لن تتوقف محاولات المصريين والأفارقة للهرب من جحيم الفقر والبطالة والاضطهاد والحرب فى بلدانهم الى فردوس أوروبا المنشود طالما بقيت أسبابها بلا حل.فقد فشلت كل اجراءات الأمن التى اتخذت والمؤتمرات والندوات التى عقدت فى وقف الظاهرة حيث يلقى 40% من المهاجرين غير الشرعيين حتفهم فى الطريق جوعا وعطشا ومرضا وغرقا وقتلا بأيدى العصابات أو رجال الأمن. يرجع ذلك الى استمرار أسباب هذه المخاطرة حيث 94% من سكان دول جنوب الصحراء الإفريقية البالغ عددها أربعا وثلاثين ليست لهم وظائف دائمة و40 مليونا يواجهون خطر الموت جوعا فى مناطق يتكرر فيها الجفاف و200 مليون يعانون من نقص التغذية.لذلك يتطلع الشباب الأفارقة ومثلهم المصريون الى أوروبا مخاطرين بحياتهم للوصول اليها معتقدين أن أسوأ أحوال المعيشة فى دولها لابد أفضل من المعيشة فى بلادهم التى تعج بالفقروالتخلف والأمراض والحروب العرقية والقبلية والاضطهاد الممنهج،فمن يجرؤ على معارضة الحاكم مصيره السجن أوالقتل.بعضهم يسير فى الصحراء لأكثر من 20 يوما بعد أن يكون قد دفع كل ما يملك لتجار البشر والأدلة وقد يموت قبل أن يبلغ مبتغاه.وتقدر منظمات معنية بالهجرة عدد الذين لقوا حتفهم قبل أن يصلوا الى أوروبا عن طريق البحر بما يتراوح بين 17 ألفا و20 ألف انسان خلال السنوات العشرين الأخيرة. فمنذ عام 1997 وحتى 2005 مات أربعة آلاف افريقى لدى محاولتهم الوصول الى اسبانيا. وفى اكتوبر 2013 غرقت سفينتان، ولقى أكثر من 400 مهاجر مصرعهم،وفى فبراير 2014 فتح حرس السواحل النارعلى قوارب مطاطية للمهاجرين وقتل بعضهم بينما أنقذت البحرية الايطالية أكثر من ثلاثة عشرألف مهاجر غير شرعى من بينهم مئات القصر والنساء منذ أكتوبر 2013 كانوا فى طريقهم الى السواحل الايطالية على متن قوارب بدائية منهم 3500 الأسبوع الماضى وحده .وضبطت ميليشيا ليبية نحو 200 مهاجر غير شرعى لدى محاولتهم العبور الى أوروبا مختبئين فى حاويات صابون قبل أيام!.وكانت ليبيا قد رحلت 923 مهاجرا غير شرعى فى يوليو 2006.وفى أكتوبر 2005 اقتحم 700 مهاجر من دول جنوب الصحراء السياج الحدودى حول مدينة «مليليه» المغربية الخاضعة لسيطرة اسبانيا وتمكن نصفهم من اجتيازه بينما أصيب آخرون وتم ترحيل 200 منهم الى منطقة الحدود مع الجزائر التى قدموا منها.وبلغ عدد من رحلتهم المغرب حتى نهاية أكتوبر 2005 أربعة آلاف بعد مقتل واصابة عشرات فى مواجهات دموية مع الأمن. فى يوليو 2006 تم فى العاصمة المغربية الرباط عقد أول مؤتمر أوروبي- افريقى بشأن الهجرة غير الشرعية شاركت فيه 55 دولة لمحاولة وقف تدفق المهاجرين على أوروبا عبر المغرب وجزر الكنارى وايجاد فرص عمل لهم داخل بلادهم .وتم طرح خطة عمل مشتركة لتشديد الرقابة وتشكيل دوريات وتطوير المعدات المستخدمة للمراقبة داخل الدول التى ينطلقون منها، وكذلك فى البحر المتوسط وسواحل غرب افريقيا والتعامل بحزم مع المتسللين واعادة من نجح فى الوصول الى أوروبا الى بلادهم والتوسع فى توفير فرص تعلم اللغات والتعليم لهم وتنفيذ مشروعات تتيح لهم مزيدا من فرص العمل فى الزراعة والصيد والحرف الأخرى. وتحدث الجانب المغربى وقتها عن أن المؤتمر أثمر انشاء صندوق للتنمية فى افريقيا، وطالب الأفارقة بتحديد مطالبهم والاستجابة لعدد من المطالب التى أثيرت فى المؤتمر حتى لايبقى الصندوق خاويا.ولم نقرأ عن تنفيذ مقرراته سوى تزويد موريتانيا بثلاثة ملايين دولار لمراقبة سواحلها وحدودها البرية. وقبل ذلك وقعت ست وعشرون دولة من وسط وغرب افريقيا فى أبوجا عاصمة نيجيريا اتفاقية لمكافحة تهريب البشرواستغلال الأطفال داخل وخارج بلادهم وصفها البعض يومئذ بأنها تاريخية.ولكن يبدوأنها لحقت بسابقاتها ويكاد لا يذكرها التاريخ.فالسكرتير التنفيذى لمنظمة دول غرب افريقيا (ايكواس) وقتها محمد بن شمباس قدرعدد من يتم تهريبهم فى دول افريقيا جنوب الصحراء سنويا بما يتراوح بين 200 ألف و800 ألف انسان للعمل كخدم وعبيد وفى الدعارة فى أوروبا والشرق الأوسط تحت اغراء ايجاد فرص عمل لهم. أما فشل المؤتمرات والاتفاقيات فى الحد من الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر فيرجع الى عوامل كثيرة من بينها الفقر وتردى مستوى المعيشة حيث يعيش نصف سكان دول افريقيا جنوب الصحراء على متوسط دخل يومى 65 سنتا للفرد وبلغت نسبة البطالة بين الشباب 60% ولا تزيد نسبة الذين لهم وظائف ثابتة على 25% ويعيش 80% من الناس بلا كهرباء ونحو 65% منهم بلا مياه صالحة للشرب.ولأن عدد الأفارقة فى سن العمل بدول جنوب الصحراء سيرتفع من 180 مليونا فى عام 2006 الي300 مليون بحلول عام 2050 لا يمكن لأحد أن يتنبأ بما سيحدث اذا لم يتم ايجاد فرص عمل لهم بتنمية اقتصادات بلادهم.فالمشكلة تحتاج الى مشروع مارشال جديد حتى يتم القضاء على الهجرة غير المشروعة من منابعها.والأسوأ من ذلك أن 56% من الكفاءات العلمية المطلوبين لمشروعات التنمية فى بلادهم يتركونها الى أوروبا وأمريكا وكندا لعدم توافر الظروف المناسبة لعملهم فى أوطانهم فتتضاعف خسائر الأفارقة. لمزيد من مقالات عطيه عيسوى