في واحدة من أخطر الأزمات التي تواجه وحدة وكيان الأراضي اللبنانية، وبعد هدنة مؤقتة لمدة 24 ساعة في محاولة لإيجاد مخرج للأزمة، ما تزال منطقة عرسال اللبنانية تشهد مواجهات مسلحة بين الجيش اللبناني والجماعات المسلحة السورية التي لجأت إلى لبنان جراء العنف المفرط الذي استخدمه نظام بشار الأسد ضد الثوار السوريين وتحديداً بعض عناصر جبهة النصرة وتنظيم داعش الذي ظهر على الساحة السورية عقب تشتت المعارضة والجيش السوري الحر الذي كان رأس المقاومة ضد نظام بشار الأسد. كانت الشرارة قد اندلعت في وسط عرسال بعد ساعات من اعتقال الجيش اللبناني شخصا يدعى عماد أحمد جمعة، يوصف بأنه قائد كتيبة بسوريا، وتردد أنه أعلن بيعته لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) قبل أسابيع. لكن الأمر أبعد من ذلك ، فمع تدخل حزب الله فى الحرب السورية وتحقيق مكاسب ميدانية لصالح بشار الأسد ،واستعادة مناطق سورية كانت قد وقعت تحت سيطرة النصرة وداعش مثل القصير والقلمون وغيرها ، هددت جبهة النصرة وداعش بالدخول إلى لبنان ، ونقل المواجهة بين حزب الله والمسلحين إلى لبنان. وفي سبيل تحقيق استراتيجيتها وأغراضها ، اعتمدت كل من جبهة النصرة و"داعش" على العنصر المذهبى السنى فى السيطرة على عرسال عن طريق الخلايا النائمة التى تنتشر ليس فقط فى عرسال ولكن فى طرابلس (كبرى مدن الشمال اللبنانى) ومعقل السنة والسلفية الجهادية فى شمال لبنان. ونظراً لخطورة الأزمة على وحدة لبنان بكل مكوناته، جاء التدخل السريع من جانب الجيش اللبناني بعد أن أصبح سكان عرسال رهينة في أيدي هذه العناصر المسلحة والتي وصفها أحد المحللين السياسيين بأنه محاولة لاستدراج الجيش اللبناني إلى المواجهة من طرف النظام السوري ومن يعاونه، بغرض تخفيف الضغط عن حزب الله اللبناني. فضلاً عن ذلك تتسارع وتتكاتف جميع الأجهزة اللبنانية الأمنية والسياسية والحزبية والدينية للتوصل إلى حل سريع يُنهي أزمة عرسال حتى لا تمتد إلى الداخل اللبناني وبذلك يكون بشار الأسد قد نفذ تهديداته بنقل الحرب السورية إلى لبنان ويؤكد صحة مقولة أن ما يحدث في عرسال هو أحد تجليات وامتدادات الحرب الأهلية السورية. ويذكر أن عرسال تعتبر أكبر بلدات منطقة بعلبك الهرمل إذ تمتد على مسافة 400 كيلومتر مربع، وتبعد عن بيروت 122 كيلومترا. وتقع البلدة على سلسلة جبال لبنانالشرقية، وتشترك مع سورية بخط حدودي طوله 50 كيلومترا. يبلغ عدد سكان عرسال نحو 35 ألف شخص، أغلبهم من المسلمين السنة المؤيدين للثورة السورية، بينما يسكن أغلب المناطق المجاورة في منطقة وادي البقاع مسلمون من الطائفة الشيعية التي يعلن تنظيمها الأكبر في لبنان، حزب الله، دعمه للنظام السوري. تشبه عرسال اللبنانية إلى حد بعيد مدينة حمص السورية ما قبل انطلاق الثورة، فالبلدة أصبحت محطة لجوء ثان لأكثر من خمسين ألف سوري تدفق معظمهم من منطقة القلمون على وقع شدة المعارك بعد تهجيرهم الأول من بلداتهم في حمص. وتوزع اللاجئون في كل زاوية من عرسال حتى باتت الزوايا تضيق بهم، وغيّروا كثيرا من ملامحها حتى باتت صورة مصغرة من مدينتهم السورية. وتعتبر عرسال بالنسبة لأهالي القلمون الخيار الوحيد، ليس فقط لقربها من المناطق التي تدور بها الحرب بين الجيش السوري والمعارضة المسلحة، وإنما أيضاً لأن غالبية سكان بلدة عرسال سنة يؤيديون المعارضة السورية، إلا أن هذا النزوح فاق كل التوقعات وأثقل كاهل السكان قبل السلطات والمؤسسات الدولية المعنية باللجوء. ونتيجة لموقف البلدة المؤيد للثورة السورية، تكرر قصف قوات النظام السوري لها بالصواريخ، الأمر الذي أدى أكثر من مرة إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى. حاصل القول أن ما يحدث في عرسال يضع لبنان أمام أسوأ تطور عسكري منذ اندلاع الأزمة السورية، إذ بات على لبنان بكل مكوناته وقواه السياسية والمجتمعية أن يقف صفاً واحداً ضد أي محاولة إختراق من جانب النظام السوري الذي ربما يحاول أن يستغل الظروف ويتواجد مرة أخرى في لبنان، ولذا دعا بعض المراقبين إلى وضع خريطة طريق لإنهاء أزمة عرسال في أقرب وقت، ولحماية لبنان من تمدد ما يحدث في عرسال الى مناطق لبنانية أخرى، تتضمن الخريطة مجموعة من العناصر هي: دعم الدولة وأجهزتها الأمنية والعسكرية، رفض تهجير أهالي عرسال لأنهم في قلب "خط النار" بين الجيش اللبناني والمسلّحين، العودة إلى سياسة النأي بالنفس وتحييد لبنان عن صراعات المنطقة، انسحاب المسلّحين ومن دون شروط وتحرير الرهائن من عناصر أمنية ومدنيين، انسحاب "حزب الله" من سورية، انتشار الجيش اللبناني على الحدود مع سورية بمؤازرة من القوات الدولية "اليونيفيل" حسب القرار 1701. ويبقى التأكيد على ضرورة الحفاظ على وحدة لبنان والبعد عن أي محاولات لجره إلي آتون التشرذم والانقسام مثلما يحدث في العراق وليبيا الآن ، خاصة أن البيئة السياسية اللبنانية مهيأة الآن بما تحمله من استقرار قد يكون ظاهري هش ، وفراغ رئاسى ، وتوتر مكتوم بين تيار حزب الله وتيار السنة وانقسام مسيحى لبنان بين فريقى 8 و14 آذار.