ندرك جميعا أن السخرية من أهم الموروثات لدى الشعب المصرى بل إنه يجد فيها فرصة لمعارضة الحكام على مر السنين، خصوصاً أن معظم من تولى حكم مصر عبر التاريخ كان دائما بعيداً عن معاناة الشعب الحقيقية وعادة ما تفصله بطانة تعزل الشعب عن الحكام. ومن هنا تجد أن الثقافة الشعبية المصرية مفعمة من الناحية الفكاهية بالمواقف الطريفة بالأقوال والحكم، وهى ظواهر صوتية تبدو مؤلمة تارة ومضحكة تارة أخرى، ولعل ذلك يعد السبب الجوهرى فى أن الشعب المصرى هو بالسليقة ابن نكتة، وعادة ما يستخلصها من رحم الأحداث الأكثر مرارة ومأساوية، ومن ثم كنا نتوقع أن مائدة دراما رمضان بعد عام من حكم الإخوان ستكون مفعمة بأصناف من الكوميديا التى من شأنها أن تجرفنا نحو واحة رحبة من الضحك والسرور، وتخفف أيضا من قتامة الأحداث الخانقة، ناهيك عن تخفيف واجب لحدة العنف الذى تجتاح غالبية مسلسلات هذا العام. وعلى قدر المواقف الكوميدية التى شهدها عام 2013، سواء كانت على مستوى تصرفات المعزول «مرسى» وبطانته، أو صادرة عن أصحاب فتاوى هدم الأهرامات، و«أم أيمن» وأخواتها فى مسألة زواج القاصرات، وغير ذلك من مواقف «الساركزم» التى تكفى لصناعة عشرات الأعمال الكوميدية فائقة الجودة ، فقد جاءت غالبية المسلسلات على عكس حقيقة «أن الضحك فى جوهره ظاهرة اجتماعية بالضرورة». وعلى قدر ما أصاب الذائقة الكوميدية لدى كتاب الدراما الجدد من تراجع، فإن قلة من المسلسلات جانبها بعض المتعة اللحظية ، مثل «العملية ميسى» لأحمد حلمى، والذى اجتذب شرائح مخلتفة من الجمهور وخاصة الأطفال، وشىء من هذا لامسه المتفرج فى«صاحب السعادة» لعادل إمام ، وإن لم يكن له نفس بريق الأعوام السابقة، وأيضا لامسنا قدرا منها فى مسلسلى «دكتور أمراض نسا» لمصطفى شعبان، و«كيد الحموات» لماجدة زكي، ولعلهما العملين اللذين يعدان الأقرب إلى حد ما من الكوميديا كظاهرة اجتماعية نابعة من قلب الواقع المصري. لكن «إمبراطورية مين» لهند صبري، قد حازت الفشل جراء السيناريو المفكك والمرتبك، وغرق «الكبير» لأحمد مكى فى براثن الملل فى جزئه الرابع نظرا للاستسهال، وهنالك «أنا وبابا وماما»، لأشرف عبد الباقي، و«مبسوطة يا توتة» لمى كساب، و«فيس أبوك» لمجموعة من الشباب، ثلاثة مسلسلات خرجت عن التصنيف. أما«فيفا أطاطا» لمحمد سعد، فإنه احتل مرتبة الأسوأ بجدارة فى الفساد الكوميدى، نظرا لبعد الشخصية عن الواقع المصري، فضلا عن حجم التشوهات النفسية والتلوث الدرامى إلى أقصى مدى ، وهو مايعكس حالة الإفلاس التى يعيشها محمد سعد، فعلى قدر موهبته الكبيرة كممثل شامل، وطاقة كوميديا متفجرة، لجأ إلى تكرار تجاربه السينمائية فى عمل درامى لايليق بمرحلة النضج فى حياته، وكان ينبغى أن يستغل تراكم خبراته السابقة فى ابتكار أساليب كوميديا قادمة من قلب الشارع المصري، وهنالك نماذج تتشابه معه إلى حد التطابق على مستوى الشكل والمضمون، ويمكن أن تكسبه بريقا أخاذا، على عكس تلك التجربة المشوهة التى ستظل بمثابة مسمار فى نعش كل تجاربه الكوميدية. فلاشك أن الكوميديا لها دور فى صميم حياتنا النفسية والاجتماعية، فنحن نريد أن نضحك حتى نخفف عن أنفسنا بالكوميديا ، والضحك إضافة إلى هذا ظاهرة اجتماعية فى أغلب شأن ، فنحن لا نضحك ضحكاً مفرطاً حينما نكون وحدنا، وإذا حدث هذا فإننا نضحك بدافع تخيلنا للنكتة التى شاركنا فى الضحك عليها شخص آخر أو أشخاص آخرون. إذا يبدو الضحك فى جوهره بالفعل ظاهرة اجتماعية ، ولعل شيئاً من هذا المكان فى ذهن صمويل جونسون حين قال: «اختلف الناس فى الطريقة التى يعبرون بها عن حكمتهم، ولكنهم اتفقوا على الطريقة التى يضحكون بها»، والضحك، فوق هذا وذاك ابتهاج بالحياة، أو كما عبر عنه «فولستاف»، ذلك الضاحك طيب القلب فى قوله لجمهوره: «تحبون الدنيا؟ إذن لأستخدمن فنى فى إقناعكم بأنها هكذا فعلا».