وسيوفر البنك لطفل الشارع كجميع الخدمات التمويلية ودراسات الجدوي، كما يتيح البنك الفرصة لتوفير مدخرات الأطفال الذين يعملون في مهن مختلفة. ويبدأ البنك برأس مال قدره 5 آلاف جنيه كمرحلة أولي. وفكرة هذا البنك تعود لمؤسسة "حواء" في محافظة المنيا بصعيد مصر بالتعاون مع المجلس القومي للأمومة والطفولة.. ومن أبرز أهداف بنك أطفال الشوارع : تعليم الأطفال، وإيجاد مأوي لهم، وتعليمهم بعض الحرف ثم متابعة أوضاعهم حتي بعد استقرارهم في بيوت عائلاتهم. وتأتي هذه الخطوة في وقت متأخر بعد أن انتشرت هذه الظاهرة بشكل ملحوظ خاصة في القاهرة وضواحيها، وغدت مادة إعلامية في السينما والدراما فنتج عنها أفلام، ومسلسلات تحكي عن هؤلاء الأطفال، وتحول حياتهم إلي صور مرئية قد تستدر عطف المشاهدين ليس إلا، لكن يظل من الصعب تقبل التعامل معهم من قبل الأسر العادية بسبب الخوف من السلوك غير المتوقع _ والمنحرف غالبا_ الذي يقوم به طفل الشارع.. هكذا يبدو الأمر شائكاً جداً، لأننا نقف أمام واقعين متناقضين، واقع الأطفال المشردين، ثم واقع نظرة المجتمع إليهم علي أنهم مجرمين، وهذا لا يشتمل علي المواطنين العاديين الذي ينفرون من مجرد رؤية طفل شارع فحسب، بل ينطبق أيضاً علي أفراد الشرطة الذين يفترض بهم أن يكونوا من بين جهات الحماية لأولئك الصغار.. ثم هناك الواقع الاجتماعي المتعاطف نسبيا مع الظاهرة الخطرة ويعرف أبعادها وما ستؤدي إليه، لكنه غارق في مشاكله وأعبائه الحياتية التي لن تمكنه بأي حال من الأحوال من بذل شيء يتجاوز التعاطف في مثل هذه القضية أو غيرها من القضايا المؤثرة. من المهم معرفة كيف يري هؤلاء الأطفال الشارع؟ إنهم يرونه بيتهم ليس إلا، وهذه الرؤية تختلف عن رؤية أصحاب البيوت تماما، لذا تبدو البوابة الأساسية في فهم هذه الشريحة من الأطفال هو تبديل هذه الفكرة اليقينية عندهم، وهذا لن يحدث إلا بعد إعادة تأهيل نفسي يعيد إليهم قدرتهم علي التمييز بين البيت والشارع.من هنا تبدو هذه القضية الشائكة والمركبة أمرا يتجاوز مسئولية الأفراد، وحتي الجمعيات الأهلية لأن هذه الأخيرة لن يمكنها معالجة الظاهرة إلا ضمن مساحات معينة، في الوقت الذي تتم فيه مضاعفة وتضخيم إنجاز تلك الجمعيات دون دقة موضوعية، فالجمعيات لن تتعامل مع المشكلة وفق المكان ومدي تفشي الظاهرة، وحصر العدد الفعلي لهؤلاء الأطفال، وبالتالي تقديم الحلول الناجعة لهم مادياً ونفسياً، لأن قدرات الجمعيات الأهلية ستظل محدودة مهما كبرت. يحتاج مثل هذا العمل سواء في القاهرة أو في المحافظات الكبري التي ينتشر فيها هؤلاء الأطفال إلي خطة مدروسة تكون من ضمن أولويات الحكومة في علاجها للظاهرة، وليس الاستخفاف بها والنظر إليها علي أنها واقع كارثي يتم تسويفه دائما إلي أجل غير مسمي. وعلي الرغم من صدور تعديلات في قانون الطفل في مصر عام 2008، لضمان قدر أكبر من الحقوق للأطفال، لا سيما المعرضون منهم للخطر، فإن الواقع الفعلي، والمرئي لا يظهر أي تغير، ومازلنا نري هؤلاء الأطفال يباتون ليلا تحت الكباري الرئيسية، بل إن ثمة كباري معينة صارت خاصة بهم ومعروفة لتجمعاتهم، ومازلنا نقرأ في صفحات الحوادث جرائم مأساوية يشارك فيها الأطفال ويكونون الذراع اليمني في تنفيذها. ربما لا تبدو كلمة "واقع بائس، أو مأساوي" هي الكلمة المناسبة هنا، لأن الحقيقة تتجاوز هذا إلي حد أبشع ، إذ لا يمكن استيعاب أو نسيان مشهد طفل في الحادية عشرة من عمره يتعاطي المخدرات في الشارع، لا يمكن أن نشيح بوجهنا بعيدا ونقول : "وأنا مالي". وفي النتيجة الأساسية، يظل طفل الشارع، "طفلا" بكل ما للكلمة من أبعاد في قاموس الطفولة، وحقوق الإنسان، وغيرها.. وغيرها. طفلاً ألحقت به كلمة الشارع، إلحاقاً مكروها منه ومن المجتمع، لكنها صارت لصيقة باسمه وحياته كلها.