الخط هو فن الكتابة الجميلة التى تزين النص وتضيف إليه قيمة تأويلية مميزة. ولقد كان للقرآن الكريم دور أساسى، بل وكل الفضل، فى تطور الكتابة العربية، ومن ثم فن الخط العربى. كما أن كتابة القرآن بهذا الخط أدت إلى إعلاء شأن هذا الأخيرة وإجلاله. سرعان ما انتشر وتطور استعمال الخط العربى فى العالم العربى والإسلامي ليشمل بذلك الدواوين والمعمار والخزف، وأخذ بذلك أهمية متزايدة وصلت إلى درجة الرقى إلى جانب فن الزخرفة، حتى أصبح استعمال كلاهما شائعاً سواء فى الكتب أو فى البنايات، حيث التناغم الموسيقى والهندسى لهذين الفنين يثير كل الإعجاب، فصارا رمزًا للحضارة العربية والإسلامية. وتبدو عبقرية الفنان المسلم فى العناق الرائع بين كلمات الله المباركة والحرف العربى من خلال المصحف الشريف الذى شهدت رحلته حروفًا من نور تحتضنها وحدات زخرفية وزينة بداية من غلافه وتجليده وحتى صفحاته الافتتاحية والداخلية. و بدأت رحلة المصحف بعد معركة اليمامة عام 11 هجرية بعد وفاة الرسول الكريم بعام والتى استشهد فيها عدد غير قليل من الصحابة من حفظة القرآن الكريم فأشار عمر بن الخطاب (رضى الله عنه) على الخليفة أبو بكر الصديق (رضى الله عنه) بأن يجمع القرآن حتى لا يذهب بذهاب القراء والحفاظ إذا ما تكرر ما حدث فى المعركة، فأوكل أبو بكر المهمة لزيد بن ثابت (رضى الله عنه) ومن هنا بدأت الرحلة وكان القرآن يكتب على العسب (وهو جريد النخل واللخاف (الحجارة البيضاء الرقيقة) والرقاع والأديم (الجلود الحمراء المدبوغة). وقد بدأ جمع القرآن وكتابته بالخط المجازى الذى تميز بفخامته وسهولته فى نفس الوقت ثم تطور إلى خط النسخ. ومن بعد الصحابى زيد بن ثابت جاء حذيفة بن اليمان الذى حضر تنازع أهل الشام وأهل العراق فى قراءة القرآن الكريم فاستشعر بوادر الخطر والخلاف وبعده سميت النسخ الأولى من المصاحف باسم «المصاحف الأئمة» وكان عددها 5 نسخ أرسلت 4 منها إلى البصرة والكوفة ومكة المكرمة وبقيت واحدة فى المدينةالمنورة وكانت خالية من النقط والتشكيل حتى جاء عهد معاوية بن أبى سفيان حين وجد البعض يخطئون فى القراءة لعدم وجود النقط فأسندت المهمة إلى أبو الأسود الدؤلى الذى يرجع له الفضل فى وضع التشكيل على الحروف (الضمة والفتحة والكسرة والسكون وغيرها) ولكن على هيئة نقط أما الشكل الحالى لهذه العلامات فقد وضعه الخليل بن أحمد الفراهيدى عام 687ه. وقد تطور الخط العربى مرتبطًا بتطور كتابة المصحف الشريف الذى كان حافزًا لهذا التطور، وارتبط أيضًا بجهود مجموعة من الخطاطين الكبار الموهوبين أمثال خالد بن أبى الهياج ومالك بن دينار وقطبة المحرر فى العصر الأموى ومن مدرسة بغداد جاء الضحاك بن عجلان وإسحق بن حماد وابن مقلة وابن البواب وياقوت المستعصمى وغيرهم. أما فنون الزخرفة والتذهيب فقد جاءت لتحديد بدايات الأجزاء والأحزاب وكتابة أسماء السور وعدد آياتها، مع صفحتى الفاتحة وبداية سورة البقرة وقد انتقلت الزخارف المستخدمة فى المصاحف الشريفة لتزيين الجدران والعقود والعمائر الإسلامية وكان لها أبلغ الأثر فى تطوير شتى الفنون الإسلامية، كما ارتبط بها فن تجليد المصاحف لحمايتها من التآكل والعناية بمظهرها الخارجى.