حالة من الاستنفار الأمنى تعيشها مدن وبلدات مناطق البقاع الشرقى فى لبنان بعد دخول عناصر تنظيم داعش بلدة عرسال الحدودية مع سوريا فى محاولة للسيطرة عليها، انعكست حتى فى انقسام السياسيين على أنفسهم بين مؤيد للهدنة العسكرية مع التنظيم المتطرف وبين من يرى عدم وجود جدوى فى ذلك، خصوصا فى ظل سقوط عدد كبير من شهداء الجيش فى هذه المعارك، وأنه لا مجال للتراجع عن المواجهات المسلحة للقضاء على تلك التنظيمات التكفيرية التى تتخذ من هذه البلدة الحدودية مأوى لها من قوات نظام الأسد السوري. «الأهرام» ذهبت إلى المدن القريبة من عرسال وتبين وجود تنظيمات داعش وجبهة النصرة فى هذه البلدة منذ فترة زمنية ليست بالبعيدة، وأنهم يقومون بعملياتهم الإرهابية فى الأراضى السورية وثم يعودون بين أهالى هذه البلدة المغلوب على أمرهم. ووفقاً لشهود عيان فإن هناك ما يقارب من الخمسة آلاف مسلح فى عرسال أغلبهم ينتمى إلى جبهة النصرة، لكنهم يعملون تحت قيادة أمير تنظيم داعش أبو بكر البغدادي، وهم مزودون بأسلحة ومدفعية ثقيلة ومتوسطة، بالإضافة الى تمركزهم فى تلة الحصن، المرتفعة كثيراً عن سطح الأرض مما يصعب استهدافهم بشكل مباشر إلا عن طريق الصواريخ أرض جو، وسيطرتهم على بلدات المصيدة والرهوة. وكانت قوات الجيش اللبنانى قد قصفت هذه التلة المرتفعة جغرافيا، بالمدفعية الثقيلة، إلا أنها واجهت مشكلتين رئيسيتين الأولى هى فى وجود مدنيين تتخذهم التنظيمات الإرهابية دروعا بشرية لها ضد الجيش، والثانية هى شراسة المعارك مع التنظيم الإرهابى الذى لديه قدرة وخبرة فى القتال كبيرة، مما وفر لهم فرص إحداث إصابات بين جنود الجيش وقتل آخرين خلال المعارك، فضلا عن أسرهم لعدد آخر. وروى أحد الفارين من البلدة ل «الأهرام» أنه شاهد مقاتلى داعش - من جنسيات عربية مختلفة - يربطون أنفسهم بسلاسل حديدية مثبتة بجدار أو ما شابه، ليظلوا يقاتلوا حتى الرمق الأخير دون أن ينسحبوا، مضيفا أن من يعصى أوامرهم يقتل فى الحال، وأن من فر من البلدة لا يتجاوز العشرة بالمئة من سكانها. ويرى أهالى منطقة البقاع أنه كان هناك مخطط يقضي - قبل اعتقال أمير التنظيم عماد جمعة على يد الجيش اللبنانى - بشن هجمات مسلحة على بعض القرى القريبة من عرسال وهي رأس بعلبك واللبوة ونحلة والعين ويونين، بإستخدام المدافع الصاروخية بعد ذلك يدخل المسلحون البلدات ليرتكبوا فيها المجازر من أجل تعميم مشاهد الرعب التى قد يمنحهم إمكانية التوسع فى البقاع اللبنانى بسيناريو شبيه بما حصل فى الموصل. والتى هى محل حديث الشارع اللبنانى حاليا بكل طوائفه الدينية. الأمر الذى دفع بالجيش اللبنانى آنذاك الى استدعاء تعزيزات وآليات عسكرية أخري، منها ناقلات للجنود والمدافع الثقيلة، فضلا عن سيارات وطائرات الهيلكوبتر التى تنقل الجرحى الى المستشفيات القريبة هناك. وعلى الرغم من المعارك الشرسة التى يخوضها الجيش اللبنانى مع هؤلاء المسلحين فإن الأمر لم يخلو من معاونة حزب الله اللبنانى للجيش فى المعارك، وأرجع أهالى مناطق البقاع دخول الحزب على المعادلة العسكرية فى مواجهة تنظيم داعش الإرهابي، لمعرفة عناصره بجغرافية المنطقة وقدرة مقاتليه على الإشتباك مع هؤلاء المسلحين والتى تشبه حروب الشوارع، للحفاظ على أرواح المدنيين هناك، بالإضافة الى عتاده العسكرية من راجمات صواريخ يصل مدى بعضها الى 1200 متر ونسبة خطأ استهدافها لا تتعدى 40 متراً، مع التسليم بوجود تنسيق بين الجيش اللبنانى والحزب هناك، لإنتفاء أى محاولات لإثارة الفتن الطائفية فى لبنان، ليقال أن حزب الله يقصف بلدة سنية. وبين المعارك الدائرة فى مدينة عرسال يبقى الشارع اللبنانى فى قلق داهم خاصة فى ظل ما يتم تناقله حول وجود بعض الشخصيات فى الداخل تشكك فى حيادية الجيش اللبناني، ليدخل علماء الدين على خط المعركة عن طريق إرسال وفد إسلامى الى هناك للتفاوض حول التهدئة ومن ثم الإفراج عن الأسرى من قوات الجيش والشرطة الذين كانوا تحت سيطرة التنظيمات الإرهابية، فيقصف موكب رجال الدين ويذهبون لتلقى العلاج فى المستشفيات، وتعلو أصوات الشارع اللبنانى بأن لا حل مع الإرهابيين الا بمواجهتهم خاصة فى عدم وجود قيادة عسكرية موحدة لهم للتفاوض معها.