تبنى مؤتمر حلف الاطلنطى فى ويلز بالمملكة المتحدة استراتيجية عامة لمواجهة خطر دولة داعش الارهابية قوامها تشكيل تحالف دولى إقليمى لمواجهة داعش عسكريا من اجل التضييق عليه أولا ثم هزيمته ثانيا. أما آلية العمل فهى بسيطة للغاية، لا تدخل بريا غربيا بأى حال من الأحوال فهذا خط أحمر، وتوظيف الهجمات الجوية وغيرها ضد مراكز تجمع مقاتلى داعش وقادتها، وتعاون استخبارى مع الدول المعنية خاصة العراق، واستخدام مقاتلى الجيش السورى الحر كقوة برية لدحر داعش خاصة فى الأراضى السورية. والجدير بالملاحظة هنا أمران، الاول أن هذه الاستراتيجية تستبعد التعاون مع إيران باعتبارها داعمة للنظام السورى، وهو المُستبعد أيضا من أى تفكير أمريكى وكأنه غير موجود وبديله هو التعاون مع المعارضة. أما الأمر الثانى فهو أن دولا إقليمية مهمة وذات صلة وثيقة بمواجهة داعش مثل المملكة السعودية ومصر والامارات لم يُذكر عنها شىء رسمى محدد، أما فى التقارير الإعلامية فهناك ترجيحات بأن يكون لهذه الدول تحديدا دور مهم ورئيسى فى استراتيجية مواجهة داعش. مصر كغيرها من الدول التى تعانى إرهاب الجماعات والتنظيمات التى تربط نفسها بالإسلام تجد نفسها معنية بمحاصرة خطر داعش فى العراق وفى سوريا وإفشاله تماما بنفس القدر الذى تجتهد فيه من أجل القضاء على كل تنظيمات الإرهاب فى سيناء وفى غيرها داخل البلاد. ولعل الاستراتيجية التى تنفذها مصر منذ اكثر من عام لمواجهة الارهابيين وأتت بنتائج إيجابية للغاية حتى الآن تقوم على مبادئ وأسس تختلف عن تلك التى تريد الولاياتالمتحدة توريط أصدقائها وحلفائها فى تنفيذها. وأهم الأسس المصرية هى أن المواجهة ليست أمنية وحسب، بل لابد أن يسندها دعم شعبى ومواجهة فكرية ودينية وتراكم معلوماتى ومساندة إقليمية بقدر الامكان، وتحرك سريع على الأرض وتنمية اقتصادية. وربما يكون لمواجهة داعش عسكريا أساس شعبى أمريكى نتيجة قيام مقاتلى التنظيم بذبح صحفيين أمريكيين على الملأ، كما تلعب وسائل الإعلام الأمريكية دورا فى المبالغة في الاخطار والتهديدات التى تمثلها داعش للمصالح الأمريكية الحيوية، الامر الذى قد يساعد نسبيا على بلورة رأى عام ضاغط من أجل الثأر وتوجيه ضربة عسكرية كبيرة تتعدى مسألة القيام بضربات جوية وحسب. لكن يظل بؤرة التحرك الامريكى هى توريط الحلفاء والأصدقاء فى مواجهة صُممت لمصالح أمريكية وليست مصالح شعوب المنطقة. إن مبدأ توريط الغير ليس جديدا فى السياسة الامريكية تجاه قضايا العالم المختلفة، وشخصيا اعتقد أن الولاياتالمتحدة فى ظل أوباما قد نجحت تماما، ولم تفشل كما يتصور البعض، فى تصدير الإرهاب إلى منطقة الشرق الاوسط الموسع وتوريط مجتمعاته ودوله فى مواجهات سوف تمتد لسنوات طويلة مقبلة، ونجحت فى جعل الحرب ضد الإرهاب محلية الطابع، ونجحت فى أن تدفع بعض بلدان المنطقة إلى توسل التدخل الامريكى، ونجحت أيضا فى حماية امريكا من التعرض لهجمات على غرار ما حدث فى 11/9. وكلنا يعلم تماما أن استراتيجية أوباما التى جاءت به رئيسا قبل ست سنوات قامت على فكرة جوهرية وهى؛ الانسحاب السريع من مواقع القتال خاصة من أفغانستانوالعراق، وعدم تورط الجيش الأمريكى مباشرة فى حرب مرة أخرى، وأن يتحمل القادة المحليون ثمن مواقفهم السياسية، وأن كل ما ستقدمه واشنطن لأصدقائها هو بعض الدعم العسكرى من أسلحة وعتاد ومعلومات وضربات جوية بطائرات بدون طيار عند الضرورة. وفى مقابل ذلك يتم التوسع فى بيع الاسلحة للدول المهددة وتدريب قطاعات من الضباط والجنود. وقد تطورت هذه الاستراتيجية جزئيا مع محاولة ربط نشر الديمقراطية كهدف أمريكى دعائى بالتفرقة بين التنظيمات الاسلامية باعتبارها منقسمة إلى نوعين، الأول عنيف تجب محاربته، والثانى معتدل يقبل بفكرة الديمقراطية على النهج الغربى ومن ثم لابد من مساندته للوصول إلى الحكم. أما عمليا فقد اختطلت الامور على صانع القرار الأمريكي اختلاطا شديدا، فقام بإفساح المجال السياسى والدعائى أمام تنظيمات التطرف الدينى فى كل من العراقوسوريا ومصر وليبيا تحت زعم بناء ديمقراطية تحت وصاية غربية وأمريكية، وانتهى الامر إلى تدمير دول بكاملها، وانهاء قدرات دول أخرى موجودة شكلا بحيث لم تعد قادرة على مجرد صد هجوم لمسلحين أقرب إلى المرتزقة منهم إلى جنود نظاميين. وفى كل الأحوال أصبح فى جزء مهم من الشرق الأوسط خريطة جغرافية وحدودية جديدة. والأمور مرشحة على مزيد من التغيير. لكن ظلت المصالح الامريكية غير مهددة. إننا فى مصر معنيون تماما بما يطرحه الناتو من استراتيجيات وسياسات لمواجهة خطر داعش فى سورياوالعراق، ولكن هذا لا يعنى أن نقبل بهذه الاستراتيجية جملة وتفصيلا. وفى تقديرى أن الخطأ الكبير فى هذه الاستراتيجية يتعلق بوهم أن الانتصار يمكن ان يتحقق بضربات جوية فقط وتجاهل تام للوجود المباشر على الأرض، وغياب النظرة الواقعية لما يجرى فى سوريا، خاصة الاستمرار فى تجاهل قدرة النظام السورى على الصمود والبقاء. صحيح أن الثمن المدفوع يصل إلى عنان السماء، ولكن النظام ما زال يمثل رقما رئيسيا فى الخريطة السورية. إضافة إلى اعتبار المعارضة المسلحة الممثلة فى الجيش السورى الحر التنظيم الوحيد القادر على دحر النظام وداعش وجبهة النصرة فى آن واحد. فإذا كان الجيش السورى الحر بمثل هذه القوة والصلابة فلماذا تأخر انجازه فى الاجهاز على نظام الاسد كل هذه الفترة رغم الدعم الكبير الذى حصل عليه من واشنطن وعواصم عربية وغربية عديدة. مجمل القول أن استراتيجية الناتو ليست بالكفاءة والشمول بحيث تنهى خطر داعش بعد زمن معقول، ولكى تحقق هذا الهدف فهى بحاجة إلى أن تعدل بما يلائم المصالح الرئيسية لدول وشعوب الاقليم، ومهما كانت الانتقادات التى توجه إلى النظام السورى فلابد من إيجاد وسيلة لاشراكه فى هذه المواجهة بحكم خبرته التى تراكمت فى السنوات الثلاث الماضية، وهنا يأتى الدور على مصر، فلا شراكة مع الناتو إلا بشروط مصرية، وأهمها حماية سوريا من التقسيم عبر حل سلمى يشمل الجميع، واستعادة العراق عربيا وإسلاميا لكل أبنائه، والأهم عدم التورط فى عمل عسكرى برى تحت أى اسم كان. لمزيد من مقالات د. حسن أبو طالب