تحدثت يوم28 نوفمبر الماضي ومع بداية الانتخابات البرلمانية عن النفق المظلم الذي دخلت اليه مصر مع بداية ما اتفق البعض علي تسميته الموجة الثانية للثورة والتي اسفرت عن الأحداث الدامية في شارع محمد محمود.. وكان الظن أن نجاح العملية الانتخابية بدون خسائر وأن اختيار نواب برلمان الثورة بالنزاهة والمعايير الدولية المتعارف عليها يمكن ان يساعد علي الخروج من النفق المظلم, ولكن يبدو أن أهدافا اخري غير الأهداف المعلنة للثورة المصرية تسيطر الآن وهي ببساطة شديدة اسقاط الدولة المصرية بكل رموزها ومعانيها. هذا الهدف غير خاف وليس بأجندة سرية, ولكنه بكل الأسي والأسف هدف معلن في وضوح تام لدي قطاع واسع وكبير من أدعياء الثورة, بل يعتبرونه فريضة ثورية لابد من استكمالها حتي تتحقق اهداف الثورة.. والعجيب انه وسط هذا الزخم الفوضوي, لا أحد أصبح قادرا علي استخدام سلطة الدولة وهيبتها في فرض النظام والقانون.. ولا أحد في منظومة الدولة- حتي ولو كانت منظومة مؤقتة- قادر علي كشف أجندة هؤلاء علي الملأ ومحاسبة المروجين لها والعاملين علي تنفيذها رغم أنهم لا ينكرونها بل ويتفاخرون بها. المثير للدهشة والذي لا يقبل أي تفسيرات مزدوجة ان وتيرة العنف ضد الدولة ورموزها ومؤسساتها وعلي رأسها مؤسسة الشرطة والمؤسسة العسكرية قد تصاعدت وتزايدت مع بدء الانتخابات البرلمانية, ووصلت الآن الي ذروتها مع بدء جلسات مجلس الشعب المعبر عن روح الثورة المصرية, ومع بدء تسلمه لمسئولية التشريع من المجلس الأعلي للقوات المسلحة.. ويتزامن ذلك مع دعوات بعدم الاعتراف بشرعية المجلس البرلماني الجديد بحجة أنه لم يأت بما كانوا يأملونه من الثوار رغم نجاح عدد لا بأس به من هذه الرموز ووصولهم الي البرلمان... وهنا لابد من تذكر أن الانتخابات قد تأجلت لمدة اكثر من شهرين بسبب المهلة التي طلبتها وألحت عليها التيارات السياسية الجديدة, ورغم ذلك فقد جاء الأخوان المسلمون بما لديهم من رصيد لدي الشارع المصري في المقدمة وتلاهم في الترتيب السلفيون بما يحملونه من رمز ديني يحترمه اغلبية أبناء مصر من المسلمين وبغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع برامجهم السياسية أو مع الكيفية التي تعاملوا بها مع الثورة في بداياتها ومع نهاياتها. وهنا تبرز خطورة أن يتعارض النشاط الفعلي للشباب الذين يدعون انهم وحدهم أصحاب الحق في الحديث باسم الثورة المصرية, مع الأهداف الكبري للثورة في اقامة النظام الديمقراطي الحر والنزيه, وهو ما ظهر واضحا من رفض نتائج الانتخابات مما يعني اننا أمام ديكتاتورية من نوع جديد ترفع من قدر الأقلية وتحط من قيمة الأغلبية بل وتتهم التيار الفائز بأنه يتحالف مع النظام المؤقت لادارة البلاد من اجل اجهاض الثورة.. نحن اذن امام ديكتاتورية جديدة تقوم علي فكرة الديمقراطية الانتقائية التي تقف وراءها الولاياتالمتحدة والغرب والصهيونية العالمية.. وهي ديمقراطية لا يجب أن يصعد من خلالها أية احزاب أو تيارات يمكن ان تكون معارضة ومناهضة او تسبب أي قلق سياسي لهذه القوي العالمية علي غرار ما حدث في الجزائر عقب الغاء نتائج الانتخابات البرلمانية في بداية تسعينات القرن الماضي التي اسفرت عن فوز التيار الديني, وما تبع ذلك من مجازر وحروب أهلية. علي المستوي الشخصي لم أكن اتوقع اكثر من نسبة25% يحصدها الاخوان المسلمون من الانتخابات الأخيرة.. وكونهم نجحوا في الاستحواذ41% من مقاعد البرلمان اضافة الي مفاجأة السلفيين والحركات الدينية الاخري بحصولهم علي نحو30% يعني أن المزاج العام المصري في هذه اللحظة هو مع اتاحة الفرصة للاخوان والسلفيين لقيادة العمل التشريعي والتنفيذي.. ولا يعني ذلك علي الاطلاق ان المصريين رافضون للثورة. وكيف يمكن ان يكون ذلك صحيحا في ضوء مشاركة اكثر من20 مليون مصري في وقائع الثورة وفعالياتها بالشوارع والميادين في مختلف المدن المصرية والذين مثلوا بقية الثمانين مليونا الذين لم يتمكنوا من المشاركة بشكل مباشر في التظاهرات التي انهت الحكم الفاسد. المشكلة الرئيسية هنا اننا أمام معضلة عدم الاعتراف بالبرلمان الجديد طالما ان غالبيته ليست علي هوي التيارات الشبابية.. والمشكلة الأعظم اننا امام محاولات جادة ومنظمة ربما لا يعرفها هؤلاء الشباب لهدم الدولة المصرية من جذورها.. هم يتحدثون بمنتهي البراءة عن هدف هدم الدولة ولا يعرفون معني ان تهدم الدولة ومؤسساتها.. هم لا يدركون معني ان تحترق الاجهزة الادارية للدولة ومقار الوزارات خاصة وزارة الداخلية.. انهم يتحدثون عن اقتحام مقر وزارة الداخلية وكأن ذلك حق من الحقوق الثورية.. ثم يتحدثون عن هدم المؤسسة العسكرية وكأنهم يجاهدون في سبيل الله والوطن. المشكلة الأكبر اننا أمام حالة من الفوضي الشاملة التي طالما حذرنا من خطورتها ومن تداعياتها التي لن تقف عند حدود معينة وانما ستكون خرابا علي الجميع.. نحن أمام حالة من الغيبوبة واللاوعي الذي اصاب الجميع بدون استثناء. الحل الوحيد هو في إظهار قوة الدولة وهيبة القانون.. الحل في أن يصمم القائمون علي الحل والعقد علي التطبيق الصارم للقانون في ذات الوقت الذي يتم فيه تنفيذ الجدول الزمني لتسليم السلطة للمدنيين.. الحل في الاحترام الكامل لنتائج الديمقراطية مهما تكن غير متوافقة مع أرائنا الخاصة.. وعلي شباب الثورة ان يقدموا المثل والنموذج للامتثال لخطوات واجراءات العملية الديمقراطية الحقيقية... فالفارق كبير جدا بين الحالة الثورية الفعالة وبين حالة الفوضي الهدامة. المزيد من مقالات محمد السعدنى