قدم الفنان مصطفي كمال في معرضه الذى استضافته قاعة الفنون التشكيلية بدار الأوبرا أخيرا عالماً جديداً من إبداعاته التصويرية ليخاطب المتلقي بما احتوتها من حوارات بين العناصر قديمها وجديدها، فنياً وفلسفياً، من الأساطير والموروثات الشعبية، صاغها في أحجام ومساحات كبيرة حققت له انطلاقة في ألوانها، وحيوية في عناصرها، وعفوية في تناولها، وهي عناصر حصرها وحددها الفنان في رسوم وأشكال «الديك، الحصان، الكلب، القط، وأحياناً الإنسان، عناصر مجملة بتعبيرات القوة، الألم والحزن، الرقة والرشاقة والرومانسية، وصور شخصية للفنان، وقد تعامل معها جميعاً من منطقه الشاعري الخاص وحساسيته المرهفة، وهي شاعرية حرة تنبعث من خلال تحضيراته الأولية علي سطح اللوحة، يجمع بينها اللون والعنصر بأسلوب تجريدي في ألوانه واستعمالاته لها، وتشخيصه للعناصر عند تناوله لها والتعبير عنها. وكثيراً ما يقابلنا الديك في لوحاته، ويأتي صياح الديك، وصياحه ليس ظاهرة صوتية فقط، لكنه صيحة لونية خطية، فإذا كان الديك رمزاً للزمان، وصياحه عادة مع طلعة الصباح إلا أن صيحته تؤكد من خلال اللوحات كل الأزمان مجتمعة، عالم الشروق، وعالم الظهيرة، بل والمساء، وعن صياح الديك نظم الفنان شعراً: عندما يأتي صوت الديك كل صباح معلناً قدوم النهار.. يبدأ زحام الحياة من جديد.. مواقف صعبة.. مواقف حرجة.. مواقف مرحة.. مواقف جريئة.. مواقف حزينة..لحظات الإعياء وشجونها..لحظات الاسترخاء وخيالاتها.. فانتازيا الطفولة.. أحلام المراهقة.. طموحات الشباب.. واقع مرير.. دراما الذكور والإناث.. أما أسلوب الفنان مصطفي كمال الفني فقد اتجه في بداية ممارسته للإبداع التشكيلي نحو الواقعية، ثم سار في اتجاه التعبيرية الحرة، بمعني أنه كان يوظف تقنيات فن الحفر تحت سيطرة طاقته الإبداعية في سبيل التعبير عن مضمون الفكرة التي انفعل بها وأراد نقلها عبر الوسيط الجرافيكي، وقد استمرت رحلة ممارسته لفن الحفر مسيطرة علي إنتاجه الفني حتي عام 1974. حيث سافر في بعثة إلي إنجلترا، ثم إلي فرنسا واستقر به الوضع في شمال إيطاليا حيث عايش تجربة جديدة داخل مناخ أعرق معهد أكاديمي في فنون الحفر والجرافيك بمدينة أوربينو العريقة والشهيرة بهذا الفن علي مستوي العالم. وكانت ممارساته في مجال فن الحفر حتي عام 1975، وكانت هذه الفترة مدخله المباشر إلي مجال التصوير الزيتي، حيث أنتج أعمالاً تصويرية ذات رؤية تشكيلية بين التعبيرية والتأثيرية، حيث اتجه لتصوير البيئة الطبيعية الخلابة المتمثلة في مرتفعات ووديان أوربينو الشهيرة، وبالتالي اتجه إلي توظيف العناصر الشكلية الرئيسية في الحياة (الإنسان والحيوان والنبات) عبر علاقات تشكيلية لا تخلو من النزعة الدرامية. ومنذ عام 1975 حتي عام 1981 كانت انعكاسات وتعبيرات مصطفي كمال تدور حول قضايا إنسانية من خلال معايشة العلاقة الثلاثية الطبيعية بين عناصر الحياة، ثم بدأت تعبيراته بعد ذلك تتجه إلي التأثيرية البحتة من خلال ظهور رغبة حذرة في الاهتمام بالانعكاس البصري دون الخوض في تفصيلاته الدقيقة ويظهر هذا جلياً في مجموعة الورد التي قدمها خلال الفترة من 1990حتي 1994. ثم جاءت مرحلة الصحراء حيث تعايش مع بيئتها الطبيعية وغرائبها وطبيعة أهلها عبر رحلاته إلي الوادي الجديد وصحراء واحة الفرافرة برمالها وصخورها البيضاء خلال الفترة من 1995حتي 1999، وبعدها قدم حصاداً لتجربة جديدة عرضها عام 2001 تحت عنوان (ولكنها الحياة). وجاءت فكرة زفاف الطائر والسمكة عام 2005، حيث ترجمت رؤية الفنان حول المتناقضات التي اكتنفت حياتنا المعاصرة عبر فكرة الجمع بين السمكة التي لا يمكن أن تخرج من الماء وتستمر في الحياة، والطائر الذي يعيش حرا فوق أفرع الأشجار.. بما يظهر رمزية العلاقة المتناقضة التي سادت بعض جوانب الحياة مع تهميش العنصر البشري. وخلال السنوات العشر الأخيرة جاءت أعمال الفنان مصطفي كمال لتصور الفكرة قبل الموضوع ليترك للمتلقي قراءة المضمون والتعايش معه. كما أن (وجوه تبحث عن رسام) التي استعرض فيها ذاتية وخصوصية عالية قدمها بعبارة: «شارف الرسام العجوز نهاية الطريق، وتعثرت خطواته، ثم التفت للخلف حيث لاحظ بعض الوجوه التي تلاحقه.. منها ما يكشف عن الذي بداخله، ومنها ما يخفيه بحذر) وبمثابة تنظير لهذه التجربة الجديدة يكتشف المتلقي أن الفنان قد حقق ذاتية عالية إلي جانب استثماره لمشوار التجربة الطويلة في أفرع الفن التشكيلي بين الرسم والجرافيك والتصوير.