الفنان صبري حجازي من الجيل الثالث لفن الجرافيك وهو من الاساتذة الذين درسوا بأكاديمية "اوربينو "التي تعد اعرق معهد لدراسة فن الكتاب وفن الجرافيك.. ومن بين من درسوا فيه الفنانين: كمال امين وسعيد حداية وحسن الاعسر وحسين الجبالي وحازم فتح الله ومصطفي كمال وكان أولهم الرائد عبدالله جوهر "19162006". وحجازي يحمل مع ثقافتة الرفيعة قوة في الاداء تمتد بطاقة روحية وتعبيرية عالية ذات صلة وثيقة بدنيا الناس.. واعماله يمتزج فيها الهندسي بالعضوي حيث تتحاور العناصر مع تلك الايقاعات المشبعة بكثافة لونية تخرج بها من الايقاع الهندسي الخالص إلي ايقاع تعبيري يمتد من الحركة إلي السكون في افاق كونية . وقد بلغ في أعماله أقصي درجات التجريد حيث تتحول الطبيعة إلي اطياف كما يتحول الانسان إلي رمز تتعانق فيه الروح والصورة. وليس اجمل مما قاله عن اعماله فقيه التصوير حامد عويس والذي يلخص فلسفة الفن لديه :" اذا ما نظرنا إلي أعمال الفنان صبري حجازي بالعين المجردة التي لا تري إلا الجمال العادي والعابر فسوف نري التوازن في الأضواء والظلال والانسجام في الأشكال والحساب الدقيق للمساحات والفراغات والتدفق في المشاعر والقدرة الفائقه علي الأداء". التشخيص وعالم إنساني يري الفنان صبري حجازي : "ان الاعمال الفنية الطباعية لاتقوم علي موضوعات يتناولها الفنان وانما تعتمد في الاساس علي التجارب التي يمر بها وهي تجارب ترتبط بالمحتوي الجمالي وتجربة التعبير المثيرة للفنان وهو يشير إلي ان اي عمل فني طباعي لابد وان يتضمن بالضرورة موقفا اجتماعيا اوسياسيا والذي يعد بدوره جزءا اساسيا في انشاء الصورة وعالمها المتصل بالتجربة وبالوجود الانساني ..ورغم ان له حرية استخدام مايشاء من ادوات إلا أن عليه ان يحافظ علي جوهر العمل الفني الاصيل وشروطه التعبيرية ولابد ان تتم الطباعة مباشرة بواسطته وذلك من اجل الحفاظ علي الجوانب التعبيرية والجمالية والحس الانساني". في اعماله التي تجنح إلي التشخيص يجسد اغنية شاعرية نطل فيها علي لحظات شديدة الانسانية كما في لوحته التراحيل التي يتواصل فيها هؤلاء البشرمن عمال هذه الطبقة والذين يتنقلون من مكان الي مكان في جماعات بحثا عن الرزق.. وقد جسد خمسة اشخاص في ايماءات تعبيرية بوجوه غائمة وملامح حزينة متآكلة ضيعتها الظلال جعلت منها حالات من الوهن.. الا انهم لم يفقدوا الامل من خلال هذا التواصل والذي تؤكده حالة الاندماج التي تبدو من حركات الوجوه بين الجانبية "البروفيل" والامامية وجاءت الخلفية في شريط عرضي اسود متعرج واخر ابيض وثالث اسود في الافق .. والشمس بهيئة دائرة معلقة في السماء شاهدة علي رحلتهم في القيلولة. وفي لوحة " نساء عاملات 2005" نطالع امراتين جالستين احداهما بوجه امامي يحلق خارج اللوحة والثانية في وضع جانبي..مع ظل امراة متوحدة مع الخلفية ..ومن الوهلة الاولي يتدفق تيار المشاعر يسري مؤكدا حالة انسانية فيها هموم العمل والحياة الضاغطة . وللفنان صبري حجازي اعمال مزج فيها بين الادب والفن تاكيدا علي وحدة الفنون خاصة فيما يتعلق بالادب العالمي كما في لوحته «المجيء الثاني» للشاعر ييتس والتي عرضها عام 1973 و هي مزيج بين الحس السيريالي والرمزية وعكس فيها لعالم الشاعر الإنجليزي وليم ييتس "1865 1939" الذي يتسم بالروحانية ومافوق الطبيعة.. في ايقاع رصين من هذا التشكيل او الكائن الفضائي الذي ينطلق من نقطة ويتصاعد منفرجا إلي اعلي في الفضاء والمساحة هنا مساحة هندسية سوداء بفتحة بيضاء بمثابة الارض والافق من اعلي مساحة بيضاء مشبعة بالرمادي .. فنحن حين نتامل اعماله : " منظر خلوي روما " "منظر خلوي اوربينو " " منظر بحري ليلي " " الميناء الشرقية " "طبيعة صامتة " " البحر " " المدينة " "منظر في المنتزه " لا نجد سوي تعبيرات رمزية فيها روح الاشياء ونبض المكان وتتحول العناصر هنا إلي روح ايقونية تبتعد عن الواقع بقدر ما تقترب من الخيال وتحمل ايقاعا جديدا.. يهمس ولا يبوح ويتحدث في صمت.. وقد تتحول إلي ايقاع تجريدي خالص كما في لوحته " المدينة " التي ينقلنا خلالها إلي ملحمة من الخطوط التي تتلاقي وتتقاطع وتتجاذب بزوايا ميل تشكل كتلا علي السطح التصويري.. تتخللها مساحات سوداء بما يعني الزحام والضجيج وصرامة الحياة المعاصرة وواغشها المثير.. كل هذا في غنائية لونية بدرجات هادئة من الاحمر والازرق والاصفر . وفي "منظر من المنتزه " ينقلنا إلي حالة اخري.. حالة درامية يتوحد فيها الشجر مع الطيور السابحة في تشابك الاوراق والظلال الداكنة ذات النغمات تشكلها تلك التاثيرات العرضية والراسية ويتخللها مساحات سوداء تبرق وتتوقد تضفي حيوية علي الاطار العام . وقد جاءت لوحة "منظر بحري ليلي " بما تعكس من طاقة تعبيرية مساحة عميقة تتلامس مع الوجدان خاصة مع كثافة الاسود الديناصوري والذي يتخلله الازرق البحري والاحمر والاصفر الاوكر. وتعد اعمال الفنان صبري حجازي بالالوان المائية صروحا تشكيلية تتميز بالتماسك والرسوخ فتبدو مشبعة باللون.. تتداخل فيها السطوح والعناصر كما في لوحاته للطبيعة الصامتة التي تحتشد بالاواني والدوارق مع الاشكال الهندسية وتمتد في الوان من الازرق والكحلي والفوشيا والاسود.. في ايقاع جديد تخرج علي اواني جرجيو موراندي " 189 1964 ". لكن تظل لوحته "البحر" ..مائية شاعرية تمتد في ثنائية لونية من الازرق المتمثل في الافق الذي يعانق البحر والبيج المشبع بزرقة خفيفة والمتمثل في رمال الشاطئ ..تحمل من الاسرار وكثافة التعبير مايجعلها تفيض بالمشاعر والاحاسيس تؤكدها بلاغة شديدة من الاقتصاد اللوني .