حملات مكثفة فى الأحياء لإعادة الانضباط لشوارع العاصمة وتطهير الأرصفة من الإشغالات وإزالة الأكشاك المخالفة الخبراء: ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وتسريح العمال وغياب الرقابة وراء تفاقم ظاهرة الباعة الجائلين تراهم فى كل مكان يحتلون الرصيف .. يعتدون على حق المارة فى السير، لا يدعون مكاناً على الرصيف إلا افترشوه بالعديد من السلع والمنتجات المستوردة أو المهربة، وقويت شوكتهم بعد ثورة يناير ، وما صاحبها من انفلات أمني، وشيوع البلطجة، وغياب للرقابة، وتراجع دولة القانون، فإذا بهم يتعاملون مع الرصيف بسياسة الأمر الواقع، غير عابئين بالأجهزة المعنية التى اختفت أيضاً مع الثورة، فصار الشارع ملكاً لهم، يعرضون فيه الأسلحة البيضاء والألعاب النارية والصواعق الكهربائية وحتى الملابس، والهواتف المقلدة، ولعب الأطفال المهربة، والسجائر المسرطنة. طوال السنوات الثلاث الماضية، أصيبت الحركة التجارية داخل محلات وسط البلد والمناطق المحيطة بها بالشلل، ووقعت المحال تحت تهديد الباعة الجائلين الذين افترشوا الشوارع الرئيسية والجانبية، وهرب الزبائن من المحلات متجهين نحو بضائع الأرصفة، حيث يعرض الباعة تلك المنتجات بأسعار تقل عن مثيلاتها فى المحال، بسبب تكبد الأخيرة نفقات الإيجار الشهري، والعمالة، والضرائب، ورسوم الكهرباء. لم يكن مرور السيارات ولا المارة أمرا سهلاً بمنطقة وسط البلد، فما ان تأتى الساعة الرابعة عصرا كل يوم، حتى تجد الباعة الجائلين قد احتلوا الأرصفة، لدرجة أنهم لم يتركوا مكانا للمارة، ولا للراغبين فى التسوق، فضلاً عن المشاجرات المستمرة بين الباعة وبعضهم من ناحية، أو بينهم وبين أصحاب المحال الذين أصبحوا رهينة البلطجة التى يمارسها الباعة الجائلون عليهم.. وهكذا، خلت المحال من الزبائن، باستثناء المارة الذين يتوقفون أمامها ، للتعرف على الأسعار، ثم بينها وبين أسعار الباعة الجائلين، وتكون المقارنة فى مصلحة الأخيرة، فهم لا يتحملون أى أعباء، حتى جاءت ساعة الحسم، التى تقرر فيها تحرير منطقة وسط البلد من الباعة الجائلين، ليعود لأصحاب المحلات حقهم، وليعود للمواطن حقه فى السير، والتسوق، ولتعود للطريق حرمته، وهدوءه. وبشكل عام والكلام يأتى على لسان الدكتور عادل عامر رئيس مركز المصريين للدراسات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والخبير الحقوقى فقد صار هؤلاء الباعة يمثلون ظاهرة فى الشارع المصري، وهم كما تعرفون تجار صغار قد لا يتعدى رأس مالهم المائة جنيه، لكنهم يرتكبون مخالفات عديدة، تبدأ باحتلال أرصفة الشوارع أو نهر الطريق متخذين من العربات الخشب أو الأقفاص أو أحيانا العلب الصغيرة وسيلة لوضع بضائعهم، ويمارسون تجارتهم دونما دفع إيجار للمكان الذى يشغلونه، ولا ضرائب محددة عن نشاطهم التجارى كغيرهم من أصحاب المحلات التجارية، فضلاً عن سرقة التيار الكهربائى، وقد ظهر الباعة الجائلون من أمد بعيد وغالبا ما كانوا ينتشرون فى أماكن بعينها كمنطقة العتبة بالقاهرة، وشارع فرنسا بالإسكندرية، وكان لغياب الرقابة دور فى تشجيع البلطجية والخارجين على القانون والباعة الجائلين على التمادى فى المخالفات، وعرض المنتجات المجهولة المصدر والخضر، والفاكهة، والملابس القديمة، والأجهزة المستعملة وغيرها من البضائع التالفة. وعلى الرغم من حملات إزالة الإشغالات التى تستهدف مناطق عديدة داخل القاهرة وخارجها، فإن الباعة الجائلين كما يقول الدكتور عادل عامر- يعودون ثانية ويحتلون الشوارع مرة أخرى بعد مرور يوم واحد من حملات الإزالة، لتصبح تلك الحملات مجرد مسكنات لا تهدف لحل المشكلة، حيث لا يلبث أن تتم الإزالة ليعود الباعة الجائلون فى اليوم التالي، مشيراً إلى أن ظاهرة الباعة الجائلين انتشرت بعد قيام ثوره 25 يناير ، بسبب زيادة نسب الفقر بين المواطنين نتيجة لارتفاع الأسعار، وعدم توافر فرص العمل، وتفشى ظاهرة البطالة، وتسريح العديد من العمال من مصانعهم وأماكن عملهم، وغياب الرقابة، مما اضطرهم للبحث عن فرص عمل شريفة. والسبب الآخر هو غياب شرطة المرافق وتهاونها فى التعامل مع هذه الظاهرة، فزاد عدد الباعة الجائلين . 6 ملايين بائع متجول ووفقاً لبعض التقديرات ، يقدر عدد الباعة الجائلين والكلام مازال للدكتور عادل عامر- بنحو 6 ملايين بائع على الأقل، أغلبهم يتحملون عبء إعالة عائلاتهم، ويعمل جزء كبير من النساء كباعة جائلين ، مثل بائعات المواد الغذائية، والشاي، وبائعات الخردوات ولعب الاطفال، وينظر لهم المجتمع أحيانا باعتبارهم كيانا طفيليا ينمو فى الشوارع، ويتعاملون معهم باعتبارهم بلطجية يفرضون وجودهم من منطلق القوة والبلطجة دونما حق، وبرغم ذلك فهم يقبلون على شراء السلع منهم، حيث إن أسعار سلعهم غالبا ما تكون أرخص بكثير من اسعار المحلات نتيجة لقلة النفقات الادارية التى تتحملها المحلات، كما يتعامل معهم أصحاب المحلات بعنف وأحيانا باضطهاد نتيجة لمنافسة الباعة الجائلين لهم، ونتيجة لشغلهم الارصفة المجاورة لمحلاتهم، وينتج عن ذلك إما فرض السيطرة عن طريق القوة من جانب الباعة الجائلين واما بالتراضى بدفع رواتب شهريه لاصحاب المحلات للسماح لهم بالوجود امام محلاتهم، مشيراً إلى ان الباعة الجائلين ينتشرون فى كل المحافظات المصرية تقريبا، ومن ثم يمكن دمجهم فى الاقتصاد الرسمى وتقنين أوضاعهم وتوفير أسواق بديلة لهم، وتحصيل الرسوم منهم، مما يؤدى إلى تنظيمهم وتجنب ممارساتهم السلبية من ناحية، وزيادة الموارد المالية للدولة من ناحية أخرى. وبالرغم من وجودهم لفترات طويلة فى ذات المكان، فإنهم افتقدوا إلى التنظيم فيما بينهم، واقتصرت آليات التنظيم لديهم على الحيز الذى يشغله كل منهم فى الشارع أو الرصيف، ان نتج ذلك عن طريق فرض القوة أو بالتراضي، ولكن بعد قيام ثوره 25 يناير والتبشير بإمكانية إنشاء النقابات المستقلة، سعى البعض منهم الى انشاء النقابات المستقلة كى يتمكنوا من ايصال اصواتهم، وحماية مصالحهم، مما دعا البعض منهم للدعوة إلى إنشاء النقابات فى العديد من المحافظات، وابرزها النقابة المستقلة للباعة الجائلين بالقاهرة والنقابة المستقلة للباعة الجائلين بالاسكندرية، التى أشهرت برقم 13 بتاريخ 26 ديسمبر من عام 2011، وكان من ضمن اهداف النقابة، الحصول على اماكن آمنة للباعة الجائلين للوقوف فيها دون التعرض لبلطجية الاسواق أو حملات المرافق، واعادة الشكل الحضارى الى شوارع الاسكندرية وذلك بتخصيص اماكن لهم، وتقنين اوضاع الباعة الجائلين، مؤكدا أن الجهات الإدارية عملت على مواجهة ظاهرة الباعة الجائلين من خلال تجريم اشغال الطرق بالغرامة، وبموجب هذه المادة كانت تنتشر حملات الازالة، وفى ظل حكم الرئيس المعزول محمد مرسى صدر القانون رقم 105 لسنة 2012، الذى نص على تغليظ العقوبة على الباعة الجائلين، ومصادرة البضاعة والحبس 6 شهور، وبموجب هذا القانون وقع الباعة الجائلين بين رحى القانون، وسندان الفقر ، مما يستلزم إيجاد حلول جادة، تحفظ لهم حقهم فى لقمة العيش عبر مصدر شريف، وتصون للمواطن حقه فى السير، وللطريق حرمته دون اعتداء. الأكشاك المخالفة وتتزامن ظاهرة الباعة الجائلين مع نمو سرطانى لكميات كبيرة من الأكشاك ، تواصل احتلالها الأرصفة فى مختلف الأحياء والمناطق الراقية والشعبية على حد سواء، متمركزة بجوار المبانى الحكومية والمنشآت العامة ، مستغلين أعمدة الإنارة فى توصيل الكهرباء للثلاجات الملحقة بالأكشاك والفاترينات دون الحصول على أى تراخيص من الأحياء، ضاربين بكل القرارات واللوائح المنظمة لإنشاء هذه الأكشاك عرض الحائط. غير أن الدكتور جلال السعيد محافظ القاهرة، قد قرر التصدى لهذه الظاهرة، من خلال تكليف رؤساء الأحياء والإدارات المختصة بالإشغالات فى الأحياء، بحصر كل الأكشاك المقامة بالمخالفة ودون تراخيص، واتخاذ كل الإجراءات اللازمة لإزالتها، وقطع المرافق عنها، وكذلك ضرورة التنسيق مع الإدارات المختصة بمباحث الكهرباء لتحرير المحاضر اللازمة عن سرقة التيار الكهربائي، وإحالة المخالفين للنيابة العامة، إلى جانب استمرار حملات الأحياء بالتعاون مع إدارة شرطة المرافق لإعادة الانضباط إلى شوارع العاصمة من خلال رفع الباعة الجائلين، وتطهير الأرصفة من الإشغالات وإلزام أصحاب المحلات بعدم إعاقة حركة مرور المشاة على الأرصفة، ومواصلة الحملات على الأكشاك المخالفة وتحرير محاضر ضد أصحابها. عودة الانضباط ويعود النمو السرطانى لتجارة الأرصفة، أو الأسواق العشوائية كما يقول الدكتور عبدالنبى عبدالمطلب الخبير الاقتصادي، إلى انعدام الرقابة فى الأسواق الداخلية أو حتى عبر المنافذ الجمركية ، فضلا عن عدم وجود اختصاصات واضحة وتضارب الاجهزة الرقابية مما أسهم فى زيادة الفوضى فى السوق المصرية، فانتشر تهريب السلع والمنتجات، ومن جانب آخر ، سيطر الباعة الجائلون على الميادين والشوارع الرئيسية، مؤكداً أن التهريب، وانعدام الرقابة على الأسواق، يسهم فى استنزاف الاقتصاد الوطني، ومن ثم كان من الضرورى أن تتخذ الدولة قرارها بإعادة الانضباط للشارع.