يعد مدخل «الفرصة السياسية» واحدا من أبرز الاتجاهات السائدة الجديدة فى دراسات النظم السياسية المقارنة لفهم التحولات الداخلية فى مجتمع ما والتى على أساسها يمكن تحديد مدى قدرة القوى الاجتماعية أو الحركات الاحتجاجية أو الفواعل السياسية political actors فى توظيف فرص قائمة أو خلق فرص محتملة أو فقدان فرص ناشئة. واللافت للنظر أن أهمية هذا المدخل تتزايد بشكل خاص، فى مرحلة الحراك الثورى أو الانتقال الديمقراطي، على نحو ما ينطبق على مرحلة ما بعد انتخابات الرئاسة فى مصر، بالنسبة لحدود التغير فى هيكل الفرص السياسية لدى أثنين من أكثر الفاعلين صعودا، بعد قيام ثورة 25 يناير 2011، وهما السلفيون والإخوان المسلمين. غير أن الوضع تغير فى أعقاب ثورة 30 يونيو 2013، والتى أدت إلى إسقاط حكم الإخوان وضعف نسبى للسلفيين. تجيب هذه الصفحة عن تساؤل مركزى مفاده: هل نحن إزاء هيكل جديد للفرص بالنسبة للفواعل السياسية/الاجتماعية بعد انتخابات الرئاسة المصرية وفوز المرشح المشير عبدالفتاح السيسى وفقا للمؤشرات الأولية بأغلبية كاسحة؟ وفى هذا السياق، يشير د.عمرو هاشم ربيع نائب مدير مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام إلى أن مستقبل السلفيين ملتبس، ما بين الانخراط فى العمل السياسى وخوض انتخابات المجلس النيابي، وهو ما يمثله حزب النور، فى حين يكتفى القطاع العريض من التيار السلفى بالعمل الدعوي. أما الاتجاه السلفى الثالث فسوف يبقى داعما للإخوان، ولن يكون لهم مستقبل سياسى أساسا. على الجانب الأخر، فإن د.محمد السعيد إدريس الخبير فى الشئون العربية والمشرف على برنامج دراسات الثورة المصرية بالمركز يرى أن تأسيس شرعية حكم جديد بعد تثبيت دعائم المسار الانتقالى تجعل خيارات الإخوان المسلمين بالغة الصعوبة، على نحو يجعل فرصهم على مواصلة مشروع استرداد السلطة متراجعة، وتصبح فرص تصدرهم للمشهد الداخلى مرة أخرى شبه منعدمة، مع احتمالية نفاذ بعضهم إلى عضوية المجالس النيابية أو المحلية. المحرر
د.عمرو هاشم ربيع : مستقبل السلفيين: ملتبس مازال السلفيون يشكلون رقمًا محيرًا فى المشهد السياسى على المدى المنظور فى مصر، ومنبع تلك الحيرة عدة أمور. فأولاً، أن هؤلاء لا يشكلون تنظيمًا واحدًا كما هو الحال بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين، كما أن هؤلاء يتوزعون بين أكثر من فصيل كل له شيخه وكل شيخ له ثلة من المريدين، وهذا الأمر يرتبط بالجهة أو المحافظة التى يقطن فيها الجماعة السلفية المعنية. وحتى مع بروز هيئة تنسيقية تجمع غالبية التيارات السلفية، وهى الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح، أنفرط عقدها باستقالة العديد من قادتها احتجاجًا على انغماسها فى العمل السياسي. ثانيًا، إن السلفيين المنغمسين فى العمل السياسى هم حديثو العهد بالسياسة، فهم ليسوا كالإخوان المسلمين خبروا العمل السياسى منذ نشأة الجماعة فى عام 1928، فهؤلاء فى أفضل الأحوال عملوا بالشأن السياسى منذ أن تكررت دعوة الإخوان المسلمين لبعضهم فى سنوات إجراء الانتخاب البرلمانية إبان حكم مبارك (وبخاصة سلفيو الإسكندرية) للمشاركة فى التصويت لصالحهم فى تلك الانتخابات.
ثالثًا، إن الانغماس بالفعل الإيجابى فى العمل السياسى حدث لأول مرة مع «غزوة الصناديق» فى استفتاء تعديل الدستور 19 مارس 2011، ثم إبان الانتخابات البرلمانية التى جرت فى نوفمبر 2011 واستمرت عدة أسابيع للتنافس على مقاعد مجلسى الشعب والشورى، ويومها حصد تحالف النور السلفى الاتجاه زهاء 127 مقعدًا من إجمالى 498 مقعدًا منتخبًا، مقابل 227 مقعدا حصدها تحالف الإخوان المسلمين (وغالبيتها كانت من نصيب الحرية والعدالة وأقلها كان من نصيب الكرامة والمستقلين والعمل والحضارة ومصر العربي). المهم أنه كان ضمن المقاعد ال 127 عدد 96 مقعدًا للقوائم و31 مقعدًا للمستقلين. وهذا العدد الإجمالى كان حصيلة حصد حزب النور السلفى 110 مقاعد، والجماعة الإسلامية وحزبها البناء والتنمية (14 مقعدًا)، وحزب الأصالة السلفى 3 مقاعد فقط. أما فى مجلس الشورى، والبالغ عدد مقاعده المنتخبة 180 مقعدًا، فقد حصد تحالف الإخوان 175 مقعدا (120 قوائم + 55 فردى)، منهم مقعد لكل من الحضارة والجيل والكرامة ومستقل. أما النور السلفى فحصد 39 مقعدًا من القوائم الحزبية و7 من المقاعد الفردية. براجماتية سياسية رابعا، إن التيار السلفى المسيس الذى اتسم بالنقاء والصفاء مع بدء العمل السياسى الإيجابى منذ ثورة 25 يناير 2011 لم يعد كما هو، إذ بدأ يتمرغ فى العمل السياسى بكل برجماتيته، والنظر للمصالح دون القيم والمثل، وممالأة السلطة السياسية الماسكة بزمام الأمور (بعضهم فعل ذلك صراحة إبان نظام مبارك). ويبدو أن غالبية أنصار هذا التيار قد خبروا هذا المسلك البرجماتى ليس فقط لمجرد دخولهم لعبة السياسة، بل والأهم لاحتكاكهم عن قرب بجماعة الإخوان المسلمين. وكل ما سبق ربما يجيب عن سؤال حير غير المتخصصين، وهو لماذا باع بعض السلفيين الإخوان شركاءهم فى ذات التيار يوم 3 يوليو 2013، رغم أن بعضهم التفوا حول الإخوان حتى قبل خلع محمد مرسى بأيام (واقعة الإستاد)، ولماذا قبل ذلك نكث بعضهم وعدهم لعبد المنعم أبو الفتوح فى انتخابات الرئاسة 2012، وبعد ذلك لماذا لم يشاركوا فى التصويت على دستور 2014 رغم أنهم (والحديث هذه المرة عن حزب النور) سوقوا له عبر العديد من المؤتمرات الجماهيرية بالمحافظات المختلفة، بشكل تجاوز الأحزاب المدنية!! خامسًا، إن التيار الجهادى من السلفيين وغير المؤمن بالعمل السياسي، هو فى الأغلب الأعم تيار تكفيرى بشكل جزئي، بمعنى أن تكفيره للغير قاصر على وظائف محددة، تتصل بالعاملين فى سلكى الجيش والشرطة، باعتبار هؤلاء من تسبب فى (انقلاب يونيو) وقلبوا كل حجر بحثًا عنهم لقتلهم أو اعتقالهم، وهؤلاء بلا أدنى شك على علاقة بكل من تنظيم القاعدة وجماعة الإخوان المسلمين. القوة البديلة والآن يصبح السؤال ما هو مستقبل هذا التيار عقب انتخابات الرئاسة فى مصر؟ فى البداية سيلجأ المسيسون من أنصار هذا التيار وعلى رأسهم حزب النور إلى محاولة جنى ثمار المشاركة فى 3 يوليو الماضي، بمعنى سعى الحزب الدؤوب لخوض انتخابات مجلس النواب، بغض النظر عن النظام الانتخابي، والأرجح أن يمثل هؤلاء مع كافة التيارات الدينية الأخرى - كجماعة الإخوان التى لا تطرق استحقاقا انتخابيا إلا وشاركت فيه - ما بين ربع وثلث أعضاء المجلس، وستكون الغلبة - وهم من يملك وفورات مالية ضخمة أكثر من الإخوان المسلمين- لهم وليس للإخوان المطاردين فى معظم الدوائر من غالبية الهيئة الناخبة. بعد ذلك لن يألوا هذا التيار كنتيجة لما سبق فى محاولة المشاركة فى تشكيل الحكومة الجديدة، بل أن النظام الجديد ربما يسعى لهذه المشاركة لضرب الإخوان على الأرض، ولدفع الاتهام عنه بأنه يقصى الإسلاميين. ولعل أحد أهداف مشاركة هؤلاء فى الحكومة (خاصة حزب النور) هو الحفاظ على وجودهم السياسي، لاسيما فى ظل دستور واضح ينهى أى وجود لأحزاب دينية، ومن ثم ستحد مشاركتهم من وطأة أى تهديد حكومى ظرفى بإسقاط أحزابهم. من ناحية أخرى، سوف يسعى بعض أنصار هذا التيار للوجود بين المواطنين وداخل الدولة، من خلال استمرار نقض جماعة الإخوان المسلمين كلما سنحت الفرصة لذلك، وهو الأمر الذى بدأوا يفعلوه منذ فض اعتصامى ميدانى رابعة العدوية والنهضة فى منتصف أغسطس الماضي، بنقضهم الشديد لأعمال العنف وترويع الآمنين التى تقوم بها جماعة الإخوان المسلمين. الانقسام السلفى وعلى الجانب الآخر، سيعزف بعض السلفيين عن العمل السياسى ويعودون لحوزاتهم الدراسية، والاكتفاء بالدعوة والتبليغ، وهؤلاء هم من كانوا يسمون إعلاميًا بالسلفية العلمية. وعلى العكس من هؤلاء سيبقى القطاع العريض من السلفية الجهادية فى مواقعهم تحت الأرض شرق قناة السويس وأحيانًا غربها، بل لن يتجهوا طوعًا لإلقاء السلاح، أو حتى المراجعات التى تبين زيف أغلبها، كما فعل أنصار تنظيم الجهاد والجماعة الإسلامية فى عقد التسعينات من القرن الماضي، وسيمول هؤلاء على الأرجح من قبل جماعة الإخوان، التى ستطلقهم فور أول نداء للسلطة لتحقيق مصالحة مؤكدة تفضى بهم للعمل الدعوى والاجتماعى دون السياسي. يبقى فى المشهد السلفى الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح وغيرها من الأحزاب السلفية التى تقف إلى جانب الإخوان فى الوقت الراهن، سواء داخل أو خارج التحالف الوطنى لدعم الشرعية. وهؤلاء لن يكون لهم أى مستقبل سوى انغماسهم فى التيارات السلفية غير الجهادية المشار إليها أنفًا، لاسيما بعد أن تسعى جماعة الإخوان المسلمين بحكم الأمر الواقع للخلاص منهم لما يشكلونه من أعباء فى إطار المصالحة مع النظام عقب استكمال خارطة المستقبل بعدة أشهر. أما بالنسبة للتيار المدني، فسوف ينقسم إزاء وضع السلفيين الممارسين للعمل السياسي، فاليساريون منهم لن يقبلوا إلا على مضض بممارسة هؤلاء للعمل السياسى الذى سينافسونهم فيه. والليبراليون لن يألوا جهدًا لمحاولة استيعابهم واحتوائهم كحقيقة واقعة ورقما فى العملية السياسية، لاسيما بعد خروج الإخوان من المشهد السياسى بعد استكمال خارطة المستقبل.
د. محمد السعيد إدريس : خيارات الإخوان: صعبة تواجه جماعة «الإخوان المسلمين» الآن تحديات شديدة الصعوبة خصوصاً بعد نجاح المصريين فى إجراء الاستحقاق الثانى من خريطة المستقبل بعد النجاح فى إنجاز الاستحقاق الأول وهو الاستفتاء على الدستور الجديد (دستور عام 2014). فنجاح إجراء الانتخابات الرئاسية يعد إضافة كبيرة لمسيرة التأسيس لشرعية الحكم الجديد الذى يؤسسه المصريون بعد إسقاطهم نظامى مبارك والإخوان. فالاستفتاء على الدستور وإقراره، وانتخاب رئيس جديد (عبدالفتاح السيسي) بمشاركة مصرية غير مسبوقة وبأغلبية كاسحة له معنى مباشر شديد الأهمية وهو أن ما ظل الإخوان وحلفاءهم مصرون على ترديده منذ إسقاط نظامهم فى 3 يوليو 2013 من دفاع عن «شرعية» يزعمون أنها أسقطت ب «انقلاب عسكري» تتداعى أركانها الواحدة تلو الأخرى. ومن ثم، لم يتبق غير الانتخابات البرلمانية واختيار الشعب لنوابه الجدد فى السلطة التشريعية كى تكتمل أركان شرعية النظام الجديد.
شرعية جديدة هذه النجاحات التى تتحقق على مسار تأسيس شرعية حكم جديد تسقط مباشرة كل مزاعم لشرعية حكم تهاوى بالإرادة الشعبية وتسقط كل حجج الإخوان ومزاعمهم أنهم دعاة حقوق وأنهم يدافعون عن «الشرعية» التى أسقطها الانقلاب العسكري، وتضعهم مباشرة، فى حالة خروجهم على هذه الشرعية الجديدة، موضع الاتهام، وهذا هو المأزق شديد التعقيد الذى يواجهونه الآن. لقد خاضوا معركتين كبيرتين للحيلولة دون تمكين الشعب من التصويت على الدستور الجديد، قاطعوا الاستفتاء، وحرضوا ضده، وشنوا هجوماً دعائياً مشوهاً لتجريحه فى محاولة لدفع المواطنين للتراجع عن الإقدام على التصويت عليه، ولم يتوقفوا عن مواصلة الإرهاب ضد المجتمع كله: الجيش والشرطة والمواطن من خلال تفجيراتهم المدبرة والإجرامية، وكرروا التجربة مرة ثانية فى الانتخابات الرئاسية، حيث أعلنوا المقاطعة لهذه الانتخابات، ومارسوا أعلى درجات التحريض والترهيب لمنع المصريين من الذهاب إلى صناديق الاقتراع فى حرب مستميتة لجعل نسبة المشاركة فى التصويت الرئاسى أدنى من مثيلتها فى الانتخابات الرئاسية السابقة التى خاضها مرشحهم محمد مرسي، والهدف هو النيل من شرعية النظام الجديد وتشويهها بل وتقزيمها مقارنة بما يتمسكون هم به من شرعية أسقطها الشعب. لم تفلح كل محاولاتهم لإفساد العرس الشعبى فى الانتخابات الرئاسية، تعاموا، عن قصد، عن كل هذا النضج فى الوعى الشعبى إزاء هذه الانتخابات. فالشعب أدرك منذ الوهلة الأولى أن المعركة الانتخابية الرئاسية ليست معركة بين المرشحين عبدالفتاح السيسى وحمدين صباحى ولكنها معركة بين كل الشعب المصرى الطامح إلى تحقيق الاستقرار والأمن والرخاء وبين الإخوان وحلفائهم المصرين على فرض الإرهاب، وإدامة حال الفوضى الدامية ضمن مخطط هدفه إعادة حكمهم وإعادة رئيسهم. وقد اتضح ذلك على نحو ما جاء مؤخراً (12/5/2014) على لسان إبراهيم منير أمين عام التنظيم الدولى لجماعة الإخوان فى معرض تأكيد إصرارهم على مقاضاة النظام المصرى أمام الأممالمتحدة بتهمة ما سماه «تجاوزات فادحة من جانب السلطات». فقد انتقد، من ناحية، قرار المحكمة الجنائية الدولية رفض الدعوى الإخوانية للتحقيق فى ما يزعمه الإخوان من الجرائم المرتكبة فى مصر ووصفه بأنه «ليس له حيثية»، وكانت المحكمة الجنائية الدولية قد رفضت الدعوة الإخوانية، لكنه، أكد من ناحية أخرى أن «قضية عودة (مرسي) إلى الحكم لا تراجع عنها لأنها مطلب الشعب المصرى الذى خرج فى انتخابات من أجل الديمقراطية».كيف سيتصرف الإخوان إذن بعد أن تجاوز الشعب المصرى كل هذه المزاعم والإدعاءات وانتخب رئيسه الجديد فى عرس ديمقراطى شهد له كل العالم؟ السؤال يمثل مأزقاً شديد التعقيد للإخوان، لأن حجج ومزاعم أنهم دعاة دفاع عن شرعية أسقطها انقلاب تهاوت وبيد الشعب وإرادته، هل سيفكرون فى التراجع والبحث عن مصالحه، أم هل سيواصلون خوض حرب دموية ضد الشعب المصرى كله لتأديبه على ما يسمونه ب «نكران الجميل» فى عدم دفاعهم عن الإخوان وعن رئيسهم محمد مرسي. محددات مختلفة إن الإجابة تبقى محكومة بالعديد من المحددات المهمة أول هذه المحددات هو المحدد الذاتى العقائدى من ناحية والموضوعى من ناحية ثانية. فالمحدد العقائدى له علاقة مباشرة بالغاية البعيدة للجماعة منذ أسسها حسن البنا وهى «استعادة نظام الخلافة الإسلامية»، وله علاقة بالمنهج المتفق عليه لتحقيق هذه الغاية وهو «التمكين بالقوة وليس التمكين بالدعوة»، ولعل ما ورد على لسان حسن البنا فى إجابته على مطالبة قادة التنظيم له بالسماح لهم بالجهاد ما يؤكد صدقية تمسكهم بمنهج التمكين بالقوة فقد رد عليهم: «بمجرد ما يتوافر للجماعة 300 كتيبة مجهزين روحياً وفكرياً وجسمانياً.. فى هذا الوقت طالبونى بأن أخوض بكم لج البحار، واقتحم بكم عنان السماء، وأغزو بكم كل عنيد جبار فإنى فاعل إن شاء الله».هذا يعنى أن الإخوان وفقاً لمعتقداتهم لن يتراجعوا عن مواصلة خيار العنف الدموى لاسترداد الحكم، ولكن هذا الخيار يبقى محكوماً بمن أضحت له الغلبة والكلمة العليا فى إدارة التنظيم هل الجماعة القطبية أم الجماعة الدعوية، وما هى قدرات التنظيم الآن، بعد كل ما تعرض له من ضربات أمنية فى الداخل، وانحسار الدعم فى الخارج، على مواصلة خيار مواصلة التحدى والصراع من أجل استرداد الحكم. ثانى هذه المحددات يتعلق بالبيئة الداخلية فى مصر، من ناحية مدى صلابة الدولة فى مواجهة مشروعهم الدموي، ومدى تعاطف الشعب ودعمه له، وحدود وفرص تماسك «تحالف دعم الشرعية» الموالى لهم ومساندة باقى فصائل الإسلام السياسى لمشروعهم. قراءة تفاصيل هذا المحدد تقول أن مجئ رئيس جديد بشرعية شعبية قوية أظهرت مدى التماسك الوطنى فى الحرب على الإرهاب، يعد العائق الأهم أمام خيار الصراع الإخواني، ويعد من ناحية أخرى دافعاً لآفول فرص التوحد بين الإخوان والحلفاء على خيار مواصلة الحرب ضد المصريين. ثالث هذه المحددات يخص البيئة العربية والإقليمية والدولية. فالدور القطرى الداعم للإخوان أضحى محاصراً خليجياً بل ومرفوضاً وسيكون مآله الخفوت، ومأزق الإخوان وحلفاءهم من التكفيريين والإرهابيين أضحى شديد الصعوبة فى ظل تغير موازين القوى الداخلية لصالح النظام. أما إقليمياً، فإن رجب طيب أردوغان رئيس الحكومة التركية يواجه انتكاسات داخلية ضده شخصياً وضد حزبه، وباتت أزماته الداخلية تفوق قدراته على مواصلة مشروع الزعامة والخلافة الإسلامية. يبقى الوضع الدولى الداعم للإخوان الأوروبى (خاصة البريطاني) والأمريكى وهو الآخر فى تحول ضده، وهذا التحول مرجح أن يزداد تعمقاً بعد نجاح الانتخابات الرئاسية المصرية. معنى هذا أن فرص الإخوان على مواصلة مشروع استرداد السلطة تتراجع، وأنهم أضحوا فعلاً بين خيارى اليأس والرجاء. اليأس سيدفعهم إلى مواصلة المزيد من الحماقات والجرائم، أما الرجاء فهو الرهان على تحول شعبى قد لا يتأخر كثيراً ضد الرئيس الجديد والحكم الجديد فى ظل عجز محتمل عن تحقيق وفاق وطنى مساند، وفشل فى حل سريع لأزمتى الأمن والاقتصاد. ثورة ثالثة هذا يعنى أنهم سوف يواصلون خيار العنف الدموى لإفشال إن لم يكن إسقاط الحكم الجديد، وتغذية الحاجة إلى «ثورة ثالثة» ولعل فى بيان بروكسل وبنوده العشرة ما يكشف أنهم عازمون على إسقاط الحكم فى مصر واستعادة حكمهم ولكن وفق قواعد أفضل لمشاركة قطاعات شعبية وسياسية أوسع. أما خيار التهدئة فسيبقى الخيار الاحتياطى فى حالة الفشل لامتلاك خط رجعة يجدد لهم فرصة «بعث حكم جديد» فى ظروف أفضل مما هى الآن.