يقدم هذا الكتاب لمفهوم (المجتمع المدني) منذ ظهوره داخل المجتمع اليوناني وارتباطه بوجود المدنية ، حيث التمييز بين ما هو فردي وما هو عمومي ، وحديثاً في تحديد الدور والوظيفة في البناء السياسي والاقتصادي في الدولة القومية ، وهو بهذا المعنى يقدم التجربة الغربية في صناعة المؤسسات المدنية ومنها يعالج مجموعة من المفاهيم والقضايا الأكاديمية التي تزيح الستار عن معوقات نشأة المجتمع المدني في عالمنا العربي باستعراض البنية الاجتماعية والثقافية والسياسية ؛ التي تعمل في إطارها منظمات المجتمع المدني فتقع بين ثقافة العجز ، واسترقاق السلطة للمجتمع واحتكار للحراك الاجتماعي وبين مقايضة القوى الخارجية. في الفصل الأول من الكتاب ، يتناول المؤلف صالح السنوسي نشأة وتطور مفهوم المجتمع المدني في الغرب وذلك من خلال الإشارة إلى المبررات السياسية والمبررات الاقتصادية لنشأة المجتمع المدني في الغرب. عن المبررات السياسية ، يقول المؤلف: كانت المدنية هى المرجعية العليا التي يدور حولها الفكر السياسي اليوناني ، منها مصدر المواطنة والانتماء ، انطلاقاً منها يتم تحديد معايير المصالح ، بل إن الكثير من المصطلحات، والمفاهيم ، مشتقة من اسمها مثال: (Politic) سياسة. ويضيف: الانشغال بالسياسة الذي يجري على ضوئه تصنيف المجتمع المدني ، فالفرد الذي يشارك في إدارة المدنية، وينصب كل اهتمامه على المصلحة العامة ، هو عضو في المجتمع السياسي في المدينة ، أما الأفراد الذين يهتمون بمصالحهم الخاصة فقط ، وبالرغم من أن مردود نشاطهم داخل أمرهم ، وقراهم ، قد يصب بشكل أو بآخر في المصلحة العامة ، إلا أنهم يعتبرون أعضاء في المجتمع السياسي ، وانطلاقاً من هذا التصنيف، يجري إطلاق أحكام قيمة على الفئتين. ويرى المؤلف: أن تنظيم المجتمع المدني لا يقوم على المصالح الخاصة فقط ، لأن المصالح الفردية ليست ذات قيمة متساوية ، بينما تبدو منفعة الأفراد متساوية داخل دائرة المصلحة العامة التي تمثلها الدولة ، ويعبر عنها النشاط داخل المجتمع السياسي ، ولذا فإن المجتمع المدني لا يوجد بموازاة المصلحة العامة أو خارج الدولة ولا بمعزل عن المجتمع السياسي. وينتقل المؤلف إلى الحديث عن المبررات الاقتصادية لنشأة المجتمع المدني في الغرب ، فيقول: مرّ حال المجتمع الغربي بمرحلتين شكلت خلالهما عدة مفاهيم كان من بينها : مفهوم الدولة والمجتمع المدني ، ورغم أن المدة الزمنية التي تفصل بين المرحلتين كبيرة إلا أن التواصل والتراكم اللذين ميزا مسيرة الثقافة والمجتع الغربي جعلا من الزمن عنصراً إيجابياً في عملية التطور . ويذكر المؤلف: لقد اختلف تاريخ التطور الاجتماعي العربي عن نظيره في الغرب ، ولذا فإن الفرد العربي وجد نفسه تتجاذبه ثلاث دوائر هى: العصبية بمختلف أشكالها ، الدولة ، ثم المجتمع المدني. ومثالاً عن العلاقة بين نشأة الدولة والعصبة . وفي الفصل الثالث يتناول المؤلف منظمات المجتمع المدني الغربية بين عجز المجتمع واستبدادية السلطة وذلك من خلال ثلاثة أقسام ، وهى: ثقافة العجز ، استرقاق السلطة للمجتمع ، احتكار السلطة للحراك الاجتماعي. فعن ثقافة العجز ، يقول: لعب الموروث الثقافي الدور الأكبر في تجذير ثقافة العجز الجماعي ، وذلك عن طريق تنمية روح الخلاص الفردي التي تعتبر المصل المضاد لروح الفعل الجماعي ، فمكونات الثقافة الشعبية من أمثال وأقوال مأثورة وعادات هى التي تلعب الدور الأكبر في تشكيل شخصية الفرد ، بحيث يصبح الجهاز المفاهيمي وأدوات وآليات الوعي والإدراك لديه ، مستمرة من هذه الثقافة. صراع السلطه يكشف المؤلف احتكار السلطة للحراك الاجتماعية ، فيقول: تحتكر السلطة العربية الحياة السياسية والاجتماعية باسم الدولة ، ولهذا فهي تقوم بعملية تمييع للحركه السياسية الاجتماعية عن طريق السيطرة على كل نشاطات المجتمع، فتعمل على تأسيس بعض المنظمات التي تبدو في ظاهرها وكأنها في خدمة المجتمع ، بينما هى زوائد تابعة للسلطة تعتاش على التمويل الرسمي ، ولاقت هذه المنظمات تشجيع من قبل السلطة ، وذلك في حدود نشاطها غير السياسي ، وكان ذلك من أجل حرف الاهتمام عن الحركة السياسية التي تجتاح المنطقة ولقد زاد من قدرة السلطة على تمييع الحركة السياسية والاجتماعية. في بعض البلدان العربية تدفقت الثروة البترولية ، حيث استطاعت السلطة في هذه الدولة الربعية أن توفر الحاجات والرفاهية للمواطن ، كتعويض عن حقوقه السياسية ، كما استطاعت أن تؤسس أجهزة أمنية فعالة ، عززت من قدرتها على الضبط والسيطرة. وفي خاتمة الكتاب ، خلص المؤلف إلى أن المجتمع المدني بمعناه الذي يتجاوز جمعيات البر والإحسان إلى منظمات فاعلة سياسياً واجتماعياً وثقافياً ، لا يمكن أن ينشأ في الفراغ والخواء السياسي ، بل يجب أن يسبقه مناخ سياسي تعددي يخلف حراك سياسي تعددي من خلال أحزاب وتنظيمات سياسية قوية قادرة على مواجهة السلطة ، فبدون هذا الحراك لا يمكن أن يقوم مجتمع مدني بتنظيماته الفعالة إلا في وجود مناخ سياسي ديمقراطي صنعته التنظيمات السياسية التي تصارع السلطة على رقعة الحريات والديمقراطية السياسية.