نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة فى اوكرانيا التى اسفرت عن فوز بيتر بوروشينكو من الجولة الاولى متفوقا على شريكته السابقة يوليا تيموشينكو «اميرة الثورة البرتقالية» بفارق هائل، تفتح الابواب امام كل الاحتمالات. وكان بوروشينكو انطلق فى حملات دعايته الانتخابية بتأكيد انه لا يمكن الحديث عن الأمن والاستقرار فى المنطقة بدون روسيا، فى نفس الوقت الذى راح فيه يغازل الاخرين "على الضفة الغربية" ممن سبق وقال انه يظل يعول الكثير من مستقبل بلاده على الانضمام اليهم فى اطار "منظومة الامن الاوروبي"، مؤكدا على عدم تخليه عن حلم «استعادة القرم»!. النتائج الاولية للانتخابات الاوكرانية اسفرت عن فوز بوروشينكو بنسبة تزيد عن 57% اى بما يزيد كثيرا عن مجمل عدد الاصوات التى حصل عليها كل منافسيه وكانوا يزيدون عن العشرة، بمن فيهم تيموشينكو التى لم تحصل سوى على 12.39%!. هكذا يتوالى مسلسل سقوط نجوم "الثورة البرتقالية"، بداية بفيكتور يوشينكو فى عام 2010، ونهاية باميرتها تيموشينكو، فى الانتخابات الاخيرة، وإن حملت احد رفاقها وهو بيتر بوروشينكو المعروف تحت اسم "ملك الشيكولاتة" الى موقع الصدارة، مُتقدما على كل نجوم "الميدان" وقيادات الانتفاضة الاخيرة فى كييف، ومنهم دميترى ياروش اليمينى المتطرف زعيم "القطاع الايمن"الذى جاء مع زميله المتطرف الاخر اوليج تياجينبوك فى ذيل قائمة المرشحين بنسبة اصوات تقل عن 1%، وهما اللذان ظلا يحكمان الشارع الاوكرانى بفصائلهما المسلحة طوال الاشهر الاخيرة منذ اندلاع الثورة الاوكرانية فى نهاية العام الماضى . نتائج هذه الانتخابات مقدمة لجولة جديدة من الصراعات المتوقعة حول فكرة اعادة رسم خريطة المنطقة، التى نصت عليها مخططات واشنطن وحلفائها وهو ما يبدو بوروشينكو على يقين من صعوبته. وكان بوروشينكو الذى خرج من معطف "الثورة البرتقالية" وعمل مع كل الرؤساء السابقين من كوتشما وحتى يانوكوفيتش ويوشينكو، استبق ظهور نتائج الانتخابات الرئاسية بجملة من التصريحات، قال فيها انه يستحيل دون مشاركة روسيا تحقيق الاستقرار فى اوكرانيا، وبلوغ الامن فى المنطقة. قال بانه يرفض نتائج الاستفتاء فى جنوب شرق اوكرانيا، فيما اكد انه سيبذل قصارى جهده من اجل استعادة شبه جزيرة القرم. وفى اعقاب الاعلان عن النتائج الاولية، كشف عن ان اول زيارة سيقوم بها ستكون لمنطقة الدونباس فى جنوب شرق اوكرانيا، حيث المواجهات المسلحة تحتدم للشهر الثانى على التوالي، ما يعنى عزمه على تحقيق المصالحة ولم الشمل، وتعبيرا عن الرغبة فى استعادة السيطرة المركزية على المناطق التى جنحت نحو الاستقلال بما يهدد وحدة اراضى الدولة الاوكرانية. اعرب عن استعداده لاصدار العفو عن المسلحين، والموافقة على الكثير من مطالب هذه المناطق، ومنها انتخاب الهيئات المحلية للسلطة هناك، واقرار الوضعية الرسمية للغة الروسية الى جانب اللغة الاوكرانية، وإن اشار الى عدم جواز مهادنة الارهابيين. اما اول زيارة خارجية فقال انه سيقوم بها لبولندا المجاورة، وهو الذى يعرف ان الجزء الاعظم من اراضى غرب اوكرانيا «بولندية الاصل». اما عن علاقات بلاده مع روسيا الجارة الكبرى، فقال انها بلغت من التوتر والتدهور مستوى لم تعرفه منذ ما يزيد على مائتى عام. واكد رغبته فى العلاقات معها دون ان يستبعد احتمالات تدخل الاتحاد الاوروبى أو واشنطن كوسيط فى هذا المباحثات، مشيرا الى اتفاقيات جنيف كآلية مبدئية للتطور على هذا الطريق، وإن كان الرئيس بوتين اعرب على نحو غير مباشر عن استعداده للاعتراف بنتائج الانتخابات الاوكرانية والجلوس الى المفاوضات مع الرئيس الجديد، لكن شريطة ان تبادر اوكرانيا بدفع ما تدين به لروسيا لقاء صادراتها من الغاز، وهو ما أعرب بوروشينكو عن بعض تحفظاته عليه فى نفس الوقت الذى كشف فيه عن رغبته فى اللقاء مع الرئيس بوتين فى اسرع وقت ممكن.وقال ان الموقف الراهن ليس قضية ديون، بل هو قضية سياسية تتعلق بسيادة اوكرانيا على كامل اراضيها، وبالاوضاع غير المستقرة فى جنوب شرق اوكرانيا والتى نعتقد بوجود علاقة مباشرة لروسيا بها . يطرح بوروشينكو شعارات "التغيير والمصالحة" فى صدارة سياساته التى قال انه سيسعى من اجل تطبيقها فى اوكرانيا. اشار الى انه سيعيد هيكلة السلطة فى اطار اللامركزية، ويعلن عن اجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة قبل نهاية العام الجاري. وكشف الرئيس الجديد عن عزمه على توقيع اتفاق الشراكة مع الاتحاد الاوروبى وهو الذى سبق وطرح سلفه فيكتور يانوكوفيتش تاجيله ما اشعل شرارة الانتفاضة المسلحة، وما اسفر عن عزله لاحقا فى فبراير الماضي، وإن كانت موسكو تلوح من آن لاخر بعدم مشروعية ذلك ما يوفر الاساس القانونى لعدم الاعتراف بمشروعية الانتخابات الرئاسية الاوكرانية. اما عن العلاقة مع المنظومة الغربية فلم ينكر بوروشينكو انها تظل هاجسه الاكبر المراد تحقيقه، انطلاقا من ان تطوير العلاقات مع الاتحاد الأوروبى ضمانة اضافية لأمن اوكرانيا فى اطار فضاء الأمن الأوروبى المشترك، على حد قوله.
نشير فى ايجاز الى انه يبلغ من العمر 48 عاما وبدأ حياته العملية فى عام 1989 بعد تخرجه من جامعة كييف "السوفيتية" حيث درس الاقتصاد. وقد حقق ثروة تقدر بمليار وثلاثمائة مليون دولار من ملكية العديد من مصانع الشيكولاتة فى العديد من مدن اوكرانياوروسيا وليتوانيا والمجر، الى جانب مشاركته فى عدد من مؤسسات صناعة السيارات، فضلا عن قناة تليفزيونية خاصة وهى «القناة الخامسة» احدى ابرز المؤسسات الإعلامية الأوكرانية. كما ان بوروشينكو ليس غريبا عن السلطة التى خبر الكثير من دروبها منذ نهاية تسعينيات القرن الماضى من خلال عضويته فى البرلمان لاكثر من دورة متتالية، وما شغله من مناصب سياسية مرموقة بداية بسكرتير مجلس الامن القومى الأوكرانى ومرورا بالعديد من المناصب الوزارية ومنها الدفاع والخارجية والتنمية الاقتصادية.