يمر المجتمع المصري بمرحلة انتقال من النظام السلطوي الذي كان قائما حتي ثورة25 يناير2011 إلي نظام ديمقراطي يقوم علي المنافسة الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة من خلال انتخابات حرة ونزيهة. لم تكن هناك تعددية حزبية حقيقية في ظل النظام البائد حيث كان هناك حزب مهيمن يحتكر السلطة بصفة دائمة وإلي جواره مجموعة من الأحزاب الصغيرة التي لا يسمح لها بالنمو إلي الدرجة التي تنافسه علي الحكم. فما هو مستقبل الحياة الحزبية في مرحلة الانتقال وهل يمكن أن نشهد تطويرا حقيقيا في التعددية الحزبية يسمح لجميع الأحزاب بالتنافس الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة؟ هناك عوامل أساسية تؤثر في التعددية الحزبية في أي مجتمع وهي التي تحدد مدي إمكانية نضج هذه التعددية من عدمه. في مقدمة هذه العوامل الإطار الدستوري والقانوني الذي تنشط الأحزاب السياسية في إطاره, حيث يتعين أن يعترف الدستور بالتعددية الحزبية وحق الأحزاب في ممارسة نشاطها دون أي قيود, كما يعترف بحق المواطنين في اعتناق الرأي والدعوة له وحقهم في التنظيم والتظاهر ودعوة الآخرين إلي الانضمام لأحزابهم, كما يوفر الشروط المجتمعية لممارسة عمل سياسي جماهيري متحرر من القيود, ويشترط ألا تصادر القوانين هذه الحقوق وأن تنظم فقط حق ممارستها وخاصة قوانين الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات. من العوامل المؤثرة أيضا في الحياة الحزبية طبيعة السلطة القائمة وهل هي سلطة ديمقراطية تولت الحكم من خلال وسائل ديمقراطية أم أنها سلطة استبدادية كما كانت الحال في مصر قبل2011, وهناك أيضا مدي توافر المنافسة المتكافئة لكل الأحزاب. ويدخل أيضا في دائرة العوامل المؤثرة في التعددية الحزبية سلبا وإيجابا مدي توافر المقومات الأساسية لأي حزب والتي لا يمكن بدونها اعتباره حزبا حقيقيا مثل البرنامج السياسي والكادر السياسي وشبكة العلاقات الجماهيرية والانتشار الجغرافي بما يؤكد أنه يعبر بالفعل عن قوي اجتماعية محددة في المجتمع. وهناك أخيرا عمق الانقسام الطبقي في المجتمع الذي يتجسد في شكل تعارض المصالح بين الطبقات مما يدفع هذه الطبقات إلي تشكيل أحزاب سياسية تدافع عن مصالحها في مواجهة الآخرين. ويمكن القول عموما إن مرحلة الانتقال في مصر تشهد تطورا إيجابيا بالنسبة لتوافر هذه العوامل المشجعة علي نضج التعددية الحزبية وزيادة عدد الأحزاب القادرة علي المنافسة علي تداول السلطة, وإن كان هذا التطور لا يسير بشكل كاف نحو ما نرجوه من تطور ديمقراطي. ولعل السؤال المهم هنا هو ما انعكاسات هذا التطور علي الخريطة الحزبية في مصر؟ وماقدرة الأحزاب السياسية علي المنافسة والوجود الفعال في الساحة السياسية؟ يختلف الوضع بالنسبة للأحزاب القديمة التي كانت قائمة قبل ثورة25 يناير والأحزاب الجديدة التي يجري تأسيسها حاليا. بالنسبة للأحزاب القديمة, هناك أحزاب المعارضة الرئيسية مثل الوفد والتجمع والناصري والغد والجبهة الديمقراطية والتي كانت محاصرة في ظل العهد البائد وكانت محرومة من التواصل مع الجماهير من خلال وسائل الإعلام ويتم التضييق عليها في العمل السياسي الجماهيري فكانت عضويتها محدودة ونفوذها السياسي ضعيفا. وهذه الأحزاب تواجه الآن تحديا كبيرا يتمثل في قدرتها علي كسب عضوية جديدة وخاصة من الشباب الذين جذبتهم الثورة إلي ساحة العمل السياسي ويتجاوز عددهم عشرين مليون مواطن, يمكن خلال كسبهم لعضوية هذه الأحزاب زيادة نفوذها في المجتمع وتوسيع نشاطها ليشمل كل أنحاء مصر, ويتطلب مواجهة هذا التحدي أن تغير هذه الأحزاب خطابها السياسي ليطرح حلولا حقيقية لمشاكل المجتمع المصري. أما الأحزاب القديمة الهامشية التي يتجاوز عددها أربعة عشر حزبا والتي لا تملك رؤية سياسية متكاملة ولا تعبر عن قوي اجتماعية محددة ولا يتوافر لها العدد الكافي من الكوادر السياسية ولا تزيد علي كونها تعبيرا عن شلة أو عائلة فإنه لا مستقبل لها خاصة بعد أن تم إلغاء الدعم الحكومي لها مما يجعلها غير قادرة علي مواصلة النشاط بإمكاناتها الذاتية. وبالنسبة للأحزاب الجديدة فإننا نلاحظ أنها تتوالد بسرعة كبيرة وهناك عشرات الأحزاب أعلن عن ميلادها حديثا منها أحزاب ليبرالية وأخري إسلامية وثالثة اشتراكية وهناك أحزاب لا هوية لها حتي الآن. هذه الأحزاب جميعا مطالبة بأن توفر في بنيتها المقومات الأساسية التي أشرنا إليها سابقا وأن تستكمل شروط تأسيسها كأحزاب مستقلة حيث نلاحظ أن الأحزاب الإسلامية الجديدة تم تأسيسها من خلال جماعات دينية قامت بوضع البرنامج السياسي واختيار القيادات واختيار العضوية مما يعني أنها لا تزيد الآن علي كونها ذراعا سياسيا لجماعة دينية وليس حزبا سياسية مستقلا وهو ما يعطيها ميزة علي غيرها من الأحزاب بالجمع بين الدعوة الدينية والعمل السياسي في مخالفة صريحة للممارسة الديمقراطية وشروط تأسيس الأحزاب, كما أن الأحزاب الليبرالية يغلب عليها أنها تتأسس بمبادرات من كبار الرأسماليين مما يهدد استقلالها التنظيمي والفكري ويجعلها أداة في يد هؤلاء الرأسماليين خاصة إذا كانوا الممول الأساسي لنشاطها, أما الأحزاب الاشتراكية فهي تنشط في دوائر محدودة لا تتناسب مع القوي الاجتماعية التي تدافع عن مصالحها, كما أن هذه الأحزاب تعاني من ضعف الإمكانات المادية. وبالنسبة للأحزاب القومية فإنه لا يوجد حتي الآن ما يشير إلي إمكانية قيام أحزاب ترقي إلي مكانة التجربة الناصرية التي طورت الاقتصاد المصري وحققت تقدما كبيرا. هناك جهد كبير يجب أن يبذل من كل الأطراف للإسهام في إقامة حياة حزبية ناضجة تكون أساسا لنظام ديمقراطي فاعل. وهناك تنسيق مطلوب من كل القوي السياسية علي اختلاف توجهاتها لدعم التطور الديمقراطي المنشود من أجل تحقيق هدف الثورة الأسمي وهو إقامة دولة مدنية ديمقراطية ينعم جميع المواطنين في ظلها بالمساواة والعدالة والحرية. المزيد من مقالات عبدالغفار شكر