في كتابه الشهير:ThePhysiologyoflaughter يقول هربرت سبنسر: إن الضحك هو مجرد فائض للطاقة الإنسانية وعلي المرء أن يجد له متنفسا ليخرج هذه الطاقة من جسده, والطاقة الفائضة التي يثيرها الإحساس بالسرور والبهجة لابد أن تبحث لها عن منفذ من خلال الظاهرة الصوتية المتعلقة بعملية التنفس والتي نطلق عليها الضحك ومن أجل ذلك ستجد أن الثقافة الشعبية المصرية مفعمة من الناحية الفكاهية بالمواقف الطريفة بالأقوال والحكم وهي ظواهر صوتية تبدو مؤلمة تارة ومضحكة تارة أخري, ولعل ذلك يعد السبب الجوهري في أن الشعب المصري هو بالسليقة ابن نكتة ومما لاشك فيه أن' باسم يوسف' عبر برنامجه' البرنامج' قد حقق كثيرا مما أشار إليه' هربرت سبنسر' في استخراج تلك الطاقة الهائلة من قلب الأزمات الطاحنة في حياتنا المصرية الحالية, رغم مايكتنف سماء الوطن من سحابات ملبدة بغيوم قاتمة, ولعله أيضا بما يملك من حس كوميدي وقدرة علي تبسيط أعقد المواقف في جملة أو كلمة أو مشهد صغير وهو مايمكنه بالضرورة من رسم بسمة أمل علي وجوه الناس حتي صار الجمهور المصري علي موعد أسبوعي معه في الحادية عشرة مساء من كل جمعة, وهو لقاء يشبه إلي حد كبير البرنامج الإذاعي الفكاهي' ساعة لقلبك' الذي يعد من كلاسيكيات القرن الماضي والذي كان يقدمه' أبو لمعة والخواجة بيجو' ويتناوب علي كتابته ظرفاء ذلك الزمان' يوسف عوف, أحمد طاهر, أمين الهنيدي, أنورعبد الله, محمد يوسف, عبدالمنعم مدبولي, محمد يوسف' وكان علي ذات الوتيرة من الاهتمام ونفس الهدف لإسعاد الناس في أعقاب ثورة23 يوليو1952 م. وعلي الرغم من الدقة الشديدة والمجهود الضخم الذي يبذله فريق الإعداد فإنه وللأسف الشديد حاد' باسم' عن الهدف قليلا عندما بدأ يستخدم العديد من الإيحاءات التي توصف بالإبتذال وخدش الحياء العام, فضلا عن ألفاظ وتعبيرات لم تعد تقبلها الأسرة المصرية التي كانت تعتبر' البرنامج' متنفسا أسبوعيا يعيد البسمة لتلك الشفاه المكلومة التي يشقيها التعب اليومي جراء التصريحات المحبطة والتحليلات العقيمة, ونزق السياسيين وفائض الطاقة الهائلة عند كثير من الزملاء الإعلاميين الذين ينفثون سمومهم في وجوهنا مستغلين حالة الاستلسام اللذيذ لسحر الشاشة بعد أن أصبحت الفضائيات تلعب دورا مهما في حياتنا, ونفضت عنا غبار' الوصاية' التي كان يفرضها الإعلام الرسمي. كثيرون من محبي' باسم يوسف' غيري أصابتهم الصدمة والرعب والخشية من فساد تلك' التجربة الكوميدية' التليفزيونية الوحيدة حاليا, والتي كادت ترسخ في وجدان المصريين الذين هم بالسليقة' ولاد نكتة' بل أن' النكتة' تعد من أهم الموروثات لدي الشعب المصري, والتي يجد فيها فرصة لمعارضة الحكام علي مر السنين, خصوصا أن معظم من تولي حكم مصر عبر التاريخ كان بعيدا عن معاناة الشعب الحقيقية وتفصله بطانة تعزل الشعب عن الحكام. فالملاحظ أن الحلقات الأخيرة جنح فيها' باسم' نحو حافة المبالغة في استخدام اللفظ والإيحاء الخادش علي حساب المضمون الجيد مقلدا نجوم التليفزيون الامريكي ديفد لترمان وجاني لنو ونجون ستيورت وجيمي افلونمشاهير هذا اللون من البرامج التي تمزج بين السخرية والخروج علي المألوف في إطار كوميدي لايخلوا من بهارات حارقة. والحقيقة أن هناك جهد مبذول في إنتاج وجبة كوميدية دسمة لها تأثيرها الفعال علي منتقديه قبل محبيه, ولولا تلك الهنات لكان يمكن له أن يتربع برنامج باسم علي عرش الضحك بجدارة, وتلك والله مهمة شاقة الآن في تلك الأرض المزروعة بأشواك السياسة القاتلة التي عصفت بحياة الناس رغم أنهم قاموا بثورة في مثل هذه الأيام قبل سنتين طامحين نحو تحقيق أبسط قواعد الإنسانية في' العيش والحرية والعدالة الاجتماعية'. ولأن أحلامهم كلها قد تسربت فيبقي من العدل المطلوب الآن أن يحافظ' باسم' علي برنامجه بقليل من البهارات حتي يظل الجمهور متعلقا بهذه البوابة المشرعة علي صناعة الأمل الأسبوعي, وذلك بالتركيز علي المواقف الدراماتيكية في حياتنا والتي تتسع لها مجلدات من كوميديا الموقف' حكومة ومعارضة' والتي يعجز عنها الخيال الدرامي والسينمائي, لكن برنامج' البرنامج' يستطيع أن يصوغها في قالب فلسفي ساخر بما يملك صاحبه من موهبة وقدرات فريق إعداده علي صناعة هذا اللون بحرفية ومهنية عالية, ساعتها سوف يصفق الجهمور بحماس أكبر مرددا'Goodluck' ياباسم.