جامعة بنها ضمن أفضل 10 جامعات على مستوى مصر بتصنيف كيواس للتنمية المستدامة    وزير التعليم العالي يبحث سبل تعزيز التعاون مع السفير السعودي بالقاهرة    أسعار النفط تهبط بعد تقرير ارتفاع مخزونات الخام والوقود في أميركا    19 نوفمبر 2025.. أسعار الأسماك بسوق العبور للجملة اليوم    رئيس الجمارك: وزير المالية يسعى لتخفيف الأعباء عن المستثمرين لتيسير حركة التجارة    التضخم في بريطانيا يتراجع لأول مرة منذ 7 أشهر    تداول 97 ألف طن و854 شاحنة بضائع بموانئ البحر الأحمر    منال عوض تترأس الاجتماع ال23 لمجلس إدارة صندوق حماية البيئة    ما هي مبادرة الرواد الرقميون وشروط الالتحاق بها؟    "الأونروا" تؤكد استعدادها لإدخال مساعدات لغزة وتحذر من تفاقم الأزمة الإنسانية    حريق هائل يلتهم أكثر من 170 مبنى جنوب غرب اليابان وإجلاء 180 شخصا    رئيس القابضة لمصر للطيران في زيارة تفقدية لطائرة Boeing 777X    برشلونة يعود رسميا لملعب كامب نو في دوري أبطال أوروبا    ضبط 5.4 طن دجاج وشاورما غير صالحة في حملة تموينية بأجا بالدقهلية    أخبار الطقس في الإمارات.. ارتفاع نسب الرطوبة ورياح مثيرة للأتربة    الحبس 15 يوما لربة منزل على ذمة التحقيق فى قتلها زوجها بالإسكندرية    6 مطالب برلمانية لحماية الآثار المصرية ومنع محاولات سرقتها    معرض «رمسيس وذهب الفراعنة».. فخر المصريين في طوكيو    مهرجان مراكش السينمائى يكشف عن أعضاء لجنة تحكيم الدورة ال 22    وفد من المجلس العربي للاختصاصات الصحية يزور قصر العيني لاعتماد برنامج النساء والتوليد    جيمس يشارك لأول مرة هذا الموسم ويقود ليكرز للفوز أمام جاز    اليوم.. أنظار إفريقيا تتجه إلى الرباط لمتابعة حفل جوائز "كاف 2025"    موعد مباراة الأهلي وشبيبة القبائل بدوري أبطال أفريقيا.. والقنوات الناقلة    تنمية متكاملة للشباب    إطلاق أول برنامج دولي معتمد لتأهيل مسؤولي التسويق العقاري في مصر    وزير الري يؤكد استعداد مصر للتعاون مع فرنسا في تحلية المياه لأغراض الزراعة    ندوات تدريبية لتصحيح المفاهيم وحل المشكلات السلوكية للطلاب بمدارس سيناء    الإسكندرية تترقب باقي نوة المكنسة بدءا من 22 نوفمبر.. والشبورة تغلق الطريق الصحراوي    مصرع 3 شباب فى حادث تصادم بالشرقية    أبناء القبائل: دعم كامل لقواتنا المسلحة    زيلينسكي: الهجوم الروسي أدى لمقتل 9 أشخاص    بولندا تستأنف عملياتها في مطارين شرق البلاد    هنا الزاهد توجه رسالة دعم لصديقها الفنان تامر حسني    «اليعسوب» يعرض لأول مرة في الشرق الأوسط ضمن مهرجان القاهرة السينمائي.. اليوم    رحلة اكتشاف حكماء «ريش»    بعد غد.. انطلاق تصويت المصريين بالخارج في المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب    الصحة: «ماربورج» ينتقل عبر خفافيش الفاكهة.. ومصر خالية تماما من الفيروس    صحة البحر الأحمر تنظم قافلة طبية مجانية شاملة بقرية النصر بسفاجا لمدة يومين    المنتخبات المتأهلة إلى كأس العالم 2026 بعد صعود ثلاثي أمريكا الشمالية    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    أسعار الفاكهة اليوم الاربعاء 19-11-2025 في قنا    بعد انسحاب "قنديل" بالثالثة.. انسحاب "مهدي" من السباق الانتخابي في قوص بقنا    الضفة.. جيش الاحتلال الإسرائيلي يعتقل 100 فلسطيني شمالي الخليل    شهر جمادي الثاني وسر تسميته بهذا الاسم.. تعرف عليه    زيلينسكي يزور تركيا لإحياء مساعي السلام في أوكرانيا    بحضور ماسك ورونالدو، ترامب يقيم عشاء رسميا لولي العهد السعودي (فيديو)    زيورخ السويسري يكشف حقيقة المفاوضات مع محمد السيد    انقلاب جرار صيانة في محطة التوفيقية بالبحيرة.. وتوقف حركة القطارات    ما هي أكثر الأمراض النفسية انتشارًا بين الأطفال في مصر؟.. التفاصيل الكاملة عن الاضطرابات النفسية داخل مستشفيات الصحة النفسية    النائب العام يؤكد قدرة مؤسسات الدولة على تحويل الأصول الراكدة لقيمة اقتصادية فاعلة.. فيديو    أبرزهم أحمد مجدي ومريم الخشت.. نجوم الفن يتألقون في العرض العالمي لفيلم «بنات الباشا»    حبس المتهمين في واقعة إصابة طبيب بطلق ناري في قنا    آسر نجل الراحل محمد صبري: أعشق الزمالك.. وأتمنى أن أرى شقيقتي رولا أفضل مذيعة    دينا محمد صبري: كنت أريد لعب كرة القدم منذ صغري.. وكان حلم والدي أن أكون مهندسة    مشروبات طبيعية تساعد على النوم العميق للأطفال    داعية: حديث "اغتنم خمسًا قبل خمس" رسالة ربانية لإدارة العمر والوقت(فيديو)    هل يجوز أداء العشاء قبل الفجر لمن ينام مبكرًا؟.. أمين الفتوى يجيب    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 18نوفمبر 2025 فى المنيا....اعرف صلاتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملفات إصلاح النظام السياسى فى مصر (4-4) .. مصر على أعتاب مفترق طرق.. ثلاثية الإصلاح والتغيير
نشر في المصري اليوم يوم 11 - 12 - 2009

تكاد مصر أن تصل، بعد برهة وجيزة إلى مفترق طرق، فها نحن، للمرة الأولى بعد 1952 لا نعرف على وجه الدقة أو اليقين إلى من وكيف ستنتقل سلطة الحكم ورئاسة الجمهورية الرابعة، لأنه لم يبت الأمر بعد فى ما يسمى اصطلاحاً بعملية «التوريث» وهنا، كما فى الحالات المشوشة والتى يسودها اللايقين، يجرى عادة الاستعانة بالسيناريوهات الافتراضية، وفى الحالة المصرية يمكن قراءة أربعة من هذه السيناريوهات:
1- أن يتشبث الرئيس مبارك، ما دام قلبه ينبض على حد تعبيره، بولاية حكم جديدة ويمضيها إلى نهايتها.
2- أن يدعو الرئيس بعد فترة من ولايته الجديدة فى ثلثها الأول أو منتصفها إلى انتخابات جديدة مبكرة ويساند خليفته ويدعم حكمه فيما يقدر الله له من العمر.
3- أن تضعف قبضة الرئيس فتظهر الصراعات الداخلية وقد يتطور الأمر لخروجها عن السيطرة.
4- أو أن تختلط كل الأوراق فى حالة غياب الرئيس ويعاد النظر فى ترتيبها.
ورغم ما لكل واحد من هذه السيناريوهات من منطق مختلف وشروط مميزة فإنها تجتمع على ترجيح احتمال إجراء عملية نقل السلطة فى مصر من داخل النظام بالتوافق بين مراكز ثقله وليس من خارجه.
ومع هذا فإن مصر ستجد نفسها، موضوعيا، على عتبة مفترق طرق لأنه لم يعد من الممكن للنظام فى مصر أن يبقى محتجزاً لاطول من ذلك فى أزمة مارس 1954 وما أفرزته من نظام سياسى لا نزال نعيش فى ظله، كما لايمكن لطاقات المجتمع المصرى أن تبقى لأطول من ذلك محتجزة فى أزمة صدمة الحداثة أو التصادم معها.
لكن اقتراب مصر من اللحظة التاريخية للوقوف على مفترق طرق يستوجب التزود بقدر ولو قليل من الحكمة ربما مثل تلك التى وردت بشكل رمزى فى القصة الشهيرة «أليس فى بلاد العجائب؟» التى صدرت فى عام 1865 وتحكى مغامرات طفلة انزلقت إلى عالم غريب مع الحيوانات،
وعندما وصلت هذه الطفلة إلى مفترق طرق سألت صديقتها القطة عن أى الطرق التى يجب أن تسلكها، فردت بقولها: ما دمت لاتعرفين الهدف فليس مهما أى الطرق تسلكين، وكأن نفس هذا المعنى قد تردد قبل ذلك بكثير فى مقولة للفيلسوف سينيكا (4.م- 65م) قال فيها: «عندما لايعرف الإنسان الميناء الذى سيتوجه إليه فإن أى رياح ستهب لن تكون هى الرياح الصحيحة»،
وقبل أن تقترب مصر من الوقوف على عتبة مفترق الطرق ينبغى للمصريين أن يتوافقوا على هدفهم القومى، كانت كثير من الأمم قد اعتبرت أنها على مفترق طرق قبيل الدخول فى الألفية الثالثة وحددت كل منها أهدافها المنظورة، وشهد القرن الجديد ميلاد ظاهرة برامج 2020 التى أنجزتها دول عديدة فى العالم وحددت فيها أهدافها عند مفترق الألفية الثالثة.
وليس أقل من أن نكون فى مصاف الدول المتقدمة اقتصاديا وأن نكون فى مصاف الدول المستقرة فى أنظمتها السياسية الديمقراطية وأن نرتقى إلى مكانة متقدمة على مدرج الدول التى تكفل الرفاهية لمواطنيها وترعى جميع حقوقه.
هذا هو الهدف الذى تستحقه مصر والتحدى الذى ينبغى أن يرفعه المشروع القومى الجديد، ولم يعد من المقبول أن تبقى مصر فى حالة انعدام الوزن ولا تغادر الدوران فى فلك دول العالم الثالث التى تسمى بالدول النامية، وكل برنامج للإصلاح السياسى يجب أن يرتبط بهذا الهدف الذى يؤمن للمواطن المصرى حصة أكبر وأفضل من تنمية وتوسيع كعكة الدخل القومى إلى حدها الأقصى الممكن،
وقد يتعذر على الأحزاب فى مصر إدراك ما تدعو له من إصلاح سياسى حقيقى طالما هى تتمسك بإستراتيجية أحادية للتغيير من أعلى وتمشى مقلوبة على رأسها، ولا تمتلك بعد ما يؤهلها لأن تبرهن لعموم المصريين أن الإصلاح السياسى هو شرط ضرورى ولازم لتحقيق الأهداف القومية لمصر ولتحسين الأوضاع الشخصية للمواطنين،
وقد أشرنا فى مقالات سابقة إلى عجز هذه الأحزاب عن إيجاد أدنى صلة بين أشكال الاحتجاج المطلبية التى اجتاحت مصر فى السنوات الثلاث الأخيرة وبين برامج الإصلاح السياسى، وعجزها عن استعادة العافية للحركة الطلابية فى الجامعات وعجزها عن دمج منظمات المجتمع المدنى والمنظمات غير الحكومية فى مشروع الإصلاح السياسى، وقد لايتحقق كل هذا بما أسماه رئيس حزب الوفد مؤخراً بالذهاب إلى الجماهير بدلا من انتظار أن تأتى هى إلى الحزب، وكأنه يعيد الآن اكتشاف العجلة، لأنه ليس هناك من حزب فى مصر من أيام الاتحاد الاشتراكى إلى الحزب الوطنى لم يرفع الشعارات الفارغة عن النزول للجماهير والالتحام بالشعب؟!
ولا يمكن قبول منطق الأحزاب الذى يخفى عجزه الذاتى فى هذا المجال خلف المبررات التى تتحدث عن تقييد أجهزة الأمن لحركتها وسط الجماهير، ولو كانت هذه المبررات صحيحة لما شهدت البشرية، بما فيها مصر، أى ثورة أو إصلاح أو تغيير فى كل تاريخها، لأن الشرطى، وليس أى شىء آخر، هو أقدم مهنة فى التاريخ، ومع ذلك لم يخل سجل هذا التاريخ من ثورة أو أنتفاضة أو هبة أو تمرد أو عصيان مدنى أو احتجاج أو حركة للإصلاح والتغيير، المهم أن تكون مستعدا لدفع الثمن لأن الأحزاب ليست أندية أو وكالات للسياحة والسفر وهى تدعو جماهيرها للتغيير السياسى وليس لمتعة الاستجمام والاستحمام والتسوق .
ولهذا تثير الحالة السياسية فى مصر المزيد من الأسئلة حول طبيعة ودور النخبة، حيث يرى البعض أنها تتحمل المسؤولية الأولى عن تردى الأوضاع السياسية فى مصر بما فى ذلك الأوضاع الحزبية، وتمتد هذه المسؤولية حتى إلى النخب التى اختارت أن تلعب دوراً موهوماً للإصلاح من داخل الحزب الوطنى، فيما يحمل البعض الآخر هذه المسؤولية للأحزاب المصابة بالعقم المزمن وعدم القدرة على التفاعل مع المجتمع وتوليد أجيال جديدة من النخب التى تحمل راية الإصلاح السياسى ومشعل التنوير الفكرى والثقافى.
ومن المثير حقا للاستنكار والدهشة أن نصادف فى القرن الواحد والعشرين نفس المعارك الفكرية التى واجهتها النخبة المصرية فى أواخر القرن التاسع عشر وكادت أن تنتصر فيها لحرية العقل ومواكبة الحداثة والتقدم وكأننا لم نفارق بعد اللحظة التى عرفتها مصر قبل قرن كامل من الزمان والتى واجهتها وانتصرت فيها النخب فى المجتمعات الأخرى قبل أكثر من خمسة قرون، وهناك من يرى أن الوضع الراهن هو أكثر تراجعا حتى من الحالة التى واجهت فيها النخب المصرية لحظة الصدمة مع الحداثة التى فجرتها الهزيمة أمام البونابرتية فى عام 1798،
فبعد اكثر من 170 عاما وقعت صدمة هزيمة 1967 ما أدى إلى تراجع قطاعات ليست قليلة من النخبة المصرية عن مشروع الدولة المدنية والالتحاق بالتقدم والحداثة بل والارتداد إلى المشروعات السلفية ووصل الأمر ببعض رموز النخبة المصرية المعاصرة إلى حد إدانة كل رموز الإصلاح الفكرى والسياسى ولم يسلم من ذلك الافتراء ممثلو السلفية الإصلاحية الشيخ حسن العطار والشيخ محمد عبده، والمصلحون الآخرون مثل رفاعة الطهطاوى والشيخ على عبدالرازق وأحمد لطفى السيد وقاسم أمين وغيرهم ممن تتهمهم النخب المتحولة للسلفية الجهولة بالتغريب؟،
رغم أن هذه النخبة الجهولة لم تنتج أى أثر فكرى يتجاوز أو حتى يجارى ما وضعه هؤلاء فى زمانهم، يكفى أن نشير هنا إلى ما ورد فى كتاب طه حسين «مستقبل الثقافة فى مصر» الذى صدر فى 1938 وقال فيه: «مادام لاكهنوت فى الإسلام ولم تنشأ فيه طبقة ذات منفعة معينة فى سيطرة الدين على المجتمع فلن يكون من الممكن إجراء فصل بين الدين والمدنية مماثل لذلك الذى أجرى فى أوروبا فحسب بل إن ذلك سيكون أسهل على المسلمين منه على المسيحيين»،
ولو قرأت مثل هذه العبارة اليوم بعد 70 سنة على مسامع مجلس الشعب لطلب نواب الوطنى قبل نواب الإخوان من الدكتور فتحى سرور شطبها من مضبطة الجلسة واستصدروا قرارا بالأغلبية بتكفير طه حسين وتجريده من عمادة الأدب العربى وربما تكليف السيد حبيب العادلى بإلقاء القبض عليه؟!،
لكننا مع ذلك نعتقد أنه لا مستقبل للمشروع السلفى المجهول فى مصر كونه سيتصادم موضوعيا مع حركة التاريخ للأمام ومع الحراك الاجتماعى وتوق الأجيال الجديدة فى مصر للالتحاق بالتقدم والحداثة وليس الارتداد عنها أو التصادم معها، لكن المشكلة تبقى فى محنة النخبة التى تتحايل الآن لأسلمة الحداثة بدلا من أن تحدث التفكير الدينى وتنتصر للعقل على النقل وللتقدم على التأخر وتكون قادرة على الرد على موشى دايان الذى قال بعد 67: «ليتهم يسألون أنفسهم لماذا يتحدثون دائما عن عظماء ماضيهم ولا يجدون فى حاضرهم أحدا من العظماء يتحدثون عنه».
ولتفادى الوقوع فى الخطأ المتكرر لإعادة وصف المشهد السياسى للنخب فى مصر فأنه يمكن اقتراح سلة من الخيارات العملية لإيجاد مخارج، ولو انتقالية، لإشكالية النخبة فى مصر، ومن ذلك مثلا اقتراح مايلى:
1- أن تبادر قوى ما من النخبة فى مصر للدعوة إلى إطار ديمقراطى يدعو للتوافق حول بيان نهضوى للإصلاح الدينى والفكرى والثقافى ويؤسس لمدرسة مفتوحة وحرة تهتم برفد الواقع الراهن بدماء جديدة تعزز النخب الإصلاحية فى مصر.
2- أن تبادر المؤسسات القائمة فعلا (اتحاد الكتاب/ الجمعيات الأهلية غير الحكومية/ بعض الصحف الخاصة/ الفنانين...
إلخ) إلى إعادة تعريف وظيفتها الفكرية والثقافية وإعادة تحديد أدوارها الاجتماعية فى إطار مشروع إصلاحى نهضوى تنتظم فيه المبادرات الفردية والقطاعية المبعثرة.
3- أن يجتهد الجميع فى حل إشكالية العطالة التى أصابت دور الجامعات فى مصر لتستأنف دورها المحتجز فى تكوين كوادر نخبوية جديدة، وتبدو حركة 9 مارس لهيئة التدريس إذا ما ربطت الصلة بالجماعات الطلابية مؤهلة لتحمل قسم من هذه المسؤولية الخطيرة.
4- أن الاحزاب المصرية، حتى فى وضعها الراهن، يمكن أن تستعيد تقاليد مدارس الكادر ليس فقط لتلقين أيديولوجاتها وإنما للانفتاح على معارف فكرية وثقافية أوسع بما يسهم فى تكوين كادرات نخبوية جديدة.
5- بذل الجهد لتشبيك المواقع الليبرالية على الإنترنت وإيجاد الوسائل المناسبة لنقل إسهامات الشباب من الفضاء الافتراضى إلى الواقع المجتمعى.
ومن جهة أخرى كانت ردة فعل الشارع المصرى، وخاصة فى القطاع الواسع للشباب، على نكسة أم درمان الكروية قد اجتذبت العديد من التأويلات، التى كان أكثرها تميزا التأويل الذى عزا ما حدث إلى الرغبة العارمة لهذا الجيل فى البحث عن هويته الوطنية واحتجاجه على طمس الطابع الوطنى لهذه الهوية تحت وطأة الدوائر الثلاث، القومية العربية والأفريقية والاسلامية، فضلا عن استدعاء الدائرة الفرعونية فقط عندما يتعلق الأمر بالمنافسات الرياضية،
ومن البديهى أن تحتل إشكالية الهوية الوطنية مكانتها المركزية فى صلب أى مشروع للإصلاح السياسى فى مصر بالنظر لموقف التيار القومى الذى يقدم العروبة على الوطنية المصرية ويبدو متناقضا فى مواقفه عندما يرفع صوته بالمعارضة فى مصر فيما يبتلع لسانه إزاء نفس الظواهر العربية التى يعارضها هنا (التوريث فى سوريا والتمديد والتوريث فى الجماهيرية والقمع والتمييز الإثنى والدينى فى السودان...الخ)،
وبالمقابل يعتمد الإخوان المسلمين فى مصر مفهوما مختلفا للأمة تعنى به الأمة الإسلامية وليس الأمة المصرية، ومن المفارقات الطريفة أن يعلن مرشد الإخوان عن رفضه لولاية المرأة المصرية أو القبطى المصرى فيما يقبل تولية أى مسلم ولو من زمبابوى أو سيرلانكا على حكم مصر (الإسلام الأسيوى ولى النساء الرئاسة فى الباكستان وبنجلاديش، والهند ذات الأغلبية الهندوسية ولت عليها رئيسا مسلما وتخلفه الآن امرأة)، والطريف أن المرشد نفسه يرفض ولاية غير المصرى على منصب المرشد العام للإخوان، ويبدو أن الإخوان كتنظيم أعز على قلب المرشد من مصر كدولة ووطن، ولهذا يبدو من الضرورى أن يشتمل كل برنامج للإصلاح السياسى على ما يحسم مفهوم هوية مصر والمصريين.
ولا تتوقف إشكالية الإصلاح السياسى فى مصر على هذه الامور المهمة، اذ ثمة ماهو أهم وأخطر منها تعطيلا لعمليات الإصلاح، ويتعلق الأمر بانسحاب أو استقالة الأغلبية من الشعب المصرى من المشاركة فى الحياة السياسية، وبهذا الصدد تشير الدراسات إلى انحسار عضوية المصريين فى الأحزاب إلى ما هو أقل من نسبة 5%من السكان والقسم الأكبر من هذه النسبة ينتسب إلى عضوية الحزب الوطنى لأسباب واضحة ومعروفة،
كما لاتتجاوز نسبة المشاركة فى الانتخابات 20% من المسجلين فى القوائم، وتعود هذه الظاهرة فى أصلها إلى سببين متعاقبين تاريخيا، الأول منهما يعود إلى مرحلة النظام الأبوى الناصرى الذى كان يبسط وصايته على المصريين ويفرض نموذج الحزب الواحد ويقمع أى مبادرة للعمل السياسى المستقل بما حدا بالمصريين إلى اعتزال العمل السياسى مبكرا والاستقالة من الحياة السياسية، ولم يتغير هذا الأمر فى جوهره فى ولاية الرئيس مبارك لأن المواطن المصرى بات يطرح سؤال الجدوى من المشاركة فى نظام الحريات المقيدة وفى ظل احتكار حزب الأغلبية للحكم وإقصاء وتهميش المعارضة
وفى ظل العجز الذاتى لأحزاب المعارضة عن تمثيل الأغلبية الصامتة من الشعب وقد انعكست كل هذه الظواهر سلبا على الحالة الفكرية والثقافية للمجتمع المصرى، لأن استقالة المصريين وعزوفهم عن المشاركة السياسية تزامنت مع استقالة العقل الجمعى من وظائفه فى التفكير النقدى الحر والانشغال بقضايا الوطن والمجتمع وانجرف إلى الانشغال بالقضايا البيولوجية للبقاء على قيد الحياة، وأشاعت الثقافة السلفية الجهولة قيم التعصب الدينى والمذهبى وأنماط التفكير الغيبى والخرافى واستنزاف الجهد والطاقة فى محاكاة الماضى شكلا ومظهرا بما يصعب معه الحديث عن حاضنة شعبية لمشروع الإصلاح والتغيير.
ولهذا كله يجب أن تتصدر ظاهرة انسحاب المصريين من المشاركة السياسية جدول كل الأحزاب والقوى التى تدعو إلى الإصلاح ولكن من منطلق ومنظور المساءلة الذاتية عن أسباب هذه الظاهرة واستمرارها، لكن الأمر لايجب أن يقتصر على هذا الجهد البحثى والفكرى وإنما ينبغى أن يتجاوزه إلى المبادرة باقتراح أطر جديدة تعنى بالأساس بإقناع المصريين بجدوى عودتهم عن الانسحاب أو الاستقالة من المشاركة السياسية،
وما من شك فى أن المجتمع المصرى بحاجة ماسة إلى حركة حقيقية للدفاع عن حقوق المواطن، تعنى بتوعية المواطنين أولا بحقوقهم الأساسية كدافعى ضرائب ومنتجين وممولين لخزانة الدولة وموازنتها العامة كما تعنى هذه الحركة بتدريب وتعويد المواطنين على المشاركة العملية فى الدفاع عن حقوقهم وقضاياهم المعيشية بالطرق السلمية، ولابد أن تشعر الأحزاب فى مصر بالخجل من أن تبادر وزارة الصناعة والتجارة إلى إنشاء هيئة لحماية المستهلك فيما تعتقد الأحزاب موهومة أنها تنشغل بالقضايا الكبرى للإصلاح السياسى،
كما يجب أن تشعر الأحزاب مرة أخرى بالخجل بعد أن تحول المستشار جودت الملط، رئيس الجهاز المركزى للمحاسبة إلى زعيم حقيقى لمعارضة الحكومة فى مجلس الشعب، وربما لإخفاء خجلها وعجزها بالغت بعض القوى بالاحتفاء بالدور الذى لعبه المستشار الملط فى يناير من العام الماضى (انظر مثلا الموقع الرسمى للإخوان المسلمين يوم 14/1/2008)،
وفضلا عن حاجة مصر لتجديد دماء النخبة وإذكاء روحها وإحياء هويتها الوطنية واستعادة مشاركة المصريين فى الحياة السياسية فإنها تحتاج أيضا إلى حزب سياسى جديد يعى أولا تعريف نفسه ومبرر وجوده كحزب وظيفته الأساسية هى السعى لاستلام السلطة أو المشاركة فى الائتلافات الحكومية، وأن يعد نفسه وكوادره لهذه المهمة التاريخية وأن يكون حزبا مستقلا بالفعل ويعتمد ذاتيا على موارده الاقتصادية والمالية وأن يقطع كل صلة له بنموذج الحزب الواحد والزعيم الواحد ويبرهن عن تبنيه غير المشروط للالتزام بالديمقراطية ويسمح بتعايش الأجنحة والتيارات المتباينة داخله وأن ينمى ويطور برامجه ويبنى حكومة ظل حقيقية تتمتع كوادرها بالنزاهة والكفاءة السياسية والمهنية وتكون لديها القدرة والجاهزية اللازمة لتدوال السلطة، وأن يكرس هذا الحزب جهده لإصلاح قيم المجتمع وسلوكه ويعزز قابليته ومشاركته فى الإصلاح والتغيير وأن يكون حزبا شعبيا وجديرا بتمثيل المصالح الأساسية لمصر والمصريين.
قد يكون علينا أن نبدأ من الآن التفكير بجدية أكثر حول خيارات المستقبل لأن مصر، موضوعيا، تقترب كثيرا من لحظة الوقوف على مفترق طرق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.