خلال حقبة التسعينيات من القرن العشرين، أصبح مصطلح المواطنة، ذلك المصطلح القديم، موضة ، وهو المعنى الذي يستخدم الأنجلو ساكسون مقابلاً له، هوmorals (الأخلاق). والغاية منه التدبّر والتأمّل كثيرًا في الأخلاق، وكذا في الحق والسياسة. تكاثرت نظريات المواطنة، والإشارة إليها في الخطاب الأخلاقي، بمعناه الواسع، أي المواطنة السياسية للأفراد في دولة قومية، ومواطنة تتجاوز حدود القومية في حالة الجماعات التي تتجاوز حدود الدولة، مثل الاتحاد الأوروبي، ومواطنة كونية، في إشارة إلى جمهورية عالمية. هاتان الفقرتان تعكسان الغاية الأساسية من هذا الكتاب الذي يعتبر الاول من نوعه في الترجمات الي العربية فى باب الحديث عن الهوية والمواطنة وأبعادها المختلفة. ومن هنا كان اختيارنا له, آخذين في الحسبان بعدين: أولهما أنه كتاب فلسفي يعمل علي ان يكون المنطق والفلسفة قريبين من جمهرة القراء؛ وأنه جزء من التيارات الفكرية المكتوبة بالإسبانبة, حيث اصبحت هذه اللغة التي يتحدث بها ما يزيد علي خمسمائة مليون مواطن وعاء معرفيا مهما ينبغي ان ننقل بعض ثمراته الي العربية؛ كما أن لنا بأهل هذه اللغة علاقات ووشائج قديمة( المرحلة الأندلسية) وحديثة( المهجر العربي في امريكا اللاتينية). أما الأمر الثاني فهو تللك المرحلة الراهنة التي تتسم بالضبابية في بعض البلدان العربية, وخاصة ما يتعلق بقضية الهوية الوطنية وملامحها ومكوناتها المختلفة. يدور كل ذلك في عرض شيق ومبسط بالنسبة لهذه المادة الجديدة في العالم العربي. يتألف الكتاب من مقدمة وفصول سبعة, اضافة الي خاتمة .يتناول الفصل الاول مجموعة من العناصر المهمة فى موضوع المواطنة, مثل الليبرالية والحد الأدني من العدالة والتمدن وكونه فضيلة ضرورية, ثم الجماعية وأفضل ما تكون عليه الحياة لتصبح حياة جيدة. ثم مفهوم المواطنة والنقاش الدائر حوله وتأثير الاتجاهات الكانطية والهيجلية علي تحديد المفهوم. ثم يتناول الفصل التالي الجوانب المختلفة للمواطنة, والتي تشكل في مجموعها المفهوم الجامع او الشامل أو الاكثر اتساقا لمفهوم المواطنة: هناك المواطنة السياسية التي تنظر اليها المؤلفة علي أنها ، في البداية ، علاقة بين الفرد والمجتمع السياسي, وبناء عليه يكون الفرد هو عضو كامل الحقوق في المجتمع الذي يعيش فيه ، ثم تتناول المواطنة من حيث هي اسهام في المجتمع السياسي وماهية المشاركة المثالية التي يبحث عنها المواطن . وتشير في هذا المقام الي الموروث التراثي الاثيني وحدوده وجوانب القصور فيه والفرق بين النظرية والتطبيق, ثم تعرج بعد ذلك الي عرض المفاهيم الحديثة للمواطنة في ظل الدولة الحديثة ومفهوم الامة وما يعتور هذا المصطلح من غموض وتحاول توضيحه . ويتناول الفصل الثالث البعد الاجتماعي للمواطنة, حيث تتعرض المؤلفة لجوانب مهمة, ومنها أنه اذا ما كانت الدولة القومية هي النواة الاساسية في عالم السياسة خلال الاربعمائة سنة الأخيرة، فإن تحول الدولة الي دولة الرفاهية بدأ خلال العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر، علي يد بسمارك الذي كان مناوئا للاشتراكية. ثم تنتقل الي الحديث عن التضامن المؤسسي والانتقادات الموجهة اليه, وأن دولة الرفاهية في أزمة خلال الآونة الأخيرة. كما تشير الي أن التضامن الاجتماعي و الدولة الاجتماعية مطلب أخلاقي, ومعه العمل علي تأسيس الحد الأدني للعدالة وليس الرفاهية. البعد الاقتصادي للمواطنة هو ما تتناوله في الفصل الرابع, حيث تشرح في بداية الفصل معني مواطن اقتصادي ، وهذا البعد هو نوع من التطور والتدهور في آن معا لمفهوم المواطنة الاجتماعية, لأنه يغذي السلبية وبالتالي من المهم العمل علي دعم ما يسمي ب.. المواطنة النشطة.. القادرة علي تحمل مسئولياتها. وتنعي. وهذا الفصل أكبر نسبيا بالمقارنة بباقي الفصول لما للاقتصاد من أهمية. الفصل الخامس يشرح مفهوم المواطنة المدنية ومضمون المجتمع المدني, وأن الإنسان ليس مجموع العناصر المختلفة المشار اليها في الفصول السابقة فحسب, بل هو في الاساس عضو في مجتمع مدني وجزء من مجموعة من التنظيمات غير السياسية وغير الاقتصادية, وهي امور جوهرية لإدراجه اجتماعيا وكذلك بالنسبة لأمور حياته اليومية. يتناول الفصل ايضا المهن وأخلاقيات المهن والرأي العام وأهميته كحقل لممارسة المواطنة المدنية. ثم هناك ملمح مهم تناوله الفصل السادس, ألا وهو مواطنة الثقافة البينية والتعددية الثقافية في المجتمع الواحد, إضافة الي التعددية الإثنية. وإذا كانت المواطنة رابطة واحدة بين المجموعات الاجتماعية المختلفة فلا يمكن أن تكون إلا مواطنة مركبة وتعددية ومتباينة بالنسبة للمجتمعات التي تتعايش فيها ثقافات مختلفة، أي موطنة التعددية الثقافية، وأن تكون قادرة علي التسامح أو الاحترام المتبادل او التكامل بين الثقافات المختلفة لمجتمع سياسي بحيث يمكن لأعضاء هذه الجماعة السياسية الشعور عن حق بأنهم مواطنون من الدرجة الأولي. يتناول الفصل ايضا عدة جوانب من الموضوع , مثل هل كل الثقافات في المجتمع الواحد علي الدرجة نفسها من الجدارة. بعد هذا التطواف ، تكرس المؤلفة الفصل السابع لمسألة التربية في اطار المواطنة, وما اذا كانت هنا قواعد تحكم الميول والتربية في اطار القيم المدنية ومفهوم الحرية والحرية مع المشاركة والحرية كاستقلال والمساواة ... الختام لهذا التطواف هو استشراف للمستقبل. ومن هنا جاءت مناقشة الكاتبة فى الخلاصة التى اختارت لها عنوانا ذا مغزي, وهو المواطنة الكونية وأبعادها المختلفة.
الكتاب :مواطنون فى العالم -نحو نظرية فى المواطنة تأليف : أديلا كورتينا ترجمة -الدكتور على المنوفى الناشر : دار كتب خان للنشر والتوزيع الصفحات : 190 صفحة