الأطفال المشردون في كل مكان، في الشوارع وأسفل الكباري يتعرضون لأبشع ما في الحياة من جوع وبرد واغتصاب وقتل. يتحركون أمامنا، نراهم ونتجاهلهم، نخاف منهم ونبعد عنهم، حتي هؤلاء الذين يفترض أنهم مسئولون عن حماية الطفل في مصر، من توسعات وجمعيات ووثيقة حقوق الطفل التي تغنينا بها طوال سنوات ونقول إننا نعمل بها بعد أن وقعنا أمام العالم أجمع بالموافقة علي بنودها، هذه الوثيقة تجاهلناها هي الأخري، واعتبرت الحكومة والشرطة أن هذه المشكلة مشكلة أمنية وتركناها جريا علي عاداتنا حتي استفحلت وبدت تخرج ثمارها من قتلة.. ومغتصبين ومدمنين، فكان أن هاجت الصحف وتذكر الإعلام ان لدينا مشكلة تركناها بلا حل وبلا متابعة حتي وصل الأمر إلي تشكيلات واسعة من معتادي الإجرام والمنحرفين. أين الحكومة؟ أين السادة الوزراء؟ أين المستثمرون؟ أين جمعيات حقوق الإنسان، أين الضمير، أين أصحاب الفضيلة الذين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها علي رأي خاص في أمر فرعي؟ لم نسمع لهم حسا أو رأينا لهم عملا تجاه أطفال الشوارع.. أين أصحاب القلوب الرحيمة؟ أين أغنياء مصر؟!!. كان أطفال الشوارع محل اهتمام عندما بدأ مجلس الطفولة والأمومة في عمل أبحاث عنهم وكلف المخرج المميز محمد خان بإخراج فيلم شاهدته منذ عدة سنوات وكان من أروع ما يكون في وصف وتصدير واقع طفل الشارع.. ولم يكن في هذا الوقت أي عام 1996 غير جمعية واحدة هي جمعية الأمل تركناها وحدها تحاول دون دعم ورحنا نتغني بالمساعدات حتي وصل أطفال الشوارع من المئات إلي الآلاف إلي الملايين.. ماذا ننتظر؟ إلي أن يتحول هؤلاء إلي عصابات منظمة تؤذي المجتمع وتهدد مصالحه؟! هناك قضايا لابد :أن تتولاها الحكومة أهملتها الوزارات القديمة والقديمة جدا مثل حقوق الطفل.. علينا ان نقود حملة اجتماعية لهذه القضية المهمة وعلينا ان نتذكر ان ظاهرة أطفال الشوارع لا تقل وحشية أيضا عن عمالة الأطفال.. ولما قلنا من قبل ان اهمال قضايا الطفل والأسرة أدي إلي إفراز أكثر من 40000 حدث سنويا يتم عقابهم جنائيا عن تهم بينها أكثر من 50 قضية قتل.. هناك أيضا أكثر من 2 مليون طفل يعملون في أعمال مختلفة تعرضهم لمخاطر نفسية وصحية وأكثرهم يفترشون الشارع المصري فهو مقامهم وزادهم وترسيتهم فليس من الغريب إذن ظهور الانحراف والاغتصاب والقتل بلا رحمة فهم لم يتعلموا أو يشعروا برحمة حتي يمارسوها؟!!. أتمني علي الحكومة الحالية ان تعي الأمراض الاجتماعية الخطيرة التي باتت تهدد المجتمع المصري وفي مقدمتها ترك الأطفال للشوارع بلا واعظ من دين أو أخلاق في مجتمع اعتصره الفساد والمحسوبية والظلم. أريد مساءلة أولي الأمر اللذين استلموا مصر حضارة وثقافة وتركوها مصر المتربصة بالآراء الشخصية والفن والعلم والاستنارة؟!!. إن من المفترض ان ينشأ الطفل في جو صحي ديمقراطي أخلاقي، وان عدم رعاية الأطفال والتخلي عن تقديم الرعاية الاجتماعية والانفاق علي الخدمات العامة من خلال تفاعل حقيقي بين الحكومة وبين الجمعيات الأهلية ينذر بمزيد من الشرور وان المرور علي هذه القضية الخطيرة مرور الكرام واعتبار كل منا انها قضية لا تخصه سيكون له أثر سلبي بالغ علي روح مصر الحضاري. كلمة أخيرة للسادة المستثمرين وخاصة لدي الحكومة المصرية: ألا يستحق هؤلاء الأطفال ان ينالوا أي حق من حقوق وثيقة حقوق الطفل التي يتشدق بها كل المسئولين؟ ألا تريدون بلدا مثل البلاد العظمي حتي تتفرع أعمالكم وتكبر وتزدهر؟ عليكم أولا إنقاذ أطفال الشوارع بأن توفروا لهم بيتا ومأوي.