لاتزال قضية المرأة بصفة عامة والمرأة المصرية على وجه الخصوص تشغل حيزا واسعا من المجال العام، فلا يزال الجدل محتدما حول الكثير من قضاياها رغم وضوحها وحسمها على المستوى النظرى، إلا ان الممارسة العملية ما زالت تواجه الكثير من العقبات حول دورها خاصة فيما يتعلق بمشاركتها فى الاستحقاقات السياسية التى أعقبت الثلاثين من يونيو 2013. ولعل من اللافت للانتباه أن يجد البعض فى تناولي قضية المرأة ودورها فى العمل العام خروجا عن الانطباع العام بأن المنتمين الى التيار السلفى لا يبالون بحقوق المرأة وحرياتها المكفولة فى إطار الشريعة الاسلامية، باعتبارها المصدر الرئيسى للتشريع كما نصت على ذلك دساتير مصر بدءا من دستور 1971 ودستور 2012 واخيرا دستور 2014، وخاصة الدستور الاخير الذى توسع فى منح المرأة حقوقها كاملة وهو الدستور الذى أشاد به كثير من المنظمات والمؤسسات العاملة فى مجال المرأة، وقد كان لممثلى التيار السلفى حزب النور تحديدا- حضور فى هذا المضمار فلم يعارض ما نص عليه الدستور، وهو ما يؤكد رؤية التيار السلفى لحق المرأة فى المشاركة فى المجال العام. وفى هذا الإطار، يتجدد الحديث عن دور المرأة فى العمل السياسى بصفة عامة وفى الانتخابات البرلمانية المقبلة على وجه التحديد بعدما نص الدستور فى مادته (11) على أن تعمل الدولة على اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة تمثيلا مناسبا فى المجالس النيابية، حيث جاء قانون مجلس النواب فى مادته الخامسة الخاصة بالقوائم الانتخابية بتخصيص سبعة مقاعد للمرأة فى فى كل قائمة من القائمتين البالغ عددهما (15عضوا) و(21) مقعدا فى كل قائمة من القائمتين البالغ عددهما (45 عضوا)، وهو ما يضمن تمثيلا للمرأة تحت قبة البرلمان المقبل، إلا انه تمثيل غير كاف، فإجمالى عددهن فى هذه القوائم (36 امراة) بما يعنى أن نسبتهن والى 6.5% من عدد مقاعد المجلس وهو ما لا يتناسب مع حجمهن الحقيقى ودورهن الفعلى فى المجتمع، بما يعنى أهمية أن يراعى رئيس الجمهورية فى نسبة التعيين المحددة ب5% وجودا للمرأة ضمن النواب الذين سيختارهم والبالغ عددهم (27 نائبا). وإذا كان صحيحا ان المرأة حينما تشارك فى الانتخابات سواء القائمة او الفردى ثمة شروط اساسية من الواجب ان تتوافر فيها، فإلى جانب شروط الترشح المنصوص عليها فى الدستور والقانون، فثمة شروط أخرى تتعلق بواقعها السياسى ووجودها بين المواطنين وحجم جهودها فى الدفاع عن قضايا المواطن المصرى ومشكلاته، فهذه هى الثقافة الانتخابية التى يعرفها المواطن بأن يكون ثمة وجود مستمر للنائب فى دائرته الانتخابية، ورغم صعوبة هذا الوجود فى ظل حجم المسئوليات الملقاة على عاتقه فى سبيل إخراج تشريعات صحيحة تراعى الواقع ولا تخالف الدستور حفاظا على حقوق المجتمع، فضلا عن جهوده فى الرقابة على أداء الحكومة، إلا أنها ثقافة مترسخة لدى رؤية المواطن تجاه نائبه او من يمثله ونحتاج الى مدى زمنى كى تتغير هذه الرؤية. ولذا، يأتى منطق حديثنا فى هذا الخصوص بضرورة مراعاة مقتضيات الواقع، تلك المقتضيات التى اشترطت أن يكون ثمة تمثيل للمرأة فى البرلمان عن طريق القوائم، لأن الثقافة المجتمعية قد لا تتجه الاصوات الى المرأة المترشحة إذا تنافست على المقعد الفردى إلا مع استثناءات قليلة تكاد لا تذكر. ولذا، فمن أجل ضمان وجود تمثيل أكبر للمرأة تحت قبة البرلمان، فثمة حاجة ملحة وضرورية أن يكون أكثر من نصف نسبة المعينين فى المجلس من النساء على أن يراعى رئيس الجمهورية فى اختيارهن ،إضافة إلى شروط الانتخاب العادية كما نص القانون، شرط الكفاءة وليس الظهور الإعلامى، فمن يتابع شاشات التلفاز وصفحات الجرائد يجدها مليئة باسماء وصفات لبعض الشخصيات التى لا تملك أي مقومات أو كفاءات تؤهلها لتولى هذه المسئولية، فى حين أن المجتمع يزخر بالكفاءات والمؤهلات القادرة على العبور بمصر الى بر الامان فى تلك المرحلة الحرجة التى تواجهها الدولة، ولعل من هذه النماذج الدكتور «وجيدة عبد الرحمن أنور» أستاذة طب المجتمع والبيئة وطب الصناعات، وقد شرفت بمزاملتها فى اللجنة الفنية لإعداد مشروع قانون التأمين الصحى الشامل. ومن لم يعرف الدكتور «وجيدة» فقد تولت اخيرا منصب رئيسة لجنة اختيار الجوائز للأبحاث في مجال علوم الحياة بمنظمة اليونسكو، تقديرا لجهودها وسجلها الحافل بالعمل فى سبيل الارتقاء بصحة الفرد والمجتمع والوقاية من الأمراض على المستوى الوطني والإقليمي والدولي. والحقيقة أننى أردت أن أذكر هذا المثال حتى أدلل على ما اقصده بأن هناك أسماء من النساء لامعات فى مجالات عدة وتخصصات متعددة وبعضها نادرة، إلا أن الاعلام لا يهتم بهن ولا يظهرهن فى وسائله المختلفة، بما يؤكد ضرورة أن يكون هناك بحث جاد وحقيقى عن المرأة المصرية التى عملت واجتهدت من أجل بناء مصر داخليا وخارجيا، فمصر زاخرة بأبنائها من الجنسين. خلاصة القول إن المرأة المصرية التى أثبتت حضورا ونجاحا فى الاستحقاقات كافة، تفرض على المجتمع بمختلف فئاته وتكويناته أن يرد لها هذا الجميل بما يتناسب مع قدرها ومكانتها ودورها دون الدخول فى جدلات وسجالات لا تغنى ولا تسمن من جوع، بل قد تضيع على المجتمع مكاسب حقيقية يمكن أن يجنيها إذا ما أدرك أهمية المرأة ودورها وسعى الى الاستفادة منها ومن قدراتها وإمكاناتها بما يعنى استثمار أكثر من نصف القوة الفاعلة فى بناء الوطن. لمزيد من مقالات عماد المهدى