لقد أتى على مصر حين من الدهر... وهى تحبس أنفاسها، وتكتم آلامها وأوجاعها، من سوس ينخر فى عظامها. ذلكم هو سوس الفساد الذى كاد يأتى على الأخضر واليابس، ولقد وجد الفساد تربته الخصبة فى ارض انتشر فى ربوعها وعربد فى ارجائها، أهل الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق، الذين غابت ضمائرهم وعميت بصائرهم، وجهلوا أو تجاهلوا أن الأخلاق هى أهم الدعائم التى يرتكز إليها بنيان الأمم، وإنه إذا ضعفت أو هزلت الأخلاق، برز على الساحة أهل الشقاق والنفاق ذلك أنه: إنما الأمم الأخلاق ما بقيت.. فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا. وإن أمة ابتليت فى أخلاقها... لهى أمة لا تستحق وجودها، وفضلا عن ذلك فأنه إذا كان العلم هو قاطرة الحضارة أية حضارة فإن العلم يتحول من أداة بناء وتعمير إلى أداة هدم وتدمير، إذا كان غير مصوحب بالخلق المشرق المنير. وقبل هذا كله وبعده فإن الأخلاق هى جوهر وصميم رسالة الإسلام، ذلك قول رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق». وأن الحق تبارك وتعالى حين زكى رسوله وأثنى عليه.... لم يصفه بالصدق أو الامانة أو العلم أو الحكمة... وكل ذلك فيه... وإنما أثنى عليه وخاطبه.... «وإنك لعلى خلق عظيم»... وحين أذن الله لمصر بالخير... أن يزيل الغمة عن الأمة... اندلعت ثورة الشعب متدثرة بدثار مكارم الأخلاق.... ملتزمة بالقيم السلوكية الراقية... ومترجمة للمبادئ الأخلاقية السامية... التى تجلت فى أبهى صورها مع أدبيات التجمع الجماهيرى الضخم فى مختلف الميادين يسوده الحب والمودة والتعاطف والتعاون والتراحم والتآلف... والمروءة والشهامة والايثار وإنكار الذات والتعاطف وكان الملايين عائلة واحدة... يحنو منهم الكبير على الصغير... والصغير منهم يوقر الكبير... ويؤثر كل واحد منهم غيره على نفسه بشربة الماء أو كسرة الغذاء... فى سيمفونية حب ومودة وإخاء.... استرعت وأثارت انبهار البشرية جمعاء.. وكان حتما مقضيا مع أخلاقيات الثورة وأدبياتها... أن يتوارى عن ساحة الوطن إلى غير رجعة «صانعو الفسا»... الذين عاثوا شرورا فى ربوع البلاد.... ان يتوازى أهل الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق... وذلك ماجري.... بحمد الله تعالى... لفترة وجيزة من الوقت... ولكن للأسف الشديد فإن الفرحة ماتمت... والبهجة مااكتملت... إذ سرعان ما خرجت الحيات والأفاعى من جديد من جحورها فى محاولة دنيئة للالتفاف على الثورة والانقضاض عليها... والإساءة إليها، وعلى خلاف المتوقع والمأمول... وبعد أن ابتهجنا بشروق شمس الثورة.... اصبحنا نخاف عليها من الأفول... إذ شهدت ساحة الوطن وتشهد حالة من الانفلات الأخلاقي... تحار حيالها الأفهام والعقول... وبعد ان وقف الخلق ينظر جميعا أدبيات الثورة ونقاءها وأخلاقياتها... إذ بهم اليوم مذهولون مندهشون من انهيار الأخلاق وانفلاتها.....!!!! ولقد كان من توابع زلزال الانفلات الأخلاقي... الانفلات الأمنى ثم... الانفلات الإعلامي... اذ انصرفت بعض وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة (والالكترونية) إلى الإثارة والتهييج والإسفاف والابتذال والتهريج.... إلى الإساءة إلى الشرف والعرض والإكثار من القذف والسباب.... وإشاعة الفاحشة ونشر الفضائج والتنابز بالألقاب.... مع مجافاة أدب الحوار... وتحفيز الصغار للتطاول على الكبار... واستقطاب واستنطاق واستنفار محترفى الكلام السقيم والجدل العقيم... الذين هم فى كل واد يهيمون..... ويقولون ما لا يفعلون.... ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون... كما كان من توابع زلزال الانفلات الأخلاقي... الانفلات السلوكي... فمع غياب الشهامة والمروءة والنخوة والرجولة اجتاح الشذوذ والانحراف مع... الخسة والنذالة....شراذم من البشر من المحسوبين ظلما على الشباب.... وهم فى الحقيقة أسوأ حالا من الذئاب.... فقد اعملوا فى جسد المجتمع الظفر والمخلب والناب.... فضلوا وأضلوا وتقطعت بهم الأسباب... عاثوا فى الأرض فسادا واحترفوا التدمير والخراب.... واستمرأوا الترويع والإجرام والارهاب... حتى إذا ضاق عليهم الخناق... وطاردتهم اللعنات وصاروا من شذاذ الآفاق... لجأوا إلى أحط وأحقر السلوكيات.... عمدوا إلى التحرش بالسيدات الفضليات والفتيات والعفيفات البريئات... هادفين إلى خدش حياء الأمة ومحاولة تعكير البهجة وسرقة البسمة... مع الرغبة المريضة فى الانتقام من المرأة المصرية التى أبهرت الدنيا بروعة أدائها، وشموخ عطائها، وعمق وطنيتها وتميز انتمائها وولائها... ولكن طاش سهم هذه الذئاب المسعورة... والوحوش الضارية والمذعورة... وتبت الأيادى النجسة المأجورة... حين رصد لهم العيون الساهرة وشلت حركتهم الشرطة الأمنية الماهرة ، وانتفض الشعب عن بكرة أبيه مستنكرا الجريمة والمجرمين... وفى لفتة إنسانية مبهرة توجه رئيس الدولة بنفسه لمواساة من كانت هدفا للعدوان الأثيم... وكأنما مثله الأعلى الفاروق عمر بن الخطاب الخليفة والحاكم العظيم. وصفوة القول أن الانفلات الأخلاقي... وتوابعه من مثل الانفلات السلوكى والتحرش الجنسي... ذلك كله إنما مرجعه إلى غياب التربية الدينية الصحيحة، ومسئولية ذلك إنما تقع على عاتق المؤسسات الدينية والتعليمية والثقافية والإعلامية والاجتماعية والشبابية ولو أن تلك المؤسسات أدت رسالتها الوطنية كما ينبغى لما عانى الوطن الشذوذ والانحراف والإجرام ولاختفت من سماء مصر خفافيش الظلام... ولتطهرت أرضها من شياطين الأنس أصحاب الرجس .... مرضى القلوب والعقول... الخونة اللئام... فالتربية الدينية الصحيحة هى السياج الذى يحمى الوطن والمواطنين... ويغلق الباب فى وجه أعوان الشياطين من الشواذ المنحرفين والمجرمين والإرهابيين.