقد ندوات سياسية لا يشارك فيها سوى العشرات. وبعد ثورة 25 يناير تغير الحال وانفتح الباب واسعاً أمام تشكيل عشرات الأحزاب السياسية ولم تعد هناك قيود على الحركة الجماهيرية بل أصبحت الأحزاب قادرة على الاتصال بالجماهير وتنظيم المظاهرات والمسيرات والمشاركة فى الانتخابات، ومع ذلك فإننا نلاحظ رغم تضاعف عدد الأحزاب السياسية أنها لا تزال غير قادرة على الضغط الفعال لاستكمال عملية التحول الديمقراطى، ولا تزال هذه الأحزاب تفتقد الشرط الجوهرى لتحول أى حزب إلى قوة سياسية وجماهيرية مؤثرة وهو امتلاك أداة تنظيمية فعالة تنقل فكر الحزب ورؤيته السياسية وبرنامجه النضالى إلى أوسع الجماهير وتحركها للنضال تحت قيادة الحزب، وما لم يكن هذا التنظيم الحزبى قادراً على التغلغل فى صفوف الجماهير وربط حركة الحزب بها فى مواقع عملها ونشاطها وحياتها اليومية، وتعبئتها فى حركة نضالية موحدة، فإن الحزب يبقى مجرد أفكار محلقة فى خيال أصحابها لم تتوفر لها بعد إمكانية التحقق فى الواقع. التنظيم الحزبى لا ينشأ تلقائياً؛ لكنه يبنى وينضج تدريجياً من خلال النشاط الجماهيرى للحزب، وكلما امتد الحزب السياسى إلى مواقع تنظيمية جديدة، قويت قدرته الجماهيرية، وما لم تتدارك الأحزاب السياسية نقاط ضعفها الحقيقية وعلى رأسها غياب التنظيم الحزبى المتغلغل فى صفوف الجماهير، فإنها ستظل عاجزة عن الضغط من أجل استكمال عملية التحول الديمقراطى بما فى ذلك صياغة دستور يحقق الهدف الأساسى لثورة 25 يناير وهو إسقاط النظام الاستبدادى وإقامة نظام ديمقراطى. من هنا، فإن الأحزاب لكى تحقق هذا الشرط، فإنها مطالبة بإعادة النظر فى توجهاتها السياسية والجماهيرية وصياغة استراتيجية جديدة لنضالها السياسى تمكنها من تقوية دوريها السياسى والجماهيرى.