حكاية هذا الأسبوع عن وثيقة هامة ونادرة هى عبارة عن خطاب رسمى من الخديو عباس حلمى الثانى ابن الخديو توفيق وحفيد الخديو إسماعيل الذى ولد فى 14 يوليو 1874 وتوفى فى 19 ديسمبر 1944 وتولى حكم مصر فى الفترة من 8 يناير 1892 إلى إن تم عزله في 19 سبتمبر 1914 ، وكان آخر خديوي لمصر والسودان. والوثيقة موجهة من الخديو الى رئيس مجلس النظار ( الوزراء ) مصطفى فهمى باشا بتاريخ 25 مايو 1905 يقول فيها الخديو ؛ « حيث إننا عزمنا بمشيئة الله تعالى على السفر الى خارج القطر فقد أنبناكم عنا وأقمناكم مقامنا مدة غيابنا للنظر فى أشغال حكومتنا وإصدار ما تستدعيه من الأوامر بما هو معهود فيكم من الروية وكمال الدراية ، وعند عزم عطوفتكم أيضاً على السفر ينظر مدة غيابكم سعادة حسين فخرى باشا ناظر الإشغال والمعارف فى أشغال الحكومة بالإتفاق مع حضرات النظار الباقين بما نعهده فيهم من حسن الخبرة بالأعمال وما يقررونه تصدر به الأوامر تحت إمضاء سعادته ، وقد أصدر أمرنا هذا للعلم به والعمل بموجبه . وبعدها بثلاثة أيام أرسل رئيس النظار صورة من المرسوم الخديوى لنظارة الأشغال العمومية لتعريف حسين فخرى باشا ماذا سيحدث بشأن إدارة أشغال الحكومة مدة غياب الحضرة الخديوية الفخيمة لاتخاذ اللازم فيما يخص وزارة الأشغال العمومية . ومن هذه الوثيقة النادرة نتبين أن الخديو كان غالباً ما يقضى جزءا من عطلته السنوية الصيفية خارج البلاد فكان ينيب رئيس النظار ليحل محله فى اتخاذ القرارات ولأنه يعلم أن بعض النظار كان ينتهز فرصة قدوم الصيف للسفر الى الأستانة فقد حدد الخديو البديل عن رئيس النظار فى حالة ما إذا اضطرته الظروف للسفر . الجدير بالذكر أن الخديو عباس حلمى قد إصطدم بمصطفى فهمى باشا بعد عام من توليه الحكم عندما أقال وزارته فوقعت أزمة مع إنجلترا التى ضغطت عليه فيما بعد لإعادته ، ومصطفى فهمى باشا هو والد السيدة صفية زغلول أم المصريين وزوجة الزعيم سعد زغلول وكان رئيساً لحكومة مصر لمدة ثلاثة عشر عاماً فيما يعرف بعهد وزارات الاستسلام للاحتلال الانجليزي، وكان معروفاً بأنه صديق الانجليز الوفي، فقد قبلت وزارته مالم تقبله النظارات السابقة حتى أن كرومر المعتمد البريطاني في مصر وصفه بأنه «أداة في أيدي الممثل البريطاني في القاهرة». أما عن رحلة الخديو عباس حلمى خارج مصر عام 1905 فيقول أحمد شفيق باشا رئيس الديوان الخديوى فى مذكراته « ان الخديو سافر الى الثغر ( الاسكندرية) أول مايو فاستقبلته اللجنة المشكلة للإحتفال به فى أعياده وعند سفره وعودته بحفاوة كبيرة فشكر أعضاءها ... ويبدو أن الخديو أمضى أغلب شهر مايو فى الاسكندرية حتى موعد رحلته الى الآستانة وأوروبا ، وقد غادر الميناء يوم 25 مايو أى فى نفس اليوم الذى ترك فيه المرسوم لرئيس النظار ويضيف أحمد شفيق باشا أنه لم يكن بمعية ( بصحبة ) الخديو الذى استبقاه فى مصر ليكون قريباً من النظار لما عسى أن يطلبونه من معلومات وأضاف أن محمد عزت بك رئيس القلم التركى كان ممن رافقوا الخديو الذى وصل الى الأستانة فى 29 مايو ولم يمكث بها الا مدة وجيزة وغادرها يوم 3 يونيو الى فيينا ثم سافر بعدها الى انجلترا فمكث بها خمسة أيام كان فيها محل حفاوة وإكرام من جانب ملك بريطانيا والأمراء الإنجليز والرجال الرسميين حتى عودته الى مصر . بقى أن أقول ان الخديو عباس حلمى هو أكبر أولاد الخديوي توفيق وقد حاول أن ينتهج سياسة إصلاحية ويتقرب إلى المصريين ويقاوم الاحتلال البريطاني، فانتهز الإنجليز فرصة بوادر نشوب الحرب العالمية الأولى وكان وقتها خارج مصر، فخلعوه من الحكم وطلبوا منه عدم العودة ونصبوا عمه حسين كامل سلطانًا على مصر بدلًا من أن يكون خديوي. وفرضوا على مصر الحماية رسميًا، ويوجد في القاهرة كوبري باسمه وهو كوبري عباس الذي يربط بين جزيرة منيل الروضة والجيزة... كما ارتبط اسمه بأغنية كان يرددها المصريين نكاية فى الإنجليز هى « الله حى ... عباس جاى ».