يقول فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، إن حسن الجوار من القيم الأساسية في الأخلاق الإسلامية، وهي قيمة لم تُهجر كاملة في بلادنا كما هو مُلَاحظ في بعض البلدان الغربية، حيث لا يعرف هناك الجار عن جاره شيئًا، ولكن الإسلام يطلب مثالية أكثر من هذا الذي يحدث؛ لأن علاقاتنا فيها بعض الثغرات التي يجب أن نتنبه إليها. وأكد شيخ الأزهر أن حقوق الجار حددها النبي- صلى الله عليه وسلم - تحديدًا دقيقًا، حين قال لأصحابه – رضي الله عنهم: «أَتَدْرُونَ مَا حَقُّ الْجَارِ؟ إِنِ اسْتَقْرَضَكَ أَقْرَضْتَهُ، وَإِنِ اسْتَعَانَ بِكَ أَعَنْتَهُ، وَإِنِ مَرِضَ عُدْتَهُ، وَإِنِ افْتَقَرَ عُدْتَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ هَنَّأْتَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ عَزَّيْتَهُ، وَإِنْ مَاتَ اتَّبَعْتَ جَنَازَتَهُ» إلى هنا تسهل تلك الحقوق، ثم: «وَإِنِ احْتَاجَ أعطيتَه»، وهذا الحق بعض الناس تستطيع أن تنفذه والبعض الآخر لا يستطيع تنفيذه على حسب الحُب والكره، وقد تحدثنا قبل ذلك على أنه لا ينبغي أن تقيم علاقتك على حسب الحُب والكره، وإنما على حسب الحقوق والمبادئ والواجبات، ثم: «وَلا تَسْتَطِلْ عَلَيْهِ بِالْبِنَاءِ، فَتَحْجُبَ عَنْهُ الرِّيحَ إِلا بِإِذْنِهِ»، وهذه مشكلة، يقع فيها كثيرونَ – وخاصة في الريف – حيث يستطيل الجار على جاره في البنيان، ويتعارك معه على قطعة بسيطة من الأرض، وتصل الخلافات هذه إلى المحاكم، وأحيانًا تراق فيها الدماء، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - يأمر المسلم أن يستأذن من جاره إذا كان يريد أن يرفع بناء بينه وبين جاره، لأنه سيحجب عنه الهواء، فإن أذن له بنى، وإلَّا فهذا حق الجار في أن يرفع البناء أو لا يرفع البناء، فالأرض وان كانت ملكك فليس لك مطلق الحرية في التصرف فيها، لأن الذي بناءك على ملكك سوف يصادر حقا من حقوق الآخرين، ثم :«وَلا تُؤْذِهِ بِريحِ قِدْرِكَ إِلا أَنْ تَغْرِفَ لَهُ مِنْهَا، لأن جارك قد يكون جائعًا هو وأولاده فتؤذيه رائحة هذا الطعام؛ إلا إذا كنت بعد أن تنتهي من صنع هذا الطعام تعطيه جزءا من هذا الطعام، ونحن لا نفعل ذلك، أو أغلبنا لا يفعل ذلك، ثم يكمل - صلى الله عليه وسلم: «وَإِذَا اشْتَرَيْتَ فَاكِهَةً فَأَهْدِه مِنْهَا، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَأَدْخِلْهَا سِرًّا» أي: إذا دخلت بيتك بفاكهة، فأهده منها، وإذا لم تستطع فأدخلها سِرًّا حتى لا يراك أولاده، ثم: «وَلا تُخْرِجْ بِهَا وَلَدُكَ لِيَغِيظَ بِهِ وَلَدَهُ». وأضاف: إن هذه البنود الأحد عشر وهذه التعاليم النبوية، ما رآها فيما قرأ من كتب سماوية سابقة، ولا في أنظمة اجتماعية ولا في آداب اجتماعية، وأوضح أن النبي - صلى الله عليه وسلم – نفى الإيمان عمن يؤذي جاره، وقد أقسم على ذلك؛ فقال: «وَاللَّهِ لا يُؤْمِنُ، وَاللَّهُ لا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لا يُؤْمِنُ، قِيل: وَمَن يَا رَسُولَ اللَّه؟ قَالَ: جَارٌ لا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ»، والبوائق: هي الشرور والمتاعب التي مثَّلنا بها الآن بهذه الأمور، فلا تظن المرأة أو الجارة، أنها حين تُغلِق الباب بقوة في وجه جارتِها، أن هذا أمر مسموح به في الإسلام، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - نفى الإيمان الكامل عمن يفعل ذلك، ولذا فنحن في أمس الحاجة إلى حسن الجوار في عالمنا المعاصر.