سعر الدولار في السوق السوداء والبنوك اليوم    166.7 مليار جنيه فاتورة السلع والخدمات في العام المالي الجديد    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    أمريكا تعد حزمة مساعدات عسكرية جديدة بمليارات الدولارات إلى كييف    الصين تتهم امريكا بتشديد العقوبات وفرض حصار تكنولوجي    "تايمز أوف إسرائيل": تل أبيب مستعدة لتغيير مطلبها للإفراج عن 40 رهينة    وانج يي ل بلينكن: على أمريكا عدم التدخل في شؤون الصين الداخلية وعدم تجاوز الخطوط الحمراء    أول تعليق من رمضان صبحي بعد أزمة المنشطات    عواصف رملية وترابية بهذه المناطق.. تحذير عاجل من الأرصاد    أبناء أشرف عبدالغفور الثلاثة يوجهون رسالة لوالدهم في تكريمه    الرئيسان التونسي والفرنسي يؤكدان ضرورة الوقف الفوري للحرب على قطاع غزة    بعد سد النهضة.. أستاذ موارد مائية يكشف حجم الأمطار المتدفقة على منابع النيل    القومي للأجور: جميع شركات القطاع الخاص ملزمة بتطبيق الحد الأدنى    جثة دون أحشاء مقابل ملايين الجنيهات| قصة ال«دارك ويب» في جريمة طفل شبرا.. والنيابة تكشف مفاجأة صادمة بمكان الحادث    الأسعار كلها ارتفعت إلا المخدرات.. أستاذ سموم يحذر من مخدر الأيس: يدمر 10 أسر    أعضاء من مجلس الشيوخ صوتوا لحظر «تيك توك» ولديهم حسابات عليه    قوات الاحتلال تعتقل شقيقين فلسطينيين بعد اقتحام منزلهما في المنطقة الجنوبية بالخليل    أبرزهم رانيا يوسف وحمزة العيلي وياسمينا العبد.. نجوم الفن في حفل افتتاح مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير (صور)    عاجل - حزب الله يعلن استهداف قافلة تابعة للعدو قرب موقع رويسات العلم.. وهذه خسائر قوات الاحتلال    أحشاء طفل و5 ملايين جنيه وتجارة أعضاء بشرية.. ماذا حدث داخل إحدى الشقق السكنية بشبرا الخيمة؟    أنغام تبدع في غنائها "أكتبلك تعهد" باحتفالية عيد تحرير سيناء بالعاصمة الإدارية (فيديو)    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الجمعة 26 أبريل 2024    طريقة تغيير الساعة في هواتف سامسونج مع بدء التوقيت الصيفي.. 5 خطوات مهمة    «الإفتاء» تعلن موعد صلاة الفجر بعد تغيير التوقيت الصيفي    أذكار وأدعية ليلة الجمعة.. اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا    بعد تطبيق التوقيت الصيفي 2024.. توجيهات الصحة بتجنُّب زيادة استهلالك الكافيين    مع بداية التوقيت الصيفي.. الصحة توجه منشور توعوي للمواطنين    جدعنة أهالي «المنيا» تنقذ «محمود» من خسارة شقى عمره: 8 سنين تعب    خالد جلال يكشف تشكيل الأهلي المثالي أمام مازيمبي    إعلان نتيجة مسابقة المعلمة القدوة بمنطقة الإسكندرية الأزهرية    هيئة الغذاء والدواء بالمملكة: إلزام منتجات سعودية بهذا الاسم    مواقيت الصلاة بعد تطبيق التوقيت الصيفي رسميًّا    سيد معوض يكشف عن مفاجأة في تشكيل الأهلي أمام مازيمبي    أبرزها الاغتسال والتطيب.. سنن مستحبة يوم الجمعة (تعرف عليها)    سلمى أبوضيف: «أعلى نسبة مشاهدة» نقطة تحول بالنسبة لي (فيديو)    حظك اليوم وتوقعات الأبراج الجمعة 26/4/2024 على الصعيد المهني والعاطفي والصحي    أحمد كشك: اشتغلت 12 سنة في المسرح قبل شهرتي دراميًّا    تشرفت بالمشاركة .. كريم فهمي يروج لفيلم السرب    "مواجهات مصرية".. ملوك اللعبة يسيطرون على نهائي بطولة الجونة للاسكواش رجال وسيدات    استقالة متحدثة إقليمية بالخارجية الأميركية احتجاجًا على حرب غزة    «زي النهارده».. استقالة الشيخ محمد الأحمدي الظواهري من مشيخة الأزهر 26 أبريل 1935    سيد معوض يكشف عن رؤيته لمباراة الأهلي ومازيمبي الكونغولي.. ويتوقع تشكيلة كولر    عاجل - تطورات جديدة في بلاغ اتهام بيكا وشاكوش بالتحريض على الفسق والفجور (فيديو)    ذكري تحرير سيناء..برلماني : بطولات سطرها شهدائنا وإعمار بإرادة المصريين    عاجل - بعد تطبيق التوقيت الصيفي 2024 فعليًا.. انتبه هذه المواعيد يطرأ عليها التغيير    هل العمل في بيع مستحضرات التجميل والميك آب حرام؟.. الإفتاء تحسم الجدل    "الأهلي ضد مازيمبي ودوريات أوروبية".. جدول مباريات اليوم والقنوات الناقلة    حظك اليوم.. توقعات برج الميزان 26 ابريل 2024    مسجل خطر يطلق النار على 4 أشخاص في جلسة صلح على قطعة أرض ب أسيوط    الأقصر.. ضبط عاطل هارب من تنفيذ 35 سنة سجنًا في 19 قضية تبديد    طارق السيد: ملف خالد بوطيب «كارثة داخل الزمالك»    أنغام باحتفالية مجلس القبائل: كل سنة وأحنا احرار بفضل القيادة العظيمة الرئيس السيسى    «اللهم بشرى تشبه الغيث وسعادة تملأ القلب».. أفضل دعاء يوم الجمعة    تامر حسني باحتفالية مجلس القبائل: شرف عظيم لي إحياء حفل عيد تحرير سيناء    ارتفاع سعر السبيكة الذهب اليوم وعيار 21 الآن بمستهل تعاملات الجمعة 26 أبريل 2024    فيديو جراف| 42 عامًا على تحرير سيناء.. ملحمة العبور والتنمية على أرض الفيروز    خالد جادالله: الأهلي سيتخطى عقبة مازيمبي واستبعاد طاهر منطقي.. وكريستو هو المسؤول عن استبعاده الدائم    هل تتغير مواعيد تناول الأدوية مع تطبيق التوقيت الصيفي؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قضية أطفال الشوارع وصلتها بقضايا المرأة (22)
نشر في الشعب يوم 16 - 12 - 2006


بقلم أد يحيي هاشم حسن فرغل
yehia_hashem@ hotmail .com
[email protected]
أطفال الشوارع أطفال بلا مجتمع ، أطفال بلا أسرة ، أطفال بلا آباء ، أطفال بلا ثقافة دينية ففي أي إطار يمكن اعتبارهم جناة ؟!
أطفال الشوارع أطفال أنتجتهم ثقافة بلا آباء ، ثقافة بغير دين الله
أطفال الشوارع أنتجتهم ثقافة تم نسجها منذ أكثر من قرن على منوال ثقافة المستعمر " المتحضر " ، ثقافة علمانية بلا دين .
أطفال الشوارع أطفال بلا آباء تم نسجهم على منوال أسلافهم في أرض القبلة الحضارية الجديدة ، " أرض بلا آباء"
فمن هو الجاني ياترى ؟
إنهم مستوردو بضاعة أمريكا القبلة ، ثقافة أمريكا القبلة ، ، أمريكا التي هي بلا آباء والتي ثقافتها بلا آباء : وفقا لتعبير ديفيد بلانكينهورن رئيس " معهد القيم الأمريكية في نيويورك في كتابه (أمريكا بلا آباء ) { نشر : بيسك بوكس – لندن ، عرض : رائف محسن جريدة الخليج 29-9-1995} وقد أثار ضجة كبرى في أمريكا بصدوره منذ سنوات قليلة نشير إليه هنا لعله يلقي ضوءا مباشرا على المجتمعات التي تبنت المشروع العلماني ورؤيته لقضايا المرأة حذو القذة بالقذة وأثرها المباشر على أطفال الشوارع
اطفال الشوارع الذين انفجرت مشكلتهم أخيرا في مصر نشير إلى بعض تجلياتهاالخطيرة فيما ذكره الصحفيان : أحمد أبو الخير ومحمود الضبع من تفاصيل جديدة حول العالم السري لعصابات خطف واغتصاب وقتل الأطفال ...الجديد أن هذه العصابات تمارس إجرامها تحت حراسة الشرطة ...كيف ؟ الإجابة في التقرير الذي جاء فيه – حسب مقال الصحفيين - : أنه لقد (كشفت حوادث قتل الأطفال على يد عصابة التوربيني عن مدى عجز النظام الأمني في مصر وانحرافه عن مهمته الرئيسية في تتبع عصابات الإجرام حيث يقوم بتجنيد زعماء هذه العصابات كمرشدين مقابل أن يوفر لهم الملاذ الأمن في السراديب الأثرية التي يعيشون فيها بعد أن اكتشفت الحكومة المصرية جزءاً من سور القاهرة الفاطمية بميدان الدراسة منذ خمسة عشرة عاماً قدمه ضباط الداخلية هدية لعصابات الإجرام وأطفال الشوارع .فهذا السور الذي يضم أكبر سرداب في العالم حيث يبدأ من باب النصر ويمتد إلى قلعة صلاح الدين بطول 1200 متر تحت الأرض أهملته هيئة الآثار وتركته لمجموعة من العصابات التي قامت باستغلاله كملاذ أمن لهم وبدلاً من أن تقوم أجهزة الأمن بمطاردتهم قام قسم الجمالية بتجنيد زعماء هذه العصابات وهم محمد جمالية وعلي دكة ليكونا مرشدين لهم مقابل بسط نفوذهما على السرداب القابع تحت السور) أنظر المقال بصوت الأمة بتاريخ 11122006 -...
ورجوعا إلى الأصل حيث يورد المؤلف ديفيد بلانكينهورن في كتابه (أمريكا بلا آباء ) : نسبة هامة من الأطفال - وللمرة الأولى في التاريخ - لا يعرفون آباءهم ، حيث توضح الإحصائيات أن نسبة 30% من الأطفال الأمريكيين تربوا بعيدا عن آبائهم الطبيعيين . نتيجة مشكلات الطلاق ، وانفصال الأبوين ، و ولادة الأطفال غير الشرعيين .
ويؤكد المؤلف على أن نسبة النصف من الأطفال الأمريكيين يمضون جزءا من الوقت بعيدا عن آبائهم .
ويتعرض الكتاب أيضا لظاهرة الأطفال اللقطاء بين الجنس الأبيض في أمريكا خلال العقدين الأخيرين ، وكانت تلك مشكلة قد استفحلت بين السود فقط فيما مضى ، وعلى نحو أدى إلى انهيار الأسرة خلال الستينات وما بعدها .
ويرصد المؤلف التيارات التي تدعو إلى الاهتمام بدور المرأة وحدها في المجتمع ، والتي تروج للفكرة القائلة بأن "الرجال ليسوا سوى عنصر مضايقة للنساء " ، ويصور المشاكل النفسية التي لا حصر لها التي تنتج عن اختفاء دور الأب ، ويعتقد بأن ظاهرة العنف والجريمة في المجتمع الأمريكي قد جاءت نتيجة عدم تلقي الأولاد الضالين التوجيه من الآباء ، وخاصة في أعوام التكوين الأولى ، - - ويرصد المؤلف أيضا ظاهرة انتشار الأمهات المراهقات ، حيث إن فتيات عديدات لم يخرجن بعد عن مرحلة الطفولة والسذاجة يصبحن أمهات في وقت مبكر .
أمهات بلا قوامة ، يلدن أولادا بلا آباء .
ويشير الكاتب إلى ظاهرة أخرى تتمثل في أن أعلى نسبة من الشذوذ الجنسي تأتي بفعل زوج الأم أو صديقها المميز !!.
ويرصد المؤلف ظاهرة الطلاق في المجتمع الأمريكي : حيث يظهر أن 75 % من قضايا الطلاق في أمريكا حاليا تكون المرأة وحدها هي المسئولة عنها .
ويوجه المؤلف تحذيرا بأن أمريكا ستصبح أمة من اليتامى والمجرمين والمنحرفين لأن فكرة استقلال المرأة عن الرجل قد خرجت عن الحدود ، لتصبح مجرد تيار هدام ، يرسخ الانفصالية النسائية ، ويستبعد دور الرجل
{ وهنا تظهر خصوصية الشريعة الإسلامية في إصرارها على قوامة الرجل }
وإذا كانت ظاهرة الأطفال بلا آباء قد أصبحت مزعجة فإنه يحق لنا أن نربط ذلك بظاهرة ثقافة بلا آباء تلك التي يشير إليها المؤلف في قوله : لقد أصبحت الثقافة الأمريكية ( مجرد ثقافة بلا آباء ) ، أي أنه ليس لها جذور عميقة وأصول راسخة ، بل تعتبر ثقافة شيطانية ، مثل النباتات البرية .
وماذا تجني مرجعية مفقودة غير نبتة موؤدة ؟!
هنا نوضح أن تلك التطورات التي تحدث في شئون المرأة والأسرة عموما تمثل جناية كبرى على الطفل ومن ثم على المستقبل .
إنه من الواضح أن المرأة مستعمرة الطفل ، يتبين ذلك في تركيبها الجسماني عموما وفي تشريح الصدر والحوض والرحم على وجه الخصوص ، فماذا في هذا الجسم للمرأة ؟!
إننا لو دققنا النظر إلى خَلق جسد المرأة لوجدناه بدون مبالغة : مستعمرة للطفل ، بدءا من خضوعها للدورة الشهرية التي تُعِد لوصوله ، إلى حمله ، إلى إرضاعه واحتضانه ، ثم لدورة أخرى ، وهكذا دواليك ، فأي حظ للمرأة في ذلك إلا أن تكون مسخَّرة له ؟
ويتأكد ذلك في تركيبها العاطفي المسخر تماما لمصلحة الطفل ، فماذا لها في عواطفها بعد ذلك؟!
ويتبين في تركيبها العقلي الصابر على معاشرة الطفل ، فأي نكران لذلك ؟!
ومن ثم نقول : إن أي تصرف أساسي مضاد لفطرة الله تلك فإنه لن يكون في نهاية المطاف إلا تخريبا لمستعمرة الطفل وجناية عليه ، ثم جناية على الإنسانية كلها من بعد ذلك .
إنهم يسحقون الطفولة خلافا لكل دعاية مصطنعة
تلك هي الثقافة اللقيطة التي يراد لنا أن نتجه إليها تحت إرهاب ما يسمى النظام العالمي الجديد ، أو ما أصبح يسمى العولمة ، أو ما أخذ يتبلور أخيرا ليصبح عالم القوانين الدولية الصادرة عن الكونجرس الأمريكي !!.
إنها ثقافة بغير دين الله .تغلف أمهات بلا قوامة ، يلدن أولادا بلا آباء ، هذا هو صلب المشكلة
وفي هذا السياق تذهب هذه الثقافة - كما يقرر بيان صدر باسم ( الجمعية الدولية للدفاع عن حقوق (!! ) الإنسان للشواذ جنسيا ) – إلى أن الشذوذ ليس انحرافا من أي نوع ، ولكنه أمر طبيعي متعلق ب ( جينات ) الجسم ، ويدعو إلى اعتبار تصرف المرء في جنسه من حقوق الإنسان التي ينبغي أن تكفل له ، وأطلقوا عليه ( حق التكيف الجنسي ) ، ومن ثم فإن البيان طالب بإثبات هذا الحق ضمن الإعلان العالمي لحقوق النساء.
وهاهي تتحالف منظمات نسائية مع جماعات الشذوذ الجنسي في الدعوة إلى " تحييد الجنس " ، بمعنى أن الإنسان يولد محايدا جنسيا ، ولكن المجتمع هو الذي يفرض عليه تلك القسمة التقليدية بين الذكور والإناث .
والمفارقة الكبرى أنه في الوقت الذي يقذفون فيه إلى " سوق نخاسة الجنس الحر" مزدحما بملايين المتنافسين والمتنافسات جنسيا ضد المرأة الزوجة " . فإنهم وتحت راية " الدفاع عن المرأة " يشنعون على الإسلام تشريعه لتعدد الزوجات
ولقد كان نظام تعدد الزوجات معروفا في غير الإسلام في جميع الأمم ، وفي اليهودية والمسيحية ، وكان كما جاء في العهد القديم يمارس على نطاق واسع بين الأنبياء ، وقد نظمه الإسلام دون أن يفرضه ، وكانت إباحته له مقيدة بشرط العدل ، ومحدودا بحيث لا يتجاوز الأربعة من الزوجات ، وقد عالج به الإسلام أوضاعا إنسانية توشك أن تنفلت إلى ما يلحق الضرر البالغ بالمجتمع أو بالرجل أو بالمرأة أو بالطفل بخاصة كما حدث بالفعل في هذه الحضارة العلمانية .
وإنه لمن الواضح أن تعدد الزوجات يحقق مصلحة للمرأة كما هو بالنسبة للرجل ، ويحقق مصلحة للمجتمع – بشروطه – كما هو بالنسبة للاثنين ، وتقف التجربة الغربية المعاصرة أمامنا شاهدا على ذلك حين استبدلت به شيوع الزنا وحرية الجنس وشرعية العشق ، وتقنين اللواط والمثلية ، حتى أصبح " الحب " المجاني بين المراهقين والشباب والكهول والعواجيز " على مختلف الأحوال والظروف فلسفة تقدم باسم الأدب والفن و الحرية وحقوق الإنسان ،وأصبح " من المعلوم من الحضارة بالضرورة " لا يتمرد عليها إلا فدم غبي ، أو ....أصولي غليظ الحس ، مع ما يترتب على ذلك من شقاء للفرد ، ودمار للمجتمع والأسرة والأخلاق والطفل جميعا . وبخاصة عندما تفتقد الأسرة عنصر القيادة باسم المساواة الزائقة وتمردا على قوامة الرجل
أمهات بلا قوامة ، يلدن أولادا بلا آباء .
أليس لابد في الأسرة من قيادة ؟ هنا يتبين الموقف المتميز في الشريعة الإسلامية ، إذ يكون الجواب : نعم ، بينما في الأسرة الأوربية المعاصرة ، لا يلزم أن يكون الأمر كذلك ، فقد يترك الموضوع دون تحديد ، أو يترك لوحي الظروف .
وإذا كان لابد في الأسرة من قيادة ، فلمن تسند ؟ هنا يتبين الموقف المتميز في الشريعة الإسلامية مرة أخرى ، إذ يكون الجواب : للرجال ، بينما الأمر في الشريعة الأوربية المعاصرة ، يستمر الأمر بغير تحديد ، أو يسند لشركة من قطبين متصارعين .
والحكمة في إسناد القوامة للرجل ترجع إلى عوامل جسدية ذات آثار عقلية وعاطفية واجتماعية .نعم ، فهناك الفرق المعروف حديثا في تركيب المخ ، فمنذ القرن التاسع عشر قارن العالم الفرنسي بول بروكابين وزني الدماغين فوجد أن متوسط وزن دماغ الرجل 1325 جراما ، مقابل 1144 جراما لدى المرأة ، ويختلف دماغ الرجل عن دماغ المرأة لا في الوزن والحجم فحسب ، ولكن أيضا من حيث تنظيم العمل بين جزأيه والجسم الموصل بينهما ، حيث تتفوق المرأة على الرجل في حجم نصف المخ المختص بالانفعالات ، والأحاسيس الذاتية ، وهي الأقرب إلى تحمل مسئوليات الاحتضان والاتصال العاطفي بالطفولة ، ويتفوق الرجل على المرأة في حجم نصف المخ المختص بالمدارك العقلية ، والرياضية التجريدية وهي الأقرب إلى تحمل مسئوليات القيادة ، وحيث يعمل نصف المخ المختص بالمدارك العقلية والرياضية والتجريدية بمعزل عن النصف الآخر في الرجل ، بينما يعمل هذا النصفان بقدر أكبر من الاتصال بينهما في المرأة ، مما يعني قدرا زائدا - عن الرجل - في الخلط بينهما أي في الخلط بين عواطفها وعقلها .
ويظهر أثر هذا الفرق في المواقف الحاسمة التي تتعرض لها الأسرة في الجوانب المالية أو التعليمية ، أو الاجتماعية ، حيث يصرخ في أعماق المرأة- عادة - نداء للرجل أن يبادر إلى اتخاذ القرار ، متحملا مسئوليته ، وإن عادت هي عليه بعد ذلك بالإنكار والتنديد .
وهذا الفرق بين الرجل والمرأة لا يعني خللا في حصيلة التكافؤ بينهما أو يعني تفضيلا مطلقا ، ولكنه يعني تفضيلا في مقصود القوامة ، وهو لا ينفي – في الوقت نفسه – تفضيل المرأة في جانب إعدادها للمستعمر الوافد : الطفل ؛ إعدادا يهيئها لمسئولياته : عصبيا ونفسيا وعاطفيا ؛ حيث يكون نصيب الرجل فيه ضعيفا .
إن تميز المرأة العاطفي لا ينكر إلا في مقام المكابرة ، وهو فضيلة للمرأة في غير جانب القوامة ، ولولاه لما وجد الطفل – الذي استعمرت له المرأة خضوعا لقدرية الخلقة – المهد الذي يتربى فيه : في التهيؤ له ثم في حمله وإرضاعه وحضانته ، ولكانت الخسارة أفدح من خسارتها في مقام القوامة
أمهات بلا قوامة ، يلدن أولادا بلا آباء .
في القوامة :قال الله سبحانه وتعالى : ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض ، وبما أنفقوا من أموالهم ) 34 النساء
هكذا : لِما فضل الله بعضهم على بعض أولا ، وبما أنفقوا من أموالهم ثانيا ، وهذا يعني أن القوامة مبنية على عنصر تفضيل قبل عنصر الإنفاق .
وهنا يسجد المؤمن والمؤمنة لأمر الله ، رضا بقدرية الخلق . فلا تنكر المؤمنة عنصر التفضيل ، ولا يهرب المؤمن من عنصر الإنفاق .
وليس التفضيل هنا في مطلق الإنسانية ، لأن الرجال شقائق النساء ، ولكنه في الإعداد للقيام بالوظائف المتنوعة بتنوع خلقتيهما .
ولكن الشيء الذي غاب عن الطرفين رجلا وامرأة : أنها قوامة مشروطة.
وهي مشروطة من المصدر الذي قررها ، وهذا يعني أنه ليس لأحد – وبخاصة الرجل – أن يتمسك بها وهو يفرط في الشروط الداخلة فيها .
لقد جاءت القوامة في الشريعة الإسلامية مشروطة بقيم الإسلام ، وهذا يعني أنه لا يصح أن تجرد من شريعة الإسلام في موازنتها بالقيم والمبادئ والأخلاق.
قيمة العدل ، قيمة الشورى ، قيمة المودة والتراحم ، قيمة المحافظة على الأسرة ، قيمة الانصياع لأحكام الشريعة أولا وأخيرا : مما يدخل بهذه الأحكام إلى معالجة ما ينجم من مشاكل في نطاق هذه القوامة .
ولقد جاء ما يفيد أن للرجال عليهن درجة .
نعم : ومع استصحاب أصل الرضا بقدرية الخلق ، ندرك أن هذه الدرجة موظفة في مسئولية القوامة بوجه عام ، وتحديدا في سياق رد المطلقة حفظا للأسرة ، وهذا ما جاء في تقرير هذه الدرجة في قوله تعالى : ( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ، ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن ، إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر ، وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا ، ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة ، والله عزيز حكيم ) 228 البقرة
وهم في ( ثقافة بغير آباء ) يجيزون ما يسمونه " الانفصال " بين الزوجين عند احتدام الخلاف بينهم ثم ذهاب كل منهما إلى المعاشرات الجنسية الحرة رافضين شريعة الله في جواز الطلاق .
إنه من الطبيعي أن تنشأ بين الزوجين خلافات وهنا وضع الإسلام لعلاجها تشريعات مختلفة متدرجة من :
التربية على القيام بالمسئولية وحسن الرعاية ، يقول صلى الله عليه وسلم فيما اتفق عليه البخاري ومسلم ، ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ، الإمام راع ومسئول عن رعيته ، والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته ، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها )
و التحلي بالصبر والإغضاء عن العيوب والرضا بجوانب الخير الخفية ، يقول صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم بسنده ( لا يفرك مؤمن مؤمنة ، إن كره منها خلقا رضي غيره ) .
ثم يعالجها بتدخل ذوي القربى بقصد الإصلاح ، يقول الله سبحانه وتعالى :( وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما).
لكن الخلافات تحتدم أحيانا حتى يتعذر معها المعاشرة بين الزوجين ، ولا يكون علاج بغير التفريق ، وهنا يبيح الإسلام الطلاق مع الكراهة ، كما جاء فيما رواه أبو داود وابن ماجة وصححه الحاكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( أبغض الحلال إلى الله الطلاق ) وهو يبيحه تفاديا لأكبر الضررين : التفريق من ناحية واستحكام النفور مع ما يترتب عليه من شقاء وانحراف ووقوع في الجريمة والفحشاء من ناحية أخرى .
ولم تجن التشريعات التي حرمته غير مزيد من الدمار الأسري ، حتى أصبحت ظواهر العزوف عن الزواج ، أو المعاشرة بغير زواج ، أو الانفصال بين الأزواج في المجتمع الأوربي أوسع انتشارا من ظاهرة الطلاق .
وإذا كان الإسلام قد وضع إيقاع الطلاق – غالبا في يد الزوج – منعا من نشر فضائح الزوجين في ساحة القضاء ، فإنه وضع له قيودا في طريقة وقوعه ، بدءا من شروط الطلاق السني ، إلى قيود الطلاق البدعي ، ومراحله ومسئولياته وتبعاته ، كما أنه لم يحرم المرأة من ممارسته باشتراط حقها فيه في عقد الزواج ، أوطلبه بالخلع ، أو طلبه بالضرر ، عند ما يفوتها هذا الاشتراط .
ويرد على الناظر ما يرد من لبس أو نقص في فهم ما رواه البخاري ومسلم ، وابن حبان وابن خزيمة في صحيحيهما ، والترمذي في سننه ، وابن ماجة في سننه ، والبيهقي في سننه الكبرى ، وأحمد في مسنده ، واللفظ للبخاري : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( يا معشر النساء تصدقن ، فإني أريتكن أكثر أهل النار ، فقلن : وبم يا رسول الله ؟ قال: تكثرن اللعن ، وتكفرن العشير ، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن – وفي رواية : أغلب لذي لب - ، فقلن : وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله ؟ قال : أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل ، قلن : بلى ، قال : فذلك من نقصان عقلها ، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم ؟ قلن : بلى ، قال : فذلك من نقصان دينها ) .
إذ لابد لفهم هذا الحديث من استحضار أصول الإسلام التي أشرنا إليها فيما سبق في عموم النظر في موضوعات المرأة ، ومنها " التسليم لله والرضا بقدرية الخليقة " ، وما ذكرناه عن طبيعة المخ في كل من المرأة والرجل فيما ذكرناه في أول الكلام عن القوامة .
كذلك من شروط فهم الحديث ألا نبادر دائما إلى فهمه على أنه يقدم تصنيفات وقواعد جامدة تستعصي على التغيير بالتربية ، وإنما هو صلى الله عليه وسلم والقرآن الكريم كذلك : في مقام التربية للمسلمين ، ينتقلان بهم من حال واقعة كليا أو جزئيا إلى حال جديدة في مصهر الإسلام .
مثال ذلك في القرآن الكريم قوله تعالى في شأن الرجال :( وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما ، قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة ، والله خير الرازقين ) 11-الجمعة ، فهل يفهم من ذلك أن هذه طبيعة نهائية للرجال ؟ كلا ، ولكن يفهم منها أن الرجال عرضة للتأثير السلبي من جراء أحداث لهم في التجارة ،وتربيتهم في ذلك تنقلهم إلى ما هو خير.
وعلى ذلك نفهم ما جاء عن النساء في هذا الحديث : أنهم عرضة للتأثير السلبي دينا وعقلا من جراء أحداث تعتريهن فيما يتعلق بالشهادة والصوم والصلاة ، وتربيتهن في ذلك بالاستكمال بالصدقة وما أشبه من أوجه مزيد القرب من الله تنقلهن إلى ما هو خير .
كذلك فإن الحديث وهو يتحدث عن خلب لب الرجل إنما يتحدث عن اللاتي يتعرضن لإغراء الرجل ، والتأثير السلبي عليه ، ولا شك أنهن يكن بذلك ناقصات عقل – إذ العقل من العقال - ولا هكذا جميع النساء.
ولكي نفهم الحديث فهما متكاملا ينبغي أن لا نغفل عما فيه من هدف تربوي للمرأة والرجل معا ، إذ هو في واقع الأمر يبدأ في مشروعه التربوي من واقع نقص عقلي في الجانبين : الرجل والمرأة ، حيث يجتمعان في ظروف التأثير العاطفي : بين ناقص ومنقوص ، بين خالب ومخلوب ، خالب هو المرأة في هذا المقام ، ومخلوب هو الرجل الذي سرعان ما يستجيب .
ومن يستخدم الحديث للانتقاص من شأن المرأة عموما عليه ألا يتجاهل ما فيه من مساس بالرجل في نفس حالة المرأة .
وعلى هذا الأساس يتبين أن صيغة الحديث المذكورة كما جاءت في كتب الحديث الصحيح ، تختلف كثيرا عن صيغته الشائعة التي اختصرت عن الأصل ، وجاء اختصارها مخلا بالمعنى ، أشبه بالتحريف منه بالاختصار ، ألا وهي صيغة ( النساء ناقصات عقل ودين ) وهي - أي الصيغة الأخيرة المختصرة – لا تسمح بالفهم الصحيح المستوحى من سياق الحديث ودقة التعبير فيه ،وشتان بين النصين لمن أراد الغوص وراء المعنى المقصود .
كذلك فإنه في سياق النص الصحيح للحديث – سياق المهمة التربوية المتحركة لا التصنيفية الجامدة – يجب أن نفهم ما في الحديث من أن النبي صلى الله عليه وسلم يحول أنظارنا في رده على التساؤل حول هذا النقص إلى أنه يترتب عليه في الإسلام – جزئيا – عفو للمرأة ، كما في حالة النقص في الصلاة ، وفي العفو مودة ، وفي العفو تكريم .
وقياسا على ذلك وفي السياق التربوي الذي ذكرناه في الحديث السابق – قرآنا وسنة ، نساء ورجالا يأتي ما رواه البخاري بسنده من قوله صلى الله عليه وسلم ( ورأيت النار فلم أر منظرا كاليوم قط أفظع ، ورأيت أكثر أهلها النساء ، قالوا : بم يا رسول الله ؟ قال: بكفرهن ، قيل : يكفرن بالله ؟ قال: يكفرن العشير ، ويكفرن الإحسان ، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ثم رأت منك شيئا قالت : ما رأيت منك خيرا قط . )
هي التربية تستهدف تغيير واقع غالب ، غير مغلق في مواجهة التغيير ، كشأن الرجال في مواقع أخرى كالتي أشرنا إليها أعلاه .
وفضلا عن ذلك : فلننظر إلى قوله في الحديث ، ( .. كاليوم ..) ويفتح هذا التعبير الباب أمامنا لفهم أن كثرة النساء في النار خاصة بالمرة التي رأى فيها إذ يقول صلى الله عليه وسلم ( لم أر منظرا كاليوم ..)
ويجوز لنا أن نفهم الحديث على نحو ما تقدم مؤيدين بضوء من رواية ذكرها الحافظ ابن حجر إذ يقول : ( ووقع في حديث جابر ولفظه " وأكثر من رأيت فيها من النساء اللاتي إن اؤتمن أفشين ، وإن سئلن بخلن ، وإن سألن ألحفن .. ) وذلك حيث يكون قوله صلى الله عليه وسلم "أكثر" مبتدأ خبره" اللاتي " ، لا قوله "من النساء" ، ويكون قوله "من النساء" مفعولا لقوله " رأيت " لا خبرا لقوله " أكثر " ، فيكون المعنى : اللاتي إن اؤتمن أفشين ، وإن سئلن بخلن ، وإن سألن ألحفن ، كن أكثر من رأيت في النار من النساء . وبذلك ينفك الحكم عن النساء في عمومهن والله أعلم .
وعلى هذا النحو ما جاء في مقام رعاية النساء وتكريمهن في الإسلام وقد فهم – مغلوطا معكوسا – بأنه يحط من شأن المرأة .
وذلك فيما رواه البخاري ومسلم بسنديهما من قوله صلى الله عليه وسلم : ( استوصوا بالنساء ، فإن المرأة خلقت من ضلع ، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه ، فإن ذهبت تقيمه كسرته ، وإن تركته لم يزل اعوج ، فاستوصوا بالنساء خيرا ) .وفي رواية لمسلم : ( لن تستقيم لك على طريقة ) .وفي رواية له أيضا : (لا يفرك – لا يكره – مؤمن مؤمنة ، إن كره منها خلقا رضي منها خلقا آخر ) .
ومن قال إن الضلع الأعوج في حد ذاته عيب - ليكون ذلك تعبيرا عن عيب في المرأة ؟–
وإنما العيب في معالجته على غير طبيعته .
إن ضلعية المرأة هنا كمال فيها ، إذ هي التي جعلت المرأة امرأة ، مهيأة لرسالتها الأساسية في الوجود ، فتخضع في معالجة أمورها لتأثير العاطفة التي تساعدها في أداء وظيفتها مع المستعمر الوافد الذي هو الطفل ؛ ورجوعا إلى الرضا بقدرية الخليقة ، وتنوع الوظيفة ومن ثم تنوع الهدف ، يستسلم الطرفان – رجلا وامرأة – لهذا الواقع المحكم من لدن الحكيم ، فترضى المرأة ، ويفهم الرجل ، فلا يعالج أموره معها بخطوط المسطرة والفرجار ، ومنطقية التجريد البارد ، فيقع عندئذ في الخطأ الذي أشار إليه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله ( فإن ذهبت تقيمه كسرته ) ، ولا يتجنبه منعزلا عنه فيقع في الخطأ الذي أشار إليه بقوله صلى الله عليه وسلم ( وإن تركته لم يزل أعوج ) .ولكن يعالج أمورها بواقعية الخلقة التي جعلتها تمر في دهاليز العاطفة ومنحنياتها – في المجموع لا في الجميع – وعندئذ فعليه أن يتدبر أمره معها باجتهاد نابع من قوله صلى الله عليه وسلم ( فاستوصوا بالنساء خيرا).
وفضلا عما في هذا الحديث من تكريم للمرأة بحسن إدراك الطريق الصحيح في معاملتها فإنه ما أجمله في إرشاد الرجل إلى إصلاح ذات البين بينه وبين امرأته على أساس من مفهوم الضلع الأعوج ، فيهتدي إلى طريق الاستقرار في حياته الزوجية ،لا على أساس من مفهوم المماثلة بين الجنسين الذي تشيعه الثقافة الغربية المعاصرة ، مما له كان له أكبر الأثر في تخبط المعاملة بينهما وفي فشل الحياة الزوجية المعاصرة .
وما أحرانا أن نقول هنا : وعلى المرأة أيضا أن تتدبر أمرها مع الرجل من هذا المنطلق : أي من منطلق اختلافه وإياها في مداخل المعاملة ، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم آثر المرأة بمزيد من الرعاية والتكريم فجاءت وصايته - هنا - للرجل ( لا يفرك مؤمن مؤمنة ، إن كره منها خلقا رضي منها خلقا آخر ) لابد موجودا هناك في حنايا هذا الضلع .
وبدون مواربة ففي نطاق مسئولية القوامة جاء تشريع ضرب الزوجة في مواجهة النشوز وهو مشروط بمظنة الإصلاح أما إذا لم يكن كذلك فإن الضرب الذي لا يُصلح لا يجوز طبقا لسياق الاية .
يقول تعالى – ولنتذكر هنا أنه الخالق - : ( واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن ، واهجروهن في المضاجع واضربوهن ، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ، إن الله كان عليا كبيرا ) 34 النساء
ونظرا لأن هذا الضرب يهدف إلى الإصلاح لا إلى العقاب ، وأن له شروطا : أن يأتي بعد مرحلتي العظة والهجر في المضاجع ، وألا يكون ممرضا ، أو كاسرا ..
وأن من أهم شروطه ألا يكون مؤديا إلى مفسدة أكبر من تلك التي قصد إلى تجاوزها بالضرب .
فإن هذا يعني أن الضرب يكون جائزا إذا رجح لدي الزوج أنه يفيد في شأن المحافظة على الأسرة ، وعدم التضحية بها عند أول امتحان أو صعوبة ، ومادام أن هذا هو الهدف ، فإن الضرب الذي لا يُصلح لا يجوز منذ البداية .
وإذن فإن اللجوء إلى الضرب إنما يدخل من باب حرص الإسلام على استمرار الأسرة التي أصبحت في أنظمة أخرى قيمة غير ذات بال ، أو إن كانت ذات بال فإنها تأتي بعد قيم أخرى : مثل البهجة ، والمتعة ، والحرية ، الشخصية المستقلة ، وهذه نقطة هامة في النظر في الموضوع .
وبالتالي فإن التشريع الإسلامي هنا يستجيب لرغبة المرأة التي تفضل بحكم تكوينها الشخصي الخاص وبحكم بيئتها الخاصة الضرب المحدود على الطلاق ، أما من لم تكن كذلك وكانت بحيث تفضل فشل حياتها الزوجية على الضرب تأكيدا ، فإن الضرب في شأنها لا جدوى منه ، وهو مستبعد ابتداء كما بينا فيما تقدم ، ولا يعني ذلك تحريضا للرجل على المسارعة إلى الطلاق في مثل هذه الحالة ، ولكنه يعني كفا له عن الضرب ، ودعوة له إلى معالجة الأمر في حدود المرحلتين الأوليين : العظة والهجر ، ثم دعوة الحكمين للتدخل ، قبل التفكير في فصم عرى الزوجية .
ومن المفارقات أنهم وهم في ( ثقافة بغير آباء ) وفي الوقت الذي يروجون فيه لقوامة المرأة على نفسها إن لم يكن على زوجها أيضا فإنهم يصرخون من تزويج الفتيات لأنفسهن بغير ولي .
نعم لقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن تزويج المرأة نفسها باطل ، ولا ينعقد النكاح بعبارة النساء أصلا سواء زوجت نفسها أو بنتها ، أو توكلت بالزواج عن الغير .
إلا أن المرأة المعاصرة التي تجد فيه انتقاصا من أهليتها – خطأ – لها أن تأخذ بما ذهب إليه الحنفية من أن لها أن تزوج نفسها ، وزواجها عندئذ صحيح ، سواء كان الزوج كفؤا أو غير كفؤ ، إلا أنه إذا لم يكن كفؤا فللأولياء حق الاعتراض .
وحجة الحنفية في ذلك من القرآن والحديث ، والمعقول لامجال للإفاضة فيه هنا :
أما في الميراث فيظن بعض المعلقين أن هذا النصف للمرأة في جميع الحالات
يقول الله تعالى : ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ) 11 النساء ، ويقول سبحانه ( وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين ) 176 النساء ،
ومن غير المتصور تغيير هذا الحكم الشرعي تحت أي اعتبار ، إذ هو حكم قطعي يصبح إنكاره خروجا من التسليم ، والإسلام .
.. لكن الأمر ليس كذلك في جميع الحالات ، ففي الميراث بحكم النص القرآني حالات يسوي فيها الإسلام بين الذكر والأنثى : كما في حالة الأبوين – إذا كان للمتوفى ولد ذكر – فلكل منهما السدس .
وكالإخوة لأم : إذ يسوي الإسلام بينهم في الميراث ، ذكورا وإناثا .
وعلى كل حال فمسألة الميراث في الإسلام لا تفهم بغير ربطها بنظرته الشاملة في : تكوين الأسرة ومسئولية الرجل في الإنفاق .
فالرجل هو المسئول عن الإنفاق على الأنثى : زوجا كانت ، أو أما ، أو أختا ، أو ابنة .
وإذن فإعطاؤها نصف ميراث الذكر في أكثر الحالات لا يمثل حيفا على حقوق المرأة ، لأنها في الميراث تأخذ مجانا ، تأخذ ولا تعطي ، تأخذ ميراثا خالصا ، فكأنها بذلك تساوي الرجل ، أو تزيد عليه أحيانا .
ولا يصح أن يقال هنا وهم غارقون في ( ثقافة بغير آباء ): لقد أصبحت المرأة تعمل في العصر الحاضر وهي تشارك في الإنفاق ، لأنا ندرك أن هذه المشاركة في الإنفاق وإن تكن أمرا اختياريا راجعا إليها من منطلق المودة ، ليست أمرا ملزما لها ، وجعله ملزما لها خروج عن النموذج الذي وضعه الإسلام للأسرة بما فيها من تكافؤ بين القوامة والإنفاق ، وتعديل ملمح من ملامح هذا النموذج تدهور يؤدي في النهاية إلى نموذج مختلف تماما ، ، ونحسب أنه في نهاية الأمر يؤدي إلى إلقاء أعباء ثقيلة مستمرة على المرأة ، في نظير ميراث قد يأتي لبعضهن مظنونا ، ولا يأتي مجزيا للأغلبية منهن يقينا ، ومن ثم نتحرك في مجال مظهري ليس في مصلحة المرأة ، ولا ترضى به منهن غير المهووسات بشعار التغيير والتغريب ، فلا نكون حينئذ في نطاق التصور الإسلامي الشامل، الذي وضعنا قواعده في البداية .
والأمر على هذا النحو تقريبا في مسألة الشهادة :
ففي آية الدَّين جاء قوله جل جلاله : ( واستشهدوا شهيدين من رجالكم ، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من النساء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ، ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ) 282 البقرة .
وهذا لا يعني الحط من شأن المرأة ، ولا خرق مبدأ المساواة بينها وبين الرجل ، لأن المرأة تقبل شهادتها وحدها فيما يكون النساء أكثر اطلاعا عليه من الرجل ، كإثبات ولادة أو رضاع ، وثيوبة أو بكارة ، ونحوه ، فلا عيب حينئذ يعيب الرجل ، ولا تفضيل فيه للمرأة ، من حيث هي امرأة ، ولكنه الحرص على التثبت في الأحكام ، وتحري الحق ، وظروف الشهادة وخصوصيتها ، لمصلحة الطرفين .
ومن هنا ولأنها أقل من الرجل مخالطة في مقام العقود ، وتوغلا في دخائل المعاملات ، وجرأة في مقام الجنايات ، كانت الحاجة إلى امرأة أخرى " أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى " وسبحان العليم بخلقه وبميول بعضهم إلى العاطفة أكثر من بعض .
على أن فقه الموضوع يقتضي هنا التفرقة بين شهادة التحمل التي تتحملها المرأة ابتداء قبل وقوع الخصومة ، وشهادة الأداء التي تدعى إليها لما قد يكون لديها من معلومات .
ففي شهادة الأداء تقبل شهادتها وحدها إذا توفرت لها الشروط العادية المطلوبة في الرجل عقلا ودينا لأن المقصود حاصل بخبرها كما في ما هو أخطر من ذلك : في نقلها حديث الرسول صلى الله عليه وسلم .
يقول الإمام ابن القيم ( إن المرأتين إنما أقيمتا مقام الرجل في التحمل ، لئلا تنسى إحداهما فتذكرها الأخرى ، بخلاف الأداء فإنه ليس في الكتاب ولا في السنة أنه لا يحكم إلا بشهادة امرأتين ، ولا يلزم من الأمر باستشهاد المرأتين وقت التحمل ألا يحكم بأقل منهما ، فإنه سبحانه أمر باستشهاد رجلين في الديون فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ، ومع ذلك : يحكم بشاهد واحد ، ويمين الطالب ، ويحكم بالنكول ، والرد وغير ذلك .
فالطرق التي يحكم بها الحاكم أوسع من الطرق التي أرشد الله صاحبَ الحق إلى أن يحفظ حقه بها .
وثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه سأله عقبة بن الحرث ، فقال : إني تزوجت امرأة ، فجاءت أمة فقالت : إنها أرضعتنا ، فأمره بفراق امرأته ، فقال : إنها كاذبة ، فقال : دعها عنك ، ففي هذا قبول شهادة المرأة الواحدة وإن كانت أمة ، وشهادتها على فعل نفسها ) .
ثم يقول : ( فإن الله سبحانه أمر بما يحفظ الحق ، فلا يحتاج معه إلى يمين صاحبه ، وهو الكتاب والشهود ، لئلا يُجحد الحق ، أو ينسى ، ويحتاج صاحبه إلى تذكير من لم يتذكر ، ولا يلزم من ذلك أنه إذا كان هناك ما يدل على الحق لم يقبل إلا هذه الطريق التي أمره أن يحفظ حقه بها )
ثم يذكر أمثلة لشهادة النساء منفردات ، فيقول : ( كشهادة النساء منفردات في الأعراس ، والحمامات ، والمواضع التي تنفرد النساء بالحضور بها . )
فما ذا بعد الحق إلا الضلال
هذا وليس في الإسلام ما يفيد منع المرأة من القيام بعبء الولاية منعا مطلقا .
إذ هناك أنواع من الولاية يجوز أن تتولاها – أو يجب – في أحيان باتفاق :
فهناك ولاية الحسبة التي ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز إسنادها إليها حيث ثبت أن سمراء بنت شهيك الأسدية كانت تمر في الأسواق تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، وفي خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث ولَّى الشفاء على سوق المدينة ، وقد أجاز ذلك الطبري وهي رواية عن مالك .
وهناك ولايتها المشروعة في أن تجير وأن تجار .
وهناك ولاية الاجتهاد في التشريع إذا تحققت لها الشروط .
وهناك ولايتها في القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
وهناك مشروعية ولايتها على ما تملك .
وهناك مشروعية أن تكون وكيلة وأن توكل غيرها في بعض الأعمال .
ومشروعية قيامها بالشهادة بشروطها .
ومشروعية أن تتولى بعض الوظائف في الدولة أو في القطاع العام ، أو في القطاع الخاص
ومشروعية أن تتولى طلبة العلم : تعليما وتثقيفا وإعدادا لتولي الأعمال وتخريجا.
وهناك مشروعية وصاية المرأة على الصغار التي تقوم بها طبعا ، أو تكلف بها قضاء .
وهناك مشروعية تولي القضاء في بعض أنواعه كما هو الحكم الشرعي عند أبي حنيفة ، وفي جميع أنواعه كما هو الحكم عند الإمام الطبري ، وكذلك عند الإمام ابن حزم فيما عدا الخلافة .
وإذن فلا حجر عليها في المشاركة السياسية انتخابا وترشيحا مع الاحتياط اللازم لكرامتها وسمعتها .
وإذن فلا يصح أن يفهم المنع المطلق من قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري بسنده عن أبي بكرة – ومثله في السنن الكبرى للنسائي ، والمستدرك على الصحيحين للحاكم ، وسنن البيهقي الكبرى عن أبي بكرة في كل ذلك -( قال : لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل فارس قد ملَّكوا عليهم بنت كسرى قال : لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ) ،ويصبح المقصود من هذا الحديث منع الولاية العامة فحسب كما ذهب إلى ذلك الإمام ابن حزم ، أو مجرد الإخبار عن مستقبل الحالة التي ورد في شأنها الحديث ، وهم الفرس ، وعدم فلاحهم المخبَر عنه مرتبط بحالتهم العامة من فساد الدنيا والدين ، وكما تحقق فعلا وفقا لنبوءته صلى الله عليه وسلم .
يقول تعالى ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ) 71 التوبة ، وهذا أصل يفيد الإباحة عموما ، فضلا عن أن الإباحة هي الأصل بصفة عامة ،حتى يأتي التخصيص بالمنع ، ولم يأت تخصيص بالمنع فيما عدا ما يدور حوله الاجتهاد في الولاية العامة وهو منصب غير مطروح ولأجل غير منظور في المستقبل بعد وقوع المسلمين بين براثن التفتيت والتمزيق لأكثر من خمسين دولة !! .
ولا يحتج هنا بقوله تعالى ( الرجال قوامون على النساء ) لأنه مخصوص بالزوجية ،كما هو وارد في سياق الآية الكريمة ، وكما يفهم في ضوء ما قدمنا .
وفي سياق هذه المقارنة يجب أن ننبه إلى أن الزلزال الأخلاقي ، الذي أصاب الأسرة في الغرب ليس فحسب نتيجة عفوية لاستبعاد شريعة الله ولم يعد من قبيل الظواهر العارضة أو المؤقتة. ولكنها – أي تلك الظواهر – أصبحت مؤسسة لها أدبياتها ورموزها وفلسفاتها وشعبيتها في محاربة الفطرة والإنسان والأديان جميعا.
إن ما نراه من انحدار أخلاقي في الغرب وانحراف في قضية المرأة في ( ثقافة بغير آباء ) وما أدت إليه من كارثة الكوارث في شأن الأطفال بلا آباء ليس إلا قمة الثلج الغارق في أعماق المحيط ..
وقد عبر عن ذلك رسميا :المؤتمر العالمي الرابع الذي انعقد في بكين ( 4 – 15 سبتمبر 1995 ) تحت رعاية الجمعية العامة للأمم المتحدة :
ولم يكن هذا المؤتمر إلا تعبيرا متواضعا عن هذا الفكر ، وليس إلا صياغة متواضعة لقمة الجبل الثلجي .
وقد قام منهاج المؤتمر : على استبعاد الدين في كل ما من شأنه تنظيم الأسرة وإقامة العلاقة بين الرجل والمرأة .وصولا إلى " أطفال بلا آباء " ،
وقد علق مجمع البحوث الإسلامية على هذا البرنامج في بيانه المنشور بمجلة الأزهر في عدد ربيع الآخر 1416 ه بملاحظاته التالية :
أن المؤتمر ينظر إلى المفهوم الديني للأسرة باعتباره مفهوما عقيما .
أنه يتناقض في أخطر فقراته مع الشرائع السماوية .
أن برناج المؤتمر يعتمد مبدأ الحرية الجنسية منهاجا للتعامل فيما بين الرجل والمرأة .
ولم يقتصر الأمر على مجمع البحوث الإسلامية في التشهير بفضائح ذلك المؤتمر ولكن انضم إليه في ذلك جميع المؤسسات الإسلامية في العالم الإسلامي .
وإنه ليتضح لنا من استعراض هذا المنهج أنه فضلا عن كونه يتعارض مع الثوابت في الشريعة الإسلامية ، ويعتبر حربا عليها وجحودا لها ، فإنه يعتبر تأسيسا للصورة القبيحة لوضع المرأة في الحضارة الغربية ، وتقنينا حضاريا لها ، ونقلا لها من دائرة التصرفات أو الاجتهادات الفردية المنحرفة التي يمكن أن تحدث على هذا المستوى أو ذاك في أي مجتمع مما يمكن الاعتذار عنه إلى دائرة الإطار الحضاري العام .
وإنه لغني عن القول أن ما جاء بهذا المنهاج في ثقافة بلا آباء من توصيات إيجابية لا يمثل - وهو ملوث بسلبياته الخطيرة تلك - مصدر إيحاء أو توجيه للمجتمع الإسلامي الذي تتضمن شريعته في مقام العمل على دعم المرأة وإنصافها ما لا تملك أية شريعة أن تزايد عليه .
وشتان بين هذا وذاك ، وفي يدك أن تختار .

&&&
وإن المقارنة المنصفة لتستدعي هنا أن نلقي نظرة – نصون عنها حاسة الشم – على المستنقع الذي يراد لنا أن نغترف منه، ربما بينت لنا آباء تلك الثقافة التي أنتجت أطفالا بلا آباء تجري فيه الحركة وفقا لقانون المادة الغاشمة : فعلا ورد فعل .
إذا ذهبنا إلى الجذور نجد المرأة قد كانت عند اليونان من سقط المتاع تباع وتشترى في الأسواق ، وكان رد الفعل على ذلك أن انتشرت عبادة أفروديت ، وأصبحت مواخير الدعارة مراكز للعبادة .
وعند الرومان كان عقد الزواج يسمى " اتفاق السيادة " سيادة الرجل على المرأة ، ثم انفلت العيار – كرد فعل – إلى النقيض ، فعظم شأن المرأة ، وانفلت معها عيار الفحش ، والاستحمام المختلط العاري ، والمسرحيات العارية المختلطة ، ، والفن العاري.
واعتبرت المرأة في التراث اليهودي رأس الرجس ، والنجس ، ومنبع الخطايا ، وكان من حق أببها أن يبيعها وهي دون البلوغ ، وكانت لا ترث إذا كان لها إخوة ذكور .
وتبنت الكنيسة الغربية نظرة اليهود إلى المرأة ، وأصبحت مشغولة بقضية المرأة : هل لها روح مثل الرجل ؟ وهل هي من جنس الإنسان ؟ أم من جنس آخر ؟ وظلت هذه المشكلة قائمة إلى ما بعد القرن السادس الميلادي ( 586 ) م ، حيث قرر مؤتمر كنسي : أن المرأة إنسان ، وليست بحيوان ، ولكنها خلقت مع ذلك للاستخدام في مصالح الرجل .
وكانوا وما زال كثير منهم يحرم الزواج على رجال الكنيسة ، ويسمي الزواج الزنا المهذب ، وما يزال بابا الكنيسة الكاثوليكية يرفض المطلب الذي تقدمت به الراهبات لفتح الباب أمامهن لخدمة الرب في السلك الكهنوتي
ويتساءل بعض الباحثين : لماذا يهتم مؤتمر بكين للمرأة 1995بتقرير الحرية الجنسية للمرأة ، ولا يهتم بتحريم الجنس نهائيا على مائة وخمسين ألف امرأة في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها ، وما لا يقل عن خمسة عشر مليونا في العالم هن عدد الراهبات ؟
..فأي سجن هذا ضد طبيعة الإنسان وفطرته ؟
وأي انفلات ذاك – في جانب الحرية – ضد طبيعة الإنسان وفطرته أيضا ؟
وإذا كان ذلك في باب المقابلة بين الدعوة إلى حرية المرأة وحرية الجنس وبين تعاليم الكنيسة ، فخطوة صغيرة إلى الوراء لنرى القانون الإنجليزي حتى عام 1805 يتيح للرجل أن يبيع زوجته ، وحدد ثمنها بستة بنسات ، وظل هذا البيع ساريا ، حتى بعد إلغاء هذا القانون أنظر قصة توماس هاردي ( عمدة كاستربردج ) وانظر ( المرأة بين الفقه والقانون ) للدكتور مصطفى السباعي ص 21
ولم يكن للمرأة في أوربا المعاصرة ذمة مالية مستقلة ، ولا تملك التصرف في ملكها بدون موافقة الزوج ، ولا يزال لهذا القانون أثره في القوانين الفرنسية حتى اليوم .
وظل القانون الفرنسي حتى عام 1938 يسوي بين الصبي والمجنون والمرأة في عدم أهلية التصرف في الملك الخاص .
وعلى مستوى التقدم العلمي فإن المرأة عند فرويد مخلوق مغرم بتعذيب الذات ( السادية ) من ناحية ، والإعجاب بالذات والنرجسية من ناحية أخرى ، وهي أمور تتميز بها المرأة على الرجل ، كما أنها أكثر منه عرضة للأمراض العصابية القهرية ، وأكثر منه افتقارا إلى الشخصية الأخلاقية التي يتميز بها الرجل !! . وقد نبعت كل هذه الصفات والخصائص من الفكرة الفرويدية عن غيرة المرأة من تمتع الرجل بعضو الذكورة وحرمانها منه ، من حيث نشأ لديها ما يسميه " عقدة الإخصاء " ، وهذه النظرية تعتبر أحد الأسس القوية في التحليل النفسي كما يقول بعض العلماء ، وإن كان التحليل النفسي أخيرا يميل إلى تقليل الأهمية التي أعطيت لهذه العقدة .
و ذهب عالم الحيوان الأمريكي إدوارد ويلسون - وهو في طليعة من يروجون اليوم لعلم البيولوجيا الاجتماعية الذي هو فرع جديد من العلوم الاجتماعية - إلى أقصى ما يمكن من نتائج هذه العلم حيث ذهب إلى أن تقسيم العمل بين الرجل والمرأة يرجع إلى اختلاف الجينات لدى كل منهما ، وقد نشر ويلسون هذه الآراء كلها في كتاب له بعنوان " البيولوجيا الاجتماعية " عام 1975
وكيف تنظر الرأسمالية إلى المرأة اليوم ؟ أليست تدفعها دفعا قويا إلى العمل في المصانع والمكاتب ، لا لشيء إلا لأنها يد عاملة رخيصة
وإذا تسببت في انتشار البطالة في المجتمع – لزيادة العرض في الأيدي العاملة – فإنها تلجأ – أي الرأسمالية – إلى حلولها الوحشية في التضخم ، ورفع الأسعار ، وطرح النقود كسلعة في الأسواق .
وكيف ينظر الإعلام الحديث إلى المرأة ؟ إذ يدفعها دفعا قويا في وسائل العرض في التليفزيون والمسرح والسينما باعتبارها عنصرا فعالا من عناصر الجذب والترويح والترويج ؟
أرأيتم من هم آباء " ثقافة بلا آباء" وكيف أنتجت ولماذا " أطفالا بلا آباء " !!
اطفال بلا ثقافة ، أو بالأحرى ثقافة بغير دين الله
يقول تعالى ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا ) 36 الأحزاب .
ويقول تعالى : (ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم ، وما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون ، يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون ، يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون ) 69 – 71 آل عمران
ويدفعنا إلى الثبات في وجه أهوائهم بقوله تعالى ( فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ، ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله ، إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) 50 القصص
ويبشرنا بهزيمتهم بقوله تعالى ( فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين ) 52 المائدة الكهف .
ترى هل هناك وقت بعد أن غزت شوارعنا جحافل "الأطفال بلا آباء " ، ليكونوا بمنطق الطبيعة الغاشمة سلاح التطور في ضرب الجناة مستوردي " الثقافة بلا آباء " ؟!
والله أعلم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.